لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

طلعت حرب راجع.. يسخر من البسطاء تقريبًا

محمد مهدي

طلعت حرب راجع.. يسخر من البسطاء تقريبًا

محمد مهدي
09:03 م الأربعاء 31 مايو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كتب- محمد مهدي:

بجسد نحيل وملابس مهترئة، افترش "حسانين"-اسم مستعار لشخصية حقيقية-الأرض داخل قسم شرطة رشيد، يتأمل عشرات الناجين معه من الجحيم، ليس من بينهم جاره الطفل الذي فُقد في البحر، تنهمر دموعه، يحكي عن تجربته الأليمة، غرق المركب الذي تحمله، صراع الركاب حوله للحياة، صراخهم، فزع الأطفال، الأيادي الممدودة إلى السماء، اتصالات النجدة التي لا تصل، لحظات اليأس واقتراب النهاية، والأثر الذي خلفته التجربة في نفسه.
                         
تذكرت هذا الشاب العشريني، الذي التقيت به أثناء تغطيتي لحادث غرق مركب رشيد في سبتمبر الماضي، والذي راح ضحيته أكثر من 184شخصا، عندما رأيت إعلان بنك مصر (حسانين ومحمدين) تحت شعار "طلعت حرب راجع"، يحكي عن قصة شخصين أحدهما (محمدين) اختار تنفيذ مشروع بمساعدة البنك لتتحول حياته بين ليلة وضحاها إلى جنة، فيما يلاقي الأخر (حسانين) كل شر عند اختياره الهجرة غير الشرعية بحثًا عن لقمة العيش في أوروبا.

بعيدًا عن سذاجة الطرح والمباشرة الفجة في الإعلان، لكن المُفزع في الأمر هو التهكم على تجربة "حسانين" رغم كونها مأساوية، تخيلت لحظتها صاحبنا وهو يتابع الإعلان، ينصت للجملة المسمومة الساخرة "حسانين راح في الغير مشروع" بينما يظهر على الشاشة غرق المسافرين، بماذا يشعر؟ كيف يمر الإعلان عليه وغيره من الآلاف الذين خاضوا التجربة؟ وهل تلك طريقة لائقة للحديث عن مبادرة جديدة لأحد البنوك؟!

هناك الآلاف من "حسانين"، كلا منهم لديه أحلامه، لا يبغى أحدهم الموت، أو إلقاء نفسه في التهلكة، لكنهم لم يجدوا-بحسب روايات عدد منهم- ما يقيهم شر الحاجة، خرجوا إلى البحر بحثًا عن العمل في أوروبا، بعضهم نجح، وآخرين بات مثواهم البحر، لا نشجعهم على ذلك، نتمنى أن يبقوا في بلدهم، يحاولون مرارا وتكرارا، لكننا في الوقت نفسه لا يمكن أن نلومهم أو نسخر منهم.

الإعلان سيء وعنصري، هذا أمر واضح، لكن في نهاية الأمر هو فن، لذا لا نطلب مصادرته، لكن على الأقل نلفت انتباه أصحابه لخطأهم الفادح في حق كل من يُمثلهم "حسانين"، نطالبهم بالاعتذار عنه، بتوضيح موقفهم، وأن يمنح البنك أولوية لهؤلاء الذين عادوا من الموت بدلًا من السخرية فهذا أفضل وأهم.

إعلان