لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مش بأقولك بلد تموت من الضحك!

مش بأقولك بلد تموت من الضحك!

محمد شعير
09:02 م الخميس 12 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أتاح لي الحظ أن أقترب من كاتبنا الصحفي الكبير كامل زهيري. حاورته طويلا على مدى ساعات ولأيام متعددة في منزله، وكان بيننا اتصالات هاتفية مستمرة. ومنه تعلمت، وغيري أيضا، الكثير من الدروس، التي كان يمررها لنا بذكاء، وبلا وصاية!

كان نقيب النقاء – كما يناديه الجميع- لا يمل من أن يحكي تلك الحكاية لكل من يقابله.

عن وزير سوداني كان صديقا له، وكان في المعارضة السودانية، وتغيرت الظروف، وأصبح في موقع سلطة. عندما زاره زهيري ذات مرة. فوجئ بالوزير يسأله:

إيه أجمل حاجة في الدنيا يا كامل؟

ضحك كامل.. وأجاب: النسوان يا سيادة الوزير.

رد الوزير: لا.

قال زهيري بلهجته الساخرة: المانجة.

قال الوزير أيضا: لا. وصمت قليلا قبل أن يجيب: "السُلطة" هي أجمل حاجة في الدنيا يا كامل!

كان كامل يحكي الحكاية كثيرا في حواراته الصحفية، وفي جلساته الخاصة متأملا ماذا تفعل السلطة بعاشقيها، متتبعا مصائرهم. تماما كما كان يفعل ذلك عندما يتوقف أمام إحدى عمارات وسط البلد القديمة وقد اختفت تفاصيلها الجميلة أمام القبح الذي يحاصرنا!

كان الراحل يمتلك قدرة على فرز البشر من وجوههم.. لأن هناك وجوها ذكية وأخرى غبية، ويستطيع من خلال ذلك أن يرصد قوانين الصعود والهبوط والتحولات التي تصيبهم.

ماذا لو كان بيننا كامل زهيري الآن وشاهد وضع الصحافة المصرية؟ وماذا كان سيكتب على "تويتر" وهو البارع في تكثيف العبارة الساخرة التي تنفتح على دلالات بلا نهاية؟

لم يقتنع زهيري في شبابه بأن التعليم فقط في الكتب قال لأبيه: أريد أن أتعلم وسافر عاما في الهند وثلاثة في مدينة الجن والملائكة باريس، حيث الفن على قفا من يشيل!

في فرنسا حاول أن يتعلم كل شيء: لغة، أدب، تاريخ، فلسفة وفن، شاهد كل شيء: مسرح وأوبرا ومعارض تشكيلية، دار في المكتبات والمعارض والبارات والمتاحف والكنائس، شارك في المظاهرات وحركات الاحتجاج، وصادق أدباء فلاسفة ومفكرين وزعماء ووزراء وصعاليك أيضا، ولكن ظل حبه لمصر.. ثمة مسافة بينه وبين الرجل الفرنسي الذي يسير بجواره أو يبعد عنه بخطوتين، رغم قربهما ثمة مسافة كبيرة بينهما لا تزول، مهما سافر ثمة شيء بداخله يشده إلى وطنه. فالمسافة هي (محاولة التعرف على الآخر لا باعتباره جحيما أو عدوا.. تستفيد منه وتفيده ولكن لا تذوب فيه)! وهو نفس المبدأ الذي كان يحكمه فى علاقته بالسلطة: مسافة تجعلك ترى اللوحة جيدا.. واستقلال ضروري في الفن والتفكير والحكم على الأحداث لأن الإغراق في الحدث سيعميك من أن تراه جيدا. كان مبدؤه أن يتعامل مع الرؤساء والحكام بطريقة (احذر ولا تخونش) ويستمع إليهم بنفس الاهتمام الذي يبديه حين يستمع إلى عسكري مرور، كلاهما يملك أسرارا قد تفيده في عمله الصحفي!

كان يرصد التحولات ببراعة، ليس فقط تحولات البشر، وإنما أيضا تحولات المدن، والأحوال. يحكي بأسلوبه المميز حكايات وأسرار من كواليس السلطة، ويتوقف بين كل حكاية وحكاية.. قائلا: "تصدق.. والله مسخرة، دي بلد تموت من الضحك".

"تخيل جمال عبد الناصر بيعمل جورنال الجمهورية علشان يوصل لسمير رجب"!

وسمير رجب هو إحدى الحكايات الكبرى في عهد مبارك.. وحكايته مع زهيري شهيرة، وربما يعرفها الكثيرون ممن يعملون في الصحافة. عندما منحت نقابة الصحفيين جائزتها التقديرية السنوية لزهيري.. غضب سمير رجب، لأن زهيري بالنسبة له مجرد محرر صحفي يعمل تحت رئاسته في "الجمهورية" ويكتب فقط عمودا يوميا. تساءل رجب: ليه النقابة تكرم محررا عندي ومتكرمنيش؟ قد يكون السؤال جائزا من رئيس تحرير لا يكتب سوى لقارئ واحد فقط ولا يعنيه سوى رأيه، ولكن الأغرب أن سمير رجب وجه اللوم لزهيري لأنه تجرأ ووافق على تكريم النقابة له ولم يتنازل عن التكريم لرئيسه، وكان عقابه وقف نشر عموده اليومي!

قلت: الحكاية كلها مسخرة!

قال: مش بأقولك بلد تموت من الضحك!

بالفعل هي كذلك، إنها حكايات للعبر!

إعلان