لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حازم دياب يكتب - "كتالوج" الشباب

حازم دياب

حازم دياب يكتب - "كتالوج" الشباب

09:00 م الأحد 05 أبريل 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - حازم دياب :

• كانت المرة الأولى التي سمعت فيها لفظة "كتالوج" حين رافقت أبي طفلاً إلى مكتبة "المحبة" في شبرا ليشتري مناظر طبيعية لمحله، طلب والدي من صاحب المكتبة "كتالوج"، سألته المعنى فأجابني: "اللي بيجمّع أحلى المناظر".

• لا يغيب الشباب عن المشهد، يظهرون فيه بشكل غاضب فقط، أو في توابيت يشيعهم فيه أصدقائهم إلى مثواهم الأخير بدلاً من أن يزفوهم إلى أعراسهم، يخرج المحلل/ الإعلامي/ المسؤول سائلاً في دهشة: "هو الشباب عاوز ايه؟".

• في مسرح الهوسابير هناك نحو خمسة عشر شابًا وشابة، يجيبون عن السؤال، يتحركون في إضاءة شاحبة بإمكانيات محدودة، بدفء في الوجوه، وصوت جهوري، يرسمون ملامح جيل بدأ يتنفس مع بداية نظام مبارك، يسألون طوال ساعة وثلث بلا إجابات.

• يسألونك عن منتصف الرحلة، أن تكتشف بغتة أن نصف عمرك تقريبًا مضى دون أن تحقق شيئًا، مرقت السنين في البحث عن وظيفة مناسبة بلا جدوى، في تأجيل وعود الزواج من حبيبتك، حيث لم يحالفك القدر بأن تُولد لأب غني ووظيفتك بالكاد تكفي مواصلاتك، أن تكون تذكرة السينما عبء عليك، أن تقع أسير المتحدثين باسم الدين ولا تتمكّن من الإمساك بتلابيب التعاليم الصحيحة للخالق، ألا تستطيع إقناع أهلك بكيانك المستقبل، أن تفقد الأحبّة وتبحث عن المستقبل، أن تفكّر فيما مضى من عمرك وتشعر بأن الشيب لا يدب فقط في الشعر ويصيبه باللون الأبيض، بل يمتد إلى العقل والجسد ويصيبه بالهرم. خلف الكواليس، ستدرك كيف يحب الشباب/ الممثلين بعضهم، كيف يضم أبناء الجيل على أنفسهم، كيف تكونت الشرنقة على أبناء الجيل بدودة واحدة اسمها: اليأس. في العرض يمكنك أن تتذكر أن للعين وظيفة معطّلة هي البكاء، وأن للفم وظيفة أساسية هي الضحك.

• الكواليس ليست مجرّد استعداد للمشهد القادم في المسرحية، هناك الأصدقاء الممثلين يحدقون في عيون بعضهم الآخر للتشجيع، لغة العيون دائمًا أنجع، يطربون لضحك الجمهور، يحفزون الممثل القادم دوره، اجتمع أغلبهم في مسرح الجامعة، وفرقّتهم الحياة ثم جمعتهم الخشبة من جديد لسويعات يشعرون فيها أن "سوكسية" الجمهور يمكن أن يكون حافزًا جيدًا لمواصلة الرحلة. عندما تتطلّع إلى شباك التذاكر وتلمح الزحام والتكدس، يترسّخ في دخيلتك أن الشباب كثر لكن بلا وجود، غاب عنهم الهتاف، وأصبحت الثورة والنزول إلى الميادين ذكرى ربما سيخجلوا من سردها لأبنائهم لكيلا يسألونهم النتائج.

• السؤال هو الأصعب، يزعق الشيوخ على المنابر محذرين من سؤالك يوم أن تلفظ أنفاسك للخارج ولا تستطيع أن تدخلها مرةً أخرى، تخشى بشكل طفولي من أسئلة الامتحان، الذي يطاردك حتى في كوابيسك عقب تخرّجك، تمل من سؤال السيدة الشمطاء لفتاة عن زواجها/ حملها/ حملها الثاني.. إلخ. فكرة السؤال في حد ذاته تحمل الحيرة التي قذفت بالشيطان خارج النعيم، ورفعت بإبراهيم لأبو الأنبياء.. "ماهية السؤال" هي البرزخ بين هم الحيرة ويقين الوصول. إبان جلوسك، والفريق كله مجتمع على خشبة المسرح والإضاءة تنتّقل بين وجوهم، والموسيقى التصويرية تعمل على إقحامك في المشهد، ستجد من يسألك: "هو عشان أبقى رئيس لازم أدخل الكلية الحربية؟". "هو الشباب اللي قاموا بثورة 19 لسّه بيقولوا الثورة مستمرة؟".. "هو أنا ليه مع إنّي لسّه صغير بقيت بقول زمان؟".. "هو ليه بقى في ناس بجحة؟".. "وليه في ناس الدم اتجمّد في عروقها؟".

• في مشهد المسرحية المثالي "الأوبريت" يلخص لسنوات أربعة مضت. "خالد سعيد، مبارك، المجلس العسكري، الثورة، محمد مرسي، عبد الفتاح السيسي، الإرهاب".. كل الكلمات السابقة مفاتيح للأوبريت الذي دمج موسيقيًا بين الليلة الكبيرة ووسع من وشك العقلاء وثلاثي أضواء المسرح. كل الأدباء بالأخص وكل من عاش في العموم نكسة 1967، يقولون لنا إن العمر بالنسبة إليهم توقف عند هذه اللحظة. كم المرارة التي خلفتها النكسة لم تتكفل الأيام بتحليتها. في المسرحية سوف تتيقن من أن عقارب الساعة لدى جيلنا وقفت عند الخامس والعشرين من يناير لعام 2011 وحتى الآن، ستدرك أن الثورة بالنسبة لهذا الجيل بقدر ما كانت حلمًا يتعلقون به، بقدر تحولها إلى إحباط وصراع داخلي وخارجي لا نهاية له. تختم المسرحية على مشهد شابين يتعثرا في منتصف طريق الرحلة والحلم والتدوير، الضباب يغلفهم، التخوين من أمامهم والأصدقاء من خلفهم، والصوت مكتوم في داخلهم لا يقوون حتى على مجرد الصراخ في الصحراء.

• المسرحية اسمها "1980 وإنت طالع"، والتي ربما حظيت بتغطية إعلامية لا بأس بها، وعُرضت شبه كامل في برنامج "ممكن"، لكنها ستظل "كتالوج" الشباب المثالي لكل ولي أمر/ مسؤول/ إعلامي يتغنى بغياب الرؤية والمفهوم لدى جيل ضربته التجاعيد مبكرًا.

إعلان

إعلان

إعلان