لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

إستراتجية أوباما: إدارة الحروب الأهلية في المنطقة بغطاء دولي

عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام

إستراتجية أوباما: إدارة الحروب الأهلية في المنطقة بغطاء دولي

03:52 م الأربعاء 17 سبتمبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

سعد محيو - (سويس انفو):

متظاهرون عراقيون سنّة ملثمون في مدينة الفلوجة يرفعون لافتات الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، بينما يردد آخرون شعارات معادية لحكومة بغداد وذلك يوم 26 أبريل 2013.

هل الإيرانيون على حق حين يقولون جميعاً، مِن مرشد الثورة آية الله خامنئي إلى أصغر سائق تاكسي في طهران، بأن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ''اختراع أمريكي من ألفه إلى الياء''، أو كما قال منصور حقيقت، نائب رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، إن ''قرار مواجهة داعش كِذبة كُبرى أمريكية تحاول واشنطن تمريرها في المنطقة''؟

الأحداث المتلاحقة والمُذهلة التي شهدها الشرق الأوسط، تُغذّي إلى حدٍّ بعيد ''نظرية المؤامرة'' الحادّة هذه. فاكتِساح داعش السريع لمدينة الموصل ومناطق شاسعة من شمال وغرب العراق، وما رافقه من انهيار مفاجئ للجيش العراقي الكبير، أدّى إلى إطاحة رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي، الذي انحاز بعد الانسِحاب العسكري الأمريكي عام 2003 بالكامل إلى طهران على حساب واشنطن. وهذه الخطوة وما تلاها من نجاح واشنطن في لعب دور مؤثِّـر في تعيين رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة العراقيين، أسفر عن اهتزاز النفوذ الإيراني في العراق، وأعاد إلى واشنطن المكانة الكبرى التي كانت لها قبْل سحْب قواتها من بلاد الرافديْن.

وحالة الرُّعب التي خلقها تنظيم داعش في كل أنحاء المنطقة، كجُزء من إستراتيجيتها العسكرية لزرْع ''الفوضى والصّدمة'' في صفوف خصومها، مُضافاً إليها عجْز الأنظمة العراقية والسورية والإيرانية عن ضبطه، جعل التدخّل الأمريكي مطلباً مُلِحّاً لدى كلِّ أو معظم دول المنطقة، بما فيها إيران التي خشيت من التورّط في حرب سُنية - شيعية عامة في العالم الإسلامي، إنْ هي تدخّلت مباشرة في العراق.

وهذا التطوّر وما تبعه من إعلان الرئيس الأمريكي أوباما عن إستراتيجيته لـ ''وقف تمدّد الدولة الإسلامية ثمّ إلحاق الهزيمة بها''، أنهى بجرّة قلم كلّ الأحاديث عن الانحسار الإستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط، الذي ساد طيلة السنوات السِتّ الأخيرة، وحلّت محلّها الآن إستراتيجية هجومية أمريكية تخترق ليس فقط كل هذه المنطقة، بل تمتدّ كذلك من الصومال وشمال إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا (في إطار خطّة عالمية لمواجهة ''الإرهاب''، تُشبه كثيراً خطّة جورج بوش).

وأخيرا، أعاد بروز داعش المبادرة الإستراتيجية في الوضع الدولي إلى اليد الأمريكية. فواشنطن استعادت الآن دورها كشُرطي عالمي لحِماية النظام الدولي، وهي أوقفت تقدّم إيران والصين وروسيا في الشرق الأوسط، الذي يُعتبر عُـنق زجاجة القارة الأوراسية، كمدخل على ما يبدو لشنّ هجوم معاكِس على مجموعة معاهدة شنغهاي، يمتد من شواطئ البحر المتوسط إلى بحر قزوين والقوقاز وبحر الصين الجنوبي.

هذا بالطبع، علاوة على أنه سيكون من الصعب للغاية إقناع إيران وروسيا على أن الولايات المتحدة قرّرت شنّ هذه الحرب الشاملة في العالم، (وهي حرب بالفعل، على رغم أن أوباما يرفض تسميتها كذلك)، لمجرد أن داعش قطعت رأس صحفييْن أمريكييْن إثنين، إذ كان في وسع واشنطن ببساطة أن تردّ على هذه الجريمة بِغارات جوية على قادة هذا التنظيم، كما تفعل في الصومال واليمن، وكما فعلت قبل ذلك في باكستان، حين قتلت أسامة بن لادن.

''فخّ داعش''

ثمّة إذن مبرِّرات مُقنعة بالفعل لهذه الشكوك الإيرانية. وعلى رغم أنه في وسع الأمريكيين وحُلفاءهم توجيه الاتِّهامات ''التآمرية'' نفسها إلى النظاميْن السوري والإيراني، اللذين لعبا بالفعل أدواراً بارِزة في بروز داعش ونموِّها في البداية، إلا أنه يبدو أن الأمريكيين كانوا الأكثر إفادة من عملية إفلات داعش من عِقالها، كما أفلت تنظيم القاعدة الذي أسّسه الأمريكيون والسعوديون في أفغانستان من عِقاله بعد الانسحاب السوفياتي من تلك الدولة.

لكن، هل يعني كل ذلك أن تنظيم الدولة الإسلامية مجرّد بيْـدق في رُقعة شطرنج ضخْمة؟ أجل، إنه كذلك، لكنه بَـيْدق يحمِل مشروعا خاصّا به. فكما أن القوى الإقليمية والدولية تستخدمه لأهدافها الخاصة، يعتقد هو أنه بمقدوره أيضاً استخدام هذه القِوى لخُططه الخاصة، وهي خُطط تبدو طَـموحة للغاية، كان حدّدها له المنظّـر الأصولي عبد الله عزام وتبنّاها من بعدِه الأردني أبو مصعب الزرقاوي ثم ''الخليفة'' أبو بكر البغدادي، وتتضمّن شطريْن: الأول، إقامة دولة إسلامية، تنطلِق من العراق وسوريا والأردن أولاً، لكن هدفها النهائي هو السيْطرة على مكّة والسعودية. والثاني، عكس إستراتيجية تنظيم القاعدة: بدل الذّهاب إلى عُـقر دار أمريكا لضربها هناك، استدراج هذه الأخيرة إلى مناطق العالم الإسلامي لاستنزافها، ومن ثَـم إلحاق الهزيمة بها، كما فعل المجاهِدون مع الاتحاد السوفيييتي في أفغانستان.

المحلّل ديفيد أغناتيوس، المقرّب من البنتاغون، أشار إلى وجود مثل هذا الاحتمال، حين قال: ''السؤال الأصعب الآن هو: هل الولايات المتحدة تسير نحو فخّ نسَجَته الدولة الإسلامية لدفعِها إلى شنّ هجمات تُسفِر عن حشْد الجهاديِّين حولها (داعش) في كل أنحاء العالم؟ من كل بيانات الجهاديين، يُمكن أن نستشف بالفعل أنهم يحلمون بمثل هذا النّزال، ولذا يتعيَّن على واشنطن أن تتأكّد من أن كل خطوة تخطوها ستكون مُحاطة بأصدقاء وحلفاء مسلمين'' (أنظر واشنطن بوست 9 سبتمبر 2014)

حلفاء، ولكن؟

حسنا. هذا بالتحديد ما تفعله واشنطن الآن. فإجتماع جدّة الاستثنائي، الذي عُقد الخميس الماضي (11 سبتمبر2014) وشاركت فيه عشر دول عربية بزعامة السعودية وحضور وزير الخارجية الأمريكي كيري، أعلن تأييده لإستراتيجية أوباما لمواجهة داعش، والتي تستنِد إلى أربع ركائز: توجيه ضربات جوية إلى قوّاتها في العراق وسوريا، ودعم القوات العراقية والبيشماركة الكردية والميليشيات السُنيّة العراقية والمعارضة المسلّحة المعتدلة السورية، وتقوية الشراكات الإقليمية والدولية لمحاربة الإرهاب في كل المجالات، والمساعدات الإنسانية للسوريين والعراقيين. وستعمل واشنطن لاحِقاً على حشْد دعم بقية الدول الإسلامية، من تركيا وباكستان إلى ماليزيا وإندونيسيا، هذا إضافة إلى حِلف الـ 40 دولة الذي تحدّث عنه أوباما في خطابه. وقد جاء مؤتمر باريس يوم الإثنيْن 15 سبتمبر ليعزّز هذا التوجّه.

بيْد أن مُعظم هذا التحالُف الإقليمي - الدولي الكبير، لن تكون له في الواقع أدوار عسكرية مباشرة أو فاعِلة على الأرض. فكما أن الولايات المتحدة ترفُض إرسال قوات بريّة للسيْطرة على المناطق التي قد تخليها داعش، كذلك ستمتنِع الدول الحليفة الأخرى عن إرسال قوات إلى العراق أو سوريا، وسيقتصر الأمر (في أحسَن الأحوال) على عمليات التجسّس والقوات الخاصة (الكوماندوس) والحصار المالي.

بكلمات أوضح: الإستراتيجية العسكرية الأمريكية، كما أوضحها أوباما، ستقوم على شنّ الغارات الجوية على داعش في العراق (ثم في سوريا بعد شهر من الآن، كما أعلن مسؤول أمريكي)، تترافق أحياناً مع عمليات للقوات الخاصة ووكالة ''السي. أي. آي''، على أن تتولى القوات المحلية (الموالية في العراق والمعارضة في سوريا) شنّ الهجمات البرية، على غرار ما يحدث في الحرب الأمريكية في الصومال واليمن.

بيْد أن المُعضِلات التي تواجِه الولايات المتحدة في هذه الإستراتيجية، تبدو كبيرة وكأداء. فسيكون عليها ضمان أن لا تتحوّل الحرب ضدّ داعش في العراق إلى انتصارات للشيعة وإيران على حساب السُنّة والأكراد، كما عليها أن تضمن أن لا تتحوّل الضربات لداعش في سوريا إلى مكاسب لنظام الأسد أو لجبهة النصرة (القاعدة). وهذه معادلة ستكون صعبة للغاية وتتضمّن مُضاعفات غيْر محسوبة، خاصة حين نضع في الاعتبار أمريْن:

الأول، أنه ليس ثمّة ضمانة على الإطلاق بأن الحكومة العراقية الجديدة ستكون قادِرة بالفعل على بناء جيش وطني حقيقي وعلى إعادة بناء الدولة على أسُس وطنية لا طائفية أو على الأقل طائفية متوازنة تُرضي السُنّة والأكراد. والثاني، أن صعود داعش والنّصرة في سوريا، بدعم خليجي (ويقال تركي أيضاً) واسع، أضعف إلى حدٍّ كبير الجيش السوري الحُر والفصائل الأخرى المعتدلة. ثم أنه ليس ثمّة ضمانة بأن تتمكّن القوات السورية، التي تدريها السي. أي. آي في الأردن وتركيا ويبلغ عددها حتى الآن 4 آلاف، ستكون قادِرة على ملء الفراغ الذي سيُخلّفه داعش، خاصة في مدينة حلب الإستراتيجية.

كذلك، الحلفاء في هذا التجمّع ليسوا حلفاء في الواقع. فالخلافات بين السعودية وقطر حادّة، وكذلك بين السعودية وتركيا وبين مصر وقطر وبين دول الخليج والعراق، بل حتى بين هذه الدول وأمريكا، بسبب تذبْـذُب مواقِف هذه الأخيرة في الشرق الأوسط، كما حدث في سوريا ومصر والعراق وغيرها.

أيْن روسيا وإيران؟

بيْد أن العقبات لا تتوقف هنا. فهناك مواقف إيران وروسيا والصين، التي تم استبعادها من التحالُف الإقليمي - الدولي الواسع ضد الإرهاب، على رغم أنها أعلنت عن دعمها للخُطوات الآيلة إلى مجابهته، وبالتالي، فهي ستنظر بعيْن الحذر والقلق الشديد لِما ستفعله القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.

وهذا يعني أن الحرب الأمريكية ضد داعش، قد تثير في الوقت نفسه صِدامات دولية، إنْ من تحت الطاولة أو فوقها، خاصة إذا ما بدأت الغارات الأمريكية في سوريا. وسبق أن أعلنت كلّ من روسيا والصين أنهما تدعمان الخطوات ضدّ الإرهاب، شريطة أن يتم ذلك ''في إطار الشرعية الدولية''، أي أنهما بكلمات أخرى، ستُعارضان الغارات في سوريا حتى ولو كانت ضد داعش.

وفي حال تفاقمت هذه الصِّدامات، والأرجح أنها تسير في هذا الاتجاه بسبب الصّراع الغربي - الروسي على أوكرانيا والمجابهات الاقتصادية والإلكترونية بين الصين وأمريكا، فسيتحوّل الشرق الأوسط مجدّداً إلى ساحة الصِّراع الرئيسية في العالم، في خِضَمِّ السِّباق بين ''الإمبرياليات القديمة والجديدة'' على النفط والموارد الطبيعية والأسواق والمواقع الإستراتيجية، بعد أن بدا لفترة أن هذه الصِّراعات قد انتقلت إلى شرق آسيا، خاصة مع سياسة الاستدارة شرقاً (Pivot)، التي تبناها أوباما منذ عام 2009.

إلى أين؟

ماذا تعني كل هذه المعطيات؟ الكثير. فهي تعني أولاً، أن الولايات المتحدة عادت بقوّة إلى ساحة الشرق الأوسط، بعدما بدا أنها في مرحلة انحِسار غَـداة حربيْ العراق وأفغانستان.

ثانياً، أن التوجّهات الأمريكية ستقتصِر خلال المرحلة الحالية، على إدارة الحروب الأهلية العربية من فوق، أي عبْر سلاح الجوّ الأمريكي، الذي يُـفتَـرض أن يحدّد شروط وحدود المعارِك، كما فعل حين منع داعش من التقدّم إلى أربيل والمناطق الكردية (حيث يكمُن ثلث الاحتياطي النفطي العراقي الكبير، ومراكز الشركات ووكالات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية)، أو من الزّحف على بغداد.

ثالثاً، أنه لن يكون مضموناً على الإطلاق أن يقتصر التدخّل الأمريكي على الطيران وعمليات القوات الخاصة، إذ سيكون ضرورياً في حال فشل هذه العمليات، ضخّ قوات برية أمريكية. وقد بدأ هذا السيناريو يزحف ببُطء بالفعل، بعد أن قفَز عدد القوات الأمريكية من مجرّد عشرات بعد سقوط المُوصل، إلى أكثر من ألف الآن وسيرتفع إلى 1500 بعد قرار أوباما إرسال 500 ''خبير'' آخر.

رابعا، وبسبب التعقيدات الشديدة المُحيطة بالحروب الأهلية العربية الرّاهنة، مع امتداداتها الإقليمية والدولية، ستكون الإنفجارات الكبرى وارِدة في كلّ حين، إلا إذا ما توصلت أمريكا وروسيا والصين وإيران إلى قناعة بضرورة إغلاق ملفّ هذه الحروب عبْر صفقات كبرى يتِم فيها تقاسُم الأدوار (ولكن ليس حتْماً الموارد النفطية التي هي للإمبراطورية الأمريكية)، أي حين تقتنع الدول الكبرى والإقليمية بأنه لا يمكن الخروج من هذه المَعْمَعة بمُنتصِر واضح أو مهْزوم واضح، ستنفتح أبواب الحلول على مِصراعَـيْها أمام العراق وسوريا وبقية دول المنطقة. لكن يبدو أن هذا سيكون عملية مديدة أو بعيدة، لأن ما يجري الصِّراع حوله الآن، لا يقل عن كونه صِدامات عنيفة حول النظام الدولي الجديد وطبيعته وتركيبته.

ثم، بما أن الولايات المتحدة لا تبدو عازمة على إغلاق ملف الإرهاب كُـلِيا عبْر حلول سياسية - اقتصادية وثقافية وإنسانية، فإن حديثها عن أن هذه الحرب ستستمِر أكثر من ثلاث سنوات (وكذلك حديث رئيس الأركان الأسترالي السابق عن ''حرب المائة عام'' مع الإسلام الراديكالي)، تُوحي وكأن وجود التطرّف الإسلامي ''أمر ضروري'' لتحقيق تماسُك المجتمعات الأمريكية والأوروبية بعد زوال الخطر الشيوعي، كما شدّد على ذلك برنارد لويس وصموئيل هانتيغتون، خاصة وأن العولمة تمعن تمزيقاً بكل أنسِجة المجتمعات الغربية الحالية.

وهذه النقطة الأخيرة بالتحديد، تعطي نظرية المؤامرة الإيرانية التي تحدَّثنا عنها في البداية، نُـكهة خاصة للغاية ومثيرة للغاية، وأيضاً مخيفة للغاية.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان