لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

يا وزير الداخلية: أنا أنتظرك في خيمتي..!

يا وزير الداخلية: أنا أنتظرك في خيمتي..!

12:09 م الإثنين 28 مارس 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:
من المؤسف أن أجد نفسي مضطراً لتوجيه النقد لأحد الأجهزة الرسمية الهامة من المفترض تمتعه بالحصافة والمصداقية، ولما له من تقدير عن دوره الهام في ضبط ايقاع النظام وتوطيد دعائم الاستقرار في الدولة.. هل تتحرك الأجهزة الأمنية فقط حين توضع تحت ضغط؟ ولماذا وصل الحال في أروقتها إلى هذا المستوى المؤسف الذي أقل ما يوصف به أنه يدعو للقلق ويرسخ للارتباك؟

في فبراير 2016 الماضي، اضطرت وزارة الداخلية على لسان المتحدث الرسمي باسمها، وتحت ضغوط رسمية سياسية ودبلوماسية إلى اصدار بيان مقتضب عن مصرع الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، وجاء في البيان أن الجريمة قد تكون حدثت بسبب تعدد علاقات المجني عليه وتشعبها على الرغم من قصر مدة تواجده في مصر! وهو بيان محير لم يلق أي صدى طيب لدى إيطاليا ولا جميع دول الاتحاد الأوروبي، ولا أي جهة عاقلة في مجتمعات يتم فيها التعامل مع جرائم القتل والتعذيب بصورة أكثر جدية.

ثم تطالعنا صفحات الإعلام مع بداية هذا الأسبوع تحت عنوان عاجل وهام بخبر مصحوب بضجة اعلامية تبدو انفعالية، وبيان على لسان المتحدث الرسمي باسم الوزارة يفيد بنجاح أجهزة الداخلية في تصفية الجناة عن بكرة أبيهم والعثور بعدها بيوم بحوزتهم على متعلقات الضحية وجواز سفره الخاص وهاتفه الجوال وأشياء أخرى..

بين البيان الأول والثاني فترة زمنية تقدر بحوالي شهر.. وحادث الاختطاف من المفترض أنه وقع عشية 25 يناير 2016 حسب الروايات المتوفرة.. أي أننا أمام جريمة مكتملة الأركان تفاعلت معها أجهزة الأمن المعنية بجدية، ونجحت في الوقوف على تفاصيلها بالكامل وإنهاء تبعاتها بتصفية الجناة في خلال 90 يوم أو تزيد قليلاً..! هذا الأمر يفتح حتماً باب الجدل حول القدرات الحقيقية للقائمين على المنظومة الأمنية في مصر لفك شفرات مثل تلك الجرائم، التي بعيداً عن وحشيتها وضراوتها بدت في أول الأمر لغزاً شديد التعقيد، وانتهت إلى تفنيد مقتضب أقرب إلى السذاجة ربما لم يطرب له أي طرف عاقل من متابعي تلك القضية خطيرة التبعات..

الفصل بين تداول القضية على المستوى الشعبي وبين الروايات الرسمية أمر شديد الأهمية خصوصاً إذا ما أردنا الوقوف على الحقائق المجردة؛ فالتداول الشعبي للقصص والجرائم على منتديات الدردشة وصفحات التواصل قد تشوبه مبالغات ومزايدات متوقعة، لكن الروايات الرسمية شيء أخر.. ولا يجب أن تخرج أبداً بشكل متعجل دون حسابات دقيقة، لما قد يسببه هذا من إساءة لسمعة دولة بالكامل، ويؤثر بشكل كبير ومتوقع على علاقاتها الدولية.. يبدو أن بعض الشخصيات الضالعة داخل الأجهزة الأمنية من أصحاب النظريات المعقدة حاولوا عدم ترك أي فرصة لثغرات قد تفتح باب الجدل في تلك القضية تحديداً، أو على محمل أخر ربما أرادوا كعادتهم اصطياد كل الطيور بنفس الحجر..؟ لكنهم مع الأسف ودون إدراك ربما فتحوا النيران على مستقبل دولة وشعب وثقافة بالكامل من خلال تصريحات رسمية غير محسوبة العواقب، تلك التي جاءت على لسان المتحدث الرسمي؛ فالمجني عليه تمت تصفيته ببشاعة فقط لأنه أجنبي يقيم في مصر، وطبقاً للرواية الرسمية وجهت له عصابة الخاطفين (جهة ليست ذات أي صفة) تهمة التعامل مع جماعة إرهابية لابتزازه..!

إذاً ما سلمنا بدقة تلك الرواية الرسمية ومصداقيتها، فمن الممكن إذاً اعتبار هذه الجريمة إنذار شديد اللهجة للرعايا الأجانب المقيمين في مصر بأن حياتهم مهددة فقط بسبب ملامحهم وتحركاتهم.. وأيضاً يمكن اعتبارها تنبيه عام للجميع بأن التحرك من خلال أي منظومة عمل مجتمعي مدني أو حقوقي بشكل فردي أو جماعي سيتم تفسيره فوراً من جهات عصابية مُعترف رسمياً بوجودها على إنه تعاون مع جماعات إرهابية، فبالتالي نرسخ لأن استهداف أي نشاط من هذا النوع سوف يحدث ويتكرر، وإنه سيتم بواسطة عصابات وحشية موجودة بالفعل، ومن ثم تقع مسئولية تصفيتها بهذا الشكل الذي سيُخفي حتماً معالم الجريمة مع تصفية الجاني المفترض على الأجهزة الأمنية، هذا من باب رفع الضرر المجتمعي فقط وليس بتر الدافع وراء الجريمة، وهو الأمر الذي سيؤدي بالتبعية إلى تخفيف الانتقادات الموجهة للأجهزة الأمنية بشأن تجاوزات أفرادها التي زادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وأصبحت في عداد جرائم يتم ارتكابها باسم القانون..!

أكتب تلك الكلمات وأنا في غاية القلق على مستقبل الأمن في دولة الأمان المذكور رسمياً في الكتب السماوية! كيف سنقوم بإقناع من يرغبون في التواصل معنا بأن بلدنا آمن؟ وكيف يتسنى لنا إذاً أن نطلب من مستثمرين أو سائحين أو حتى طلاب علم القدوم لمصر؟ وتحت أي مظلة نستطيع أن نوفر لهم أدنى الحقوق الإنسانية؟

ما جاء من تصريحات للداخلية يُضعف من موقف مصر التفاوضي في أي قضية محلية أو دولية، ويقوض كل الجهود المبذولة لتحسين صورة الأوضاع الاجتماعية المتردية التي ندعي دائماً أنها تحت السيطرة وفي الحسبان.. وفي هذا لا أستطيع إلقاء اللوم على الشامتين أو المتربصين الذين وجدوا ضالتهم في تصريحات الداخلية بشأن قضية ريجيني، وحولوها لمادة خصبة للتندر والسخرية وخلط الحق بالباطل. وأخيراً لا يسعني إلا أن أتذكر مشهد من فيلم الناصر صلاح الدين، حين كان ريتشارد قلب الأسد ثمل واكتشف مؤامرة فيليب أغسطس ملك فرنسا وفرسان المعبد بقتل رسله لدى عودتهم بعد توقيع هدنة عقدها مع صلاح الدين، ولم يرغب ريتشارد حينها في إهانة فيليب أمام الحضور من قادة الجيوش الصليبية فقال له: يا ملك فرنسا أنا أنتظرك في خيمتي..!

 

إعلان