لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وجهة نظر: لهذه الأسباب يناير 2011 لن يتكرر..!

وجهة نظر: لهذه الأسباب يناير 2011 لن يتكرر..!

09:46 ص السبت 09 يناير 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

لم أكن لأشرع في كتابة تلك السطور إلا بعد أن أرهقني ما تابعت من أنماط خلافية على المستويين الشعبي والرسمي تتراوح بين تأييد واحترام وتوجس، أو خوف وتربص واستهداف لذكرى الملحمة الشعبية الأهم في تاريخ مصر المعاصر ثورة يناير 2011.. الثورة التي أثارت الجدل الأكبر حول ماهيتها وتفاصيلها ودوافعها، والتي مازال التاريخ يحتاج للكثير من الوقت كي ينجح في فك رموزها..

أنا على قناعة بأن الأحداث التاريخية العظيمة يصعب تكرارها أو استنساخها نظراً لاختلاف الظروف والملابسات، ومعظم الأحداث الثورية وان تشابهت بداياتها لابد لها من تبعات متباينة الطبائع، تقسو بعنف أحياناً وترسل الرحمات أحيانا أخرى.. ومن قناعاتي الراسخة أيضاً أن يناير 2011 لم يكن مجرد حدث، بل ملحمة تاريخية نبيلة بدأت نقية وصادقة، ثم ما لبثت أن علق بها عمداً في مراحل لاحقة الكثير من الشوائب.. لكنها رغم ذلك ستظل دائماً التيار الملهم الساعي للتغيير الحقيقي، والذي مازال يتدفق ويقاوم الكثير من العقبات..

لهذا، ولزوال الأسباب التي قد تستدعي حراك ثوري مشابه، فأنا ببساطة لا أتوقع في القريب حدوث موجة ثورية حقيقية جديدة، أو توحد شعبي على الهدف تماماً كما حدث في يناير 2011 حين قرر الشعب بكل أطيافه التحرك لإنهاء حقبة مقيتة من حكم الفرد الواحد، وقد كان..!

"كل شيء في حركة مستمرة، وأنت لا تستطيع أن تنزل في نفس النهر مرتين" مقولة شهيرة للفيلسوف هرقليطس أرسلها قبل ما يقرب من 2500 سنة، وكان يعني بها أن الحياة في حالة مستمرة من التغير، لذا أتعجب من الذين يستعجلون نتائج التغيير المرجوة، ويريدونها الأن وليس غداً.. هؤلاء ماذا فعلوا إلا المتابعة النظرية والتهكمية، أو محاولة التحكم في الأحداث عن بعد وبشكل أقرب للتآمر، بهدف الوصول إلى نهايات تروقهم فقط، وربما تعيدنا جميعاً للمربع صفر..! هؤلاء ومن على شاكلتهم أظنهم أسرى للوهم وضيق الأفق، وقدراتهم على قراءة الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي شديدة المحدودية. وربما كانت نظرتهم أحادية الجانب شابها قصور وسذاجة مفرطة حين أرادوا قطف الثمار قبل أن تنفلق البذور، وهم في هذا أشبه بمن يعتقد بأنه بمجرد استبدال المدرس في الفصل فإن الفوارق بين التلاميذ ستتلاشى بشكل أوتوماتيكي وتصبح الأمور في نصابها الصحيح..

ربما فاتهم أيضاً أننا أمام مساحات من الفساد والجهل والفقر هي بكل أسف إرث العهد البائد، ستحتاج بالتأكيد إلى الكثير من العمل والجهد والوقت لإصلاحها، فلن يكفي أن يكون التغيير على المستوى القيادي فقط، فهذا أبسط ما يكون، بل المطلوب أن يتم ذلك بشكل جماعي على المستوى الثقافي والسلوكي والقيمي، وهذا الأخير يكون هو المتحكم دائماً في مجريات الأمور عبر تنمية القناعة الذاتية لدى الفرد حتى لو كان في الصفوف المعارضة بوجوب المساهمة في التغيير عن طريق الانخراط في آلياته والتفاعل معها كجزء من المنظومة، وليس العكس كما يحدث الأن بظهور الصراعات الطبقية والعرقية والفئوية التي ملأت الساحة ضجيجاً وعطلت أي فرصة للوصول إلى نتائج إيجابية ملموسة.

راهن البعض على أن تغيير ربان السفينة فقط هو الحل الشافي والنهاية لكل الأوجاع.. ولم يلبث أن انخرط هؤلاء في الإكثار من المديح الزائف والإطراء المهترئ، والتملق المبتذل أمام مجرد إطلالة للزعيم القائد على شعبه ورعيته. عذراً، فليس هكذا تتحول دفة الحياة نحو الأفضل، إنما يحدث هذا بتغيير يشمل الجميع، الربان والركاب والأمتعة، ناهيك عن المسار الذي نخوض فيه، والزمن الذي نقطعه، والهدف الذي نبحر تجاهه. إن شئنا الإنصاف فإنه لابد على من يهتم بسلامة الوصول إلى المقصد التخلص تباعًا من كل ما لديه من حمولة فاسدة وبضائع مزيفة ومتعلقات أصابها ما أصابها من العفونة والتحلل.

التغيير عند الإنسان يحدث بشكل اختياري أو إجباري تبعاً لظروف وسياقات محددة، وفي كلتا الحالتين يكون هناك ولأسباب نفسية ثمة توجس مصاحب لهذا، خاصة على المستوى الثقافي والاجتماعي بما في ذلك المنظومات القائمة على العادات والتقاليد الثيوقراطية التي تتميز بطبعها الصلب الرافض للتطور، وعند ذلك تجدها تتدثر بعباءة بالية من الجمود الفكري، ويكون حدوث التغير داخلها بإيقاع شديد التذبذب، هذا إن حدث.

وهنا سأقتبس بتصرف مقولة أنتوني روبنز الكاتب الأمريكي المعاصر المتخصص في فنون التواصل والإقناع، وهي فقرة من كتابه الشهير "ايقظ المارد الكامن" لعلها توضح لنا موضع العلة الأساسية، "الحقيقة أن الناس يحجمون عن التغيير لأنهم يخشون أن يكون مؤقتًا، ولذلك فهو ربما لا يستحق المعاناة أو المحاولة.. فتجد معظمهم يستسلم ويتقهقر ويستكين ليحافظ فقط على الأمر الواقع مخافة التراجع إلى وضع أسوأ منه"..!

يناير 2011 جاء ليوقظ هذا المارد، وليغير ما ترسخ بداخلنا من تبلد طوال فترة حكم طاغية أنكر المعرفة حين سأله القاضي عن دماء بريئة سالت داخل نطاق مسؤولياته المباشرة.. فإن كان نموذج مبارك صار عبرة لمن خلفه.. فلماذا التوجس إذاً من احتمال تكرار يناير 2011؟

إعلان