لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

رف السينما - سكورسيزى الكينج

الكاتب ممدوح صلاح

رف السينما - سكورسيزى الكينج

06:08 م الجمعة 17 أبريل 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - ممدوح صلاح

كنت من الحاضرين فى العرض الخاص لفيلم (كرم الكينج) من كام يوم بدعوة من صديق، وكانت فرصة للخروج عن المسار المعتاد لنوعية مشاهداتى السينمائية.. والأهم؛ إن الفيلم يفتح لى سكة جديدة لمتابعة أفلام (الجريمة الشعبية) فى آخر أشكالها، بعد إنتشارها المكثف لحد ما بقت من أكتر الأنواع جذباً للجمهور.

صعب تحديد الموجة دى بدأت من إمتى بالظبط، لكن الإنطباع العام عند الناس هو أثر أفلام (السبكى) و (محمد رمضان) فى تشكيلها.. (محمد رمضان) نفسه بدأ بأفلام من نوع مختلف زى (إحكى يا شهرزاد) و(الشوق).. لكن فيلم (الألمانى) كان هو سبب شهرته الشعبية، و(الألمانى) كان من إنتاج شركة جديدة – فى وقتها - وبعيدة عن السوق دلوقتى، وبعد نجاحه الكبير السبكى أنتج له فى نفس السنة (2012) فيلمه الأشهر (عبدة موتة)، وفى السنة اللى بعدها (قلب الأسد).

عشان كده إنتشار النوع ده من الأفلام بيتم تحميله دايماً على المنتج (محمد السبكى) بطريقة غالباً سلبية، وكأنه بينتج الفيلم ويخلى الناس يتفرجوا عليه وينجحوه بالإكراه! متناسين إن شركة السبكى فى بداياتها أنتجت أفلام زى (مستر كاراتيه) لمحمد خان و(الرجل الثالث) و(الرغبة) لعلى بدرخان، و(حلق حوش) من سيناريو لبشير الديك وإخراج محمد عبد العزيز.

ودور البلطجى الشعبى ده بتنويعاته جذب بسرعة ممثلين تانيين، وشركات إنتاج تانية طمعاً فى نفس النجاح. (دولار فيلم) تعاقدت مع (إسماعيل فاروق) مخرج (عبده موتة) فى (2013) عشان يعمل لهم فيلم (القشاش)، وبعده فيلم (النبطشى) اللى كان أول محاولة لـ (محمود عبد المغنى) فى الأدوار الشعبية.. وحتى (محمد رمضان) والمخرج (إسماعيل فاروق) لما حاولوا يبعدوا عن النمط ده في فيلم كوميدي - برغم مغازلته للطبقة الشعبية فى اسمه – اللى هو (واحد صعيدي)، مانجحوش بالقدر الكافى.. وهيرجعوا تانى يشتغلوا في الأفلام اللى شئنا أم أبينا بيطلبها جمهورهم وبتعمل إيرادات. ومخرج كرم الكينج (حازم فودة) نفسه كان مخرج منفذ مع (إسماعيل فاروق)، يعنى برضه هو إمتداد لنفس الإتجاه ونفس (الفريق).

أنا عارف إن المعلومات اللى فاتت تلخبط ومتشابكة، لكن هو ده الوضع اللى حاصل. والكلام ده يدل على إنه من المستحيل تبسيط الأمور وإتهام شخص أو إتنين بإفساد الذوق أو بالترويج لنوع معين من الأفلام، وهما مجرد طرف من أطراف كتير بتلعب فى نفس المنطقة بالظبط. ويدل برضه على إن الشكل ده من الأفلام بقى فى حاجة للتعامل معاه بجدية وبقدر من التحليل مش هتتوافر ليه المساحة فى مقال واحد.

الكلام عن الظروف الإجتماعية والسياسية اللى ساهمت فى إنتشار النوع ده من الأفلام اتقال كتير، الأفلام اللى البطل بيكون فيها عادة خارج عن القانون، وفى عالم موازى من الجريمة والبلطجة ليه قواعده وأعرافه الخاصة. وإحتفاء شريحة من المشاهدين بالبطل ده وإعتباره جدع وشهم و''طيب'' برغم إنه ممكن يبقى بلطجى أو تاجر مخدرات أو حتى قاتل بقى شيء واضح.. لكن فكرة الـ (Anti-hero) أو (نقيض البطل) موجودة من زمان وإختصارها فى إنها مجرد نتيجة لظروف معينة هو نوع تانى من التسطيح بيختزل الفيلم فى أفكاره الأخلاقية.

والحقيقة إن الأنواع دى من الربط المجهز مسبقاً، سواء بشخص السبكى أو بإتهامات نشر الفوضى الأخلاقية.. إلخ.. هو ربط مضر لكل الأطراف، وأولهم النقاد والجمهور المعترضين.. لأنه بالشكل ده بقى الفيلم بينزل وهو موصوم مسبقاً بإنه فيلم تجارى ''رخيص'' سيء لمجرد إنه بيدور فى عالم المناطق الشعبية والجريمة. وهو وصم إحتضنه صناع الأفلام دى من الناحية التانية، سواء لأنه دعاية لفيلمهم بتسهل استهداف جمهورهم، أو لأنه رخصة ليهم إنهم يستسهلوا ويريحوا دماغهم ويفضلوا محبوسين فى نفس القالب اللى كده كده هيتوصفوا بيه.. والنتيجة هى أفلام بتقتبس روح بعضها، وبتدور فى نفس الفلك، وبتغير بس اسم الرقاصة والمطرب الشعبى والحارة اللى بتدور فيها الأحداث.

وده مع إن فيه مخرجين كتير كبار اهتموا فى أفلامهم بالحياة الشعبية المهمشة، أو حياة العصابات، وأحياناً بنوع من الإحتفاء والإعجاب بالمثابرة والقدرة على النجاة فى الظروف الصعبة.. مخرج مهم زى (مارتن سكورسيزي) عمل عدد كبير من أفلام (العصابات الشعبية)، وكانت دى رؤيته للتاريخ الأمريكي من زاوية المهاجرين الإيطاليين وإنخراطهم فى معظم الأعمال المخالفة للقانون من تجارة مخدرات وسلاح ودعارة، وظهر ده فى حاجات زى (Goodfellas) و(Casino) و(The Departed) و(Gangs of New York) وغيرها من الأفلام اللى فيها البطل الصايع اللى بيتكلم بلهجة خاصة بأقلية مهمشة، وغالباً بيكون عصبى وحار الدماء، وبتمجد من المنظومة القيمية المعتمدة على الأسرة والمفاهيم الكبرى للخير والشر بغض النظر عن قانونيتها، وفيها الجانب الحسى الصاخب وتهميش الدور الأنثوى فى الزوجة أو العشيقة، وبتحتوى على قدر مش بطال من العنف والدم.. إذن واضح كده من المقاربة – اللى تبان بعيدة لأول وهلة – إن ممكن يتعمل أفلام من نفس النوع الشعبى فى مصر بجودة فنية عالية، وبطريقة وأسلوب يجبرك تقدر الفيلم وتحبه كمان.

ممكن حتى نروح لمثال أقرب بكتير وأكثر ميلاً للترفيه الخالى من الأفكار. زى (John Wick) اللى اتقدم السنة اللى فاتت فى أمريكا، وكله على بعضه كان عن رجل عصابات سابق بينتقم لمقتل الكلب بتاعه، وطول الفيلم بيضرب ناس ويقتلهم وبس. أصحاب الفيلم مدركين لمدى سخف الخط الرئيسي للقصة وإنه مجرد مبرر لعشرات المشاهد المسلية من الأكشن، لكنه كان متقدم بقدر كبير من الأسلوبية والإعتناء بالتفاصيل البصرية زى الإضاءة ورسم حركة مشاهد الأكشن، والتفاصيل السمعية زى شريط الموسيقى والمؤثرات، والنتيجة فيلم ممتع، ومش تكرار لحاجات إنت شفتها قبل كده.. والمقاربة دى رجعتنى تانى لفيلم (كرم الكينج) اللى كانت معظم مشاهده بتعتمد على لقطات متوسطة (Medium) متبادلة للشخصيات اللى بتتكلم، وعلى تحفيز مشاعر المتفرج بلقطات حركة بطيئة (Slow-motion) وهى أساليب بتاخد المنهج الآمن بدون أى رغبة فى التجريب.

المنطقة اللى اجتهد فيها صناع الفيلم هى نفس المنطقة اللى بيحاول أصحاب الأفلام الشعبية الإجتهاد فيها دايماً، وهى الإهتمام بشغلانة البطل، والجُمل اللى بيقولها وبيتمنوا إنها تتردد فى الشارع.. الشغلانة هنا هى (فصّاص)، وده شخص بيدوق الحشيش فيقدر يعرف تركيبه وجودته والسعر اللى المفروض يتباع بيه.. واستكشاف شغلانة زى كده ممكن فعلاً يبقى نقطة مثيرة للإهتمام، لو المؤلف فكر بجدية فى السمات المميزة لصاحب الشغلانة وقدمها بطريقة تدخلنا جوه عالمه. بس اللى حصل إن تقديم الشغلانة بيتم فى المشاهد الأولى بجمل حوارية مباشرة من البطل ومن المحيطين بيه، من ضمنها إشادة ليه بإنه خبير وصاحب صنعة مالهاش منافس. ودى نقطة بتفضل تضايقك طول مدة الفيلم، لإن الصراع اللى بيظهر فجأة وبسرعة بين البطل وخصمه ويستمر بعد كده، بيتناقض مع المشهد ده ومقدار الشكر فى البطل وجودة شغله وأهميته.

حاول الفيلم كمان إنه يورينا نسيج متكامل لعالم سفلى بتتشابك فيه العلاقات بين أصحاب الكباريهات وتجار المخدرات ورجال الأعمال الكبار والشرطة، وإزاى الأخبار والأحداث والمصالح بتتدفق فى العالم ده بسهولة.. نقطة تانية تصلح للمقارنة مع فيلم (John Wick) اللى بالغ فى تصوير النقطة دى لدرجة إظهاره لعمله خاصة من الجنيهات الذهبية بيتم تبادلها فى العالم ده مالهاش دعوة بالعملة الرسمية للدولة، وفندق خاص لأفراد العصابات. الفيلم هنا مارحش لنفس مبالغة الفيلم الأجنبى، وفضل مسار آمن وأسهل إنتاجيًا، وهو الإعتماد على جمل الحوار من جديد فى الإشارة للعالم السفلي وكيفية إدارة الأمور فيه.

وبيستمر الفيلم برضه فى نفس المنهج السائد المهمش للدور الأنثوى، وحصرها فى الحبيبة اللى بتتخطف والأم المغلوبة على أمرها، بس اللى بيزيد هنا هو الإنسياق ورا اتجاه شعبي متصاعد بيجاهر بنظرته المتدنية للمرأة.. وممكن يكون الإختيار الفنى للحوار إنه يقرب من لغة الشارع الواقعية، وبالتالى جمل من الفيلم زى (عايزنى أهرب زى النسوان) أو (ايديكوا متكتفة زى النسوان) هى جمل ليها منطقها الدرامى، وكذلك أن تكون الإهانة الكبرى اللى بيقولها البطل لعدوه هى (اللى يضرب حرمة مايبقاش راجل، يبقى مرهَ.. وأمه ماجبتوش من ضهر أبوه).. النوع ده من الأفكار ممكن يكون متسق مع قناعات البطل ونظرته للستات، وماشى كمان مع مفاهيم شعبية متداولة عن ''الرجولة''.. لكن الفيلم لازم يكون واعى لأثر جمل الحوار دى، والخط الفكرى اللى بتدعمه، والخلط اللى بينتج ما بين رؤية بطل الفيلم ورؤية صانع الفيلم نفسه والصورة العامة اللى بيقدمها، والوعى ده عمره ما هينتج إلا لما فئة من الجمهور والنقاد تشاور على ملاحظاتها تجاه الفيلم.

استكمالاً لدائرة (صانع الفيلم/الآراء النقدية) اللى أنا مقتنع بضرورتها هنا.. قررت أدور فى الإنترنت على التغطيات الصحفية أو النقدية للفيلم.. كل اللى لقيته هو طوفان من صور وفيديوهات العرض الخاص على مواقع فنية، وحتى متن المقال المصاحب للصور اللى بيحكى ملخص الفيلم بيقول القصة غلط من شخص واضح إنه ماشفش الفيلم أصلاً! وكالعادة المواقع بتنقل من بعض نفس الخبر بالقصة الخاطئة ونفس الصور والفيديوهات. وهو شكل واضح من إنعدام المسئولية تجاه القاريء بيتناقض مع مطالبتنا المستمرة لصناع الأفلام من تحمل المسئولية فى أعمالهم.. وبخلاف كده مفيش ولا مقال نقدى واحد عن الفيلم!

طبعاً الموضوع بدرى عليه لأن الفيلم لسه نازل، وأكيد هيتكتب عنه من نقاد وصحفيين هيشوفوه.. بس حبيت ألفت الإنتباه للنقطة دى، عشان تحاولوا تتابعوا معايا اللى هيتكتب فيما بعد كماً وكيفاً، وإزاى حجم الإهتمام النقدى وجديته ممكن يكون مؤشر لحاجات كتير.

هافضل مستنى إن موجة الأفلام دى بسبب كثرة المنجذبين ليها تبتدى تراجع نفسها، بعدما اتضح إنها وجدت لتبقى – ع الأقل حالياً – ومش شايف ما يمنع إن يطلع من جواها مخرجين عندهم رغبة فى تحقيق نوع من المعادلة المشروعة بين النجاح الجماهيرى والمحتوى الفنى والأسلوبى والتجريب والرغبة فى الإخلاص للعالم الفيلمي.. لكن لو ده هيحصل فهو محتاج قدر من المرونة من ناحية المتلقين والنقاد وأخدهم للأفلام دى بجدية أكبر، وقدر من المسئولية المشابهة من ناحية صناع الأفلام نفسهم

+è+è+è+è+è+è+è+è+è+è

إعلان