لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كيف كوَّن تنظيم الإخوان "المسلمين" إمبراطوريته التنظيمية والمالية؟ (1)

كيف كوَّن تنظيم الإخوان "المسلمين" إمبراطوريته التنظيمية والمالية؟ (1)

د. عبد الخالق فاروق
09:05 م الخميس 21 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أسباب الانتشار التنظيمي منذ مطلع السبعينات

لم تكن عملية إعادة إحياء جثة تنظيم الإخوان "المسلمين" منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي، بعد أن تعرض التنظيم لعملية سحق وتفكيك كاملين، من خلال الضربتين الأمنيتين اللتين جرتا في أعقاب محاولتهم اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر عام 1954، وفي المحاولة الثانية التي قادها سيد قطب عام 1965، وليدة الصدفة، بقدر ما كانت عملية تلاقٍ لرغبتين سياسيتين إحداهما داخلية، تمثلت فى رغبة الرئيس الأسبق أنور السادات فى استخدامهم في مواجهة نفوذ قوى اليسار والناصريين المعارضة لسياساته منذ عام 1972، وهو ما بات معروفًا للجميع من المؤرخين والمحللين، والثانية رغبة أمريكية مُررت أو نُقلت إلى الرئيس السادات من خلال صديقه السعودي الشيخ كمال أدهم، مدير المخابرات السعودية في ذلك الوقت، وقد ساهمت ظروف موضوعية في انتشار واتساع نفوذ جماعة الإخوان "المسلمين" وبقية جماعات الإسلام السياسي، في تلك الحقبة سواء في مصر، أو بقية بلدان المهجر في أوروبا والولايات المتحدة، وكان من أبرز هذه الظروف:

الأولى: تغير إيجابي في مصر منذ عام 1972 لصالح التيارات الدينية عمومًا، وجماعة الإخوان المسلمين خصوصًا، واستخدام الرئيس السادات لهذه الورقة في مواجهة خصومه السياسيين في الداخل، وإرضاء لبعض الأطراف الإقليمية، وخصوصًا المملكة السعودية، وكذا محاولته التقارب مع الولايات المتحدة، وأوربا لمواجهة ما أسماه النفوذ الشيوعي والناصري في مصر والمنطقة العربية.

الثانية: تغير النظرة المصرية لقانون الجنسية والتجنس بجنسية ثانية، وتعديل قانون الجنسية المصري (بالقانون رقم 26 لسنة 1975)، والذي سمح وسهل الحصول على جنسية ثانية للمصريين في الخارج، دون نزع الجنسية المصرية، بحجة الاستفادة من المهاجرين في الخارج، وكذلك فعلت معظم الدول العربية.

الثالثة: الزيادة المطردة في أعداد المبعوثين والدارسين والمهاجرين المصريين والعرب من المسلمين إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وتساهل هذه الدول في منح تصاريح الإقامة والحصول على الجنسية لملايين من هؤلاء، في إطار منظور إستراتيجي متعدد الأبعاد، بعضه يهدف إلى الاستفادة من الطاقات العلمية والعملية لهؤلاء، وبعضه الآخر للاستفادة منهم في المستقبل في اختراق بيئاتهم الأصلية وقت الضرورة.

الرابعة: انسحاب الدولة التدريجي من أهم أدوارها ووظائفها في الرعاية الاجتماعية (التعليم والصحة ورعاية الفقراء) تحت شعار تخفيف العبء عن الدولة، فسمح بذلك لتلك الجماعات، وخصوصًا تنظيم الإخوان "المسلمين"، في التسلل إلى كل المناطق الفقيرة في ربوع مصر ومحافظاتها، لتقديم تلك الخدمات بأسعار متدنية، وأحيانًا مجانية، فكسبت عقول وقلوب كثير من الفقراء والمحتاجين.

وفي أوروبا والولايات المتحدة، انتشر التنظيم وكوادره، مستفيدين من القدرات المالية المتاحة لهم من ناحية، ومن مناخ التسامح الديني والحريات العامة من ناحية أخرى.

ووفقًا للدراسات الديموجرافية – السياسية التي قام بها مركز Pew والتي شارك في إعدادها حوالي خمسين جغرافيًا وخبيرًا وأكاديميًا عام 2009، فقد تبين أن عدد المسلمين في العالم قد بلغ حوالي 1.57 مليار نسمة، يشكلون حوالي 23% من سكان الكرة الأرضية، والمقدر وقتئذ بحوالي 6.8 مليار نسمة، لكن المسح الإحصائي يظهر أنهم يتوزعون على النحو التالي:

- حوالي 60% من المسلمين موجودون في آسيا.

- 20% آخرون يعيشون في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي وشمال إفريقيا.

- والـ 20% الباقون يتوزعون في دول العالم الأخرى، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة أو أمريكا اللاتينية أو أستراليا.

- وأن 87% من هؤلاء المسلمين في العالم من المذاهب السنية، بينما الـ13% الآخرون من أهل الشيعة، والأخيرون يتركزون في أربع دول تقريبًا هي إيران والعراق والهند وباكستان على الترتيب.

وفي دراسة قام بها في عام 2010 أحد المراكز البحثية المعنية بمحاربة التمييز ومساعدة الأقليات، أشارت إلى نتائج مهمة حول انتشار المسلمين في أوروبا، حيث تبين الآتي:

- أن عدد المسلمين في أوروبا – دون حساب تركيا – قد بلغ 44 مليون نسمة.

- وأن المسلمين من أصول أوروبية لا يزيدون على 9 ملايين نسمة.

- بينما الجزء الأوروبي من روسيا الاتحادية يوجد به حوالي 17 مليون نسمة يدينون بالإسلام رسميًا.

- وأن عدد المسلمين في فرنسا يبلغ حوالي 7 ملايين نسمة، يليها إيطاليا بحوالي 6.5 مليون مسلم، ثم ألمانيا بحوالي 5 ملايين مسلم، ثم بريطانيا بحوالي 3 ملايين مسلم، وبعدها هولندا بحوالي مليون مسلم.

- ومن بين هؤلاء المسلمين يوجد حوالي 15 مليونًا من المهاجرين من دول عربية وإسلامية من آسيا، علاوة –بالطبع- على المهاجرين والعمال الأتراك، وقدرت الدراسة أن يتضاعف هذا العدد بحلول عام 2025، وقبل ما ظهر من داعش والقاعدة في مطلع عام 2012، وما أظهراه من جرائم وحشية في عدة بلدان عربية وأوربية، فجعلت الإسلام دينًا غير مرحب به في دوائر واسعة من سكان هذه المجتمعات الأوروبية.

- كما تبين في دراسة أخرى أن معظم المسلمين في أوروبا يقيمون في العواصم والمدن الصناعية.

ويتركز العدد الأكبر من المسلمين في أوروبا في فرنسا (حوالي 6.5 إلى 7 ملايين نسمة)، يليها إيطاليا (6.5 مليون نسمة)، ثم ألمانيا (3.5 مليون مسلم)، وبقية الدول الأوروبية مثل ألبانيا والبوسنة والهرسك، وبلغاريا وهكذا .(Source: Muslim In Europe, A Report On 11 E.U Cities, Open Society Institute, New York – London –Budapest, 2010, At Home Project, Second Edition (osi)

ووسط هذه الكتل الاجتماعية والإنسانية تحركت خلايا تنظيم الإخوان المسلمين، مستفيدة من :

1 - حالة الاستقطاب والعداء في أوساط بعض القوى العنصرية في أوروبا ضد المسلمين في بعض الأوقات من ناحية.

2 - ومستفيدة كذلك من حرية ممارسة الشعائر الدينية والديمقراطية السياسية التي تتمتع بها شعوب هذه البلدان من ناحية أخرى.

3 - والدور الذي لعبه تنظيم الإخوان المسلمين سواء في الحرب ضد الأفكار الاشتراكية والشيوعية والناصرية والبعثية، المعادية للاستعمار الأمريكي والأوروبي للمنطقة العربية والإسلامية، وضد السوفييت في أفغانستان من ناحية أخرى.

قد ساهم تساهل هذه الدول الأوربية - تجاه نشاط هذا التنظيم، في انتشاره وسط بعض المسلمين (السنة العرب خصوصًا)، وخلق كيانات تنظيمية واجتماعية في كثير من هذه الدول.

لقد مكن العمل الدعوي (للإخوان المسلمين) من تأسيس أكثر من 500 مؤسسة في 28 بلدًا أوروبيًا، وذلك عبر اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، الذي يقع مقره في بروكسل، وهو ممثل جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، يديره حاليًا السويدي من أصل عربي "شكيب بن مخلوف".

كما سمحت حركة الهجرة والتوطن الواسعة النطاق في ألمانيا، خصوصًا من الأتراك والمصريين والسوريين، بزيادة عدد المسلمين المهاجرين والمقيمين في ألمانيا عامًا بعد آخر، حتى وصل وفقًا لبعض التقديرات ما بين 4.8 مليون نسمة إلى 5.3 مليون نسمة، أكثر من نصفهم من الأتراك، وتحديدًا حوالي 2.6 مليون تركي..

وينطبق الأمر ذاته على بقية الجاليات "المسلمة"، سواء في ألمانيا أو في الدول الأوروبية، أو حتى في الولايات المتحدة الأمريكية. بيد أن الكتلة التي يتحرك من خلالها التنظيمات الدينية عمومًا لا تزيد على 10% إلى 20% من إجمالي الجاليات الإسلامية، أي ما بين مليون ومليوني شخص من جميع الجنسيات والأعمار.

ومن أبرز التنظيمات والكيانات التي تتحرك في الأوساط المسلمة في ألمانيا، وربما في أوروبا كلها ثلاثة هي بالترتيب والأقدمية التاريخية:

1 - الجماعة الإسلامية الباكستانية التي أسسها (أبو الأعلى المودودي)، الذي ينظر إليه في باكستان وبعض مسلمي آسيا بأنه المناظر للشيخ حسن البنا للمصريين والعرب من أعضاء الإخوان المسلمين.

2 - تنظيم الإخوان المسلمين بقيادة سعيد رمضان وإبراهيم منير ويوسف ندا، والسوري غالب همت وعصام العطار، وجاء من بعدهم قيادات الجيل الثاني، ومن أبرزهم إبراهيم الزيات وشقيقيه بلال الزيات ومنال الزيات، وأحمد الراوي وآخرين.

3 - تنظيم مللي جروش Milli Gorus التركية – وتعني فكر الأمة – التي أسسها نجم الدين أربكان في الستينيات في ولاية كولون الألمانية، ويقدر البعض عدد أعضائها ومناصريها بحوالي 250 ألف شخص.

لقد تحول مسجد "ميونيخ" والمركز الإسلامي فيها، عبر إقامة شبكة واسعة من المساجد والمراكز الإسلامية الدينية والتعليمية في ألمانيا، إلى مرحلة جديدة تمامًا عبر تأسيس أهم ثلاثة جمعيات وأطر تنظيمية كبرى هي:

1 - الجمعية الإسلامية في ألمانيا عام 1982 Islamic Society Of Germany ( I.G.D )

2 - المركز الإسلامي في جنيف Islamic Center Of Geneva I.C.G

3 - رابطة العالم الإسلامي Muslim World League

والأخيرة مولتها المملكة السعودية، ولكن تحت قيادة وخبرة تنظيم وقيادات الإخوان المسلمين في أوروبا، وتشرف الجمعية الإسلامية في ألمانيا (I.G.D)، التي تقع تحت السيطرة المباشرة والكاملة للتنظيم الدولي للإخوان في ألمانيا، وفقًا لبعض التقديرات على شبكة واسعة من المساجد يقدر عددها بحوالي 200 مسجد، ويكفي أن نشير إلى أن السيد "مهدي عاكف" قد تولى الإشراف عليها والإمامة في مساجدها طوال الفترة (1984 -1987)، ليعود بعدها ليشغل موقع المرشد العام للتنظيم الإخواني في مصر والعالم، ليتأكد أهمية هذه الجمعية في أوروبا، رغم أن هذه الجمعية لا تمثل في بعض التقديرات سوى 3% من إجمالي المسلمين في ألمانيا (أي حوالي 120 ألفًا، غالبيتهم الكاسحة من المصريين والعرب المقيمين في هذه البلاد)، ومن هنا لم تمنحها السلطات الألمانية مزايا القانون (كور) الذي ينص على الإعفاء الضريبي للمؤسسات الدينية (المسيحية أو اليهودية أو الإسلامية)، وحقها في جمع الضرائب لأنصار هذه الديانة أو تلك، بنسبة قد تصل إلى 9% من دخل الأعضاء، بينما منحت هذا الوضع القانوني إلى المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا ومقره في العاصمة برلين، ويسيطر عليه المسلمون الأتراك.

والآن.. ما ملامح صورة الاختراق الإخواني لبقية المجتمعات الأوروبية؟

هذا ما سنتناوله في المقال التالي إن شاء الله.

إعلان