لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ما تيسر من سورة جوجل..!

محمد أحمد فؤاد

ما تيسر من سورة جوجل..!

12:26 م السبت 13 ديسمبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- محمد أحمد فؤاد:

البعض منّا للأسف قرر التخلي عن فضائل التفكير واستخدام العقل، وأصبح يعتنق مذهب الاستسهال وربما الاستهبال أيضاً.. وقد أقر هؤلاء وهم كُثُر، بأن التفكير واستخدام العقل والحركة -التي كانت بركة في يوم من الأيام- قد أصبحوا بدعة والعياذ بالله، وعليه بادروا بالتوجه لعبادة أنظمة التحكم الإلكتروني والسيطرة البرمجية المعلوماتية والأصنام الإعلامية والإعلانية والألعاب الإلكترونية وغيرها من أدوات المذهب الحديث في الهلس والتهييس (عذراً على هذا المصطلح الركيك الملائم مع الأسف للغة العصر)، فهي حسب مفهومهم، وحدها القادرة على أن ترتقي بعقول وأجساد الجنس البشري، وتعصمه من الخطأ، ولكن ليس بالضرورة من الخطيئة..! ولأن بعض الظن إثم –على الأقل لدى الرجعيين أمثالي-، فسيبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر أن يخرس خالص، وليلتزم الاستسلام التام أو الموت الزؤام.. فيبدو أن هذا الحال الذي وصلنا إليه من الهرج والتخبط المؤسف في أغلب مناحي الحياة اليومية لابد وأنه على علاقة آثمة ومباشرة بمنطق هذا المعتقد الجديد والعجيب..!.

في البدء كان الإنسان الأول يعتمد على فضيلتي التأمل والتجربة في صنع الحضارة، فكان التأمل في الظواهر الكونية يمنحه القدرة على تحديد أبعاد الأمان والحماية، ثم تأتي مرحلة النظام والأولويات، ثم بعد ذلك مراحل التجارب والاختبارات، والتي أتت بخبرات تراكمية أثرت الحياة البشرية، وساهمت في صناعة مسمى الحضارة.. لا اعلم الدافع وراء حالة الاستسلام الحالية للاستسهال والتبعية التي وصل لها البشر، وكسلهم غير المبرر عن الممارسة والتجربة بالرغم من وضوح الأسباب في تفاقم مشاكلهم كوضوح الشمس؟ وهي حالة تنذر بدرجة شديدة من الأهمية والخطورة ما لم نتنبه لها من الأن ونعمل على تقنينها وتقليص سيطرتها على الفكر والفعل، بالطبع إذا ما أردنا أن نستمر في تسمية أنفسنا ''بشر''..!.

العقول تعطلت عن الفكر السليم بسبب تراجع الإقبال على فضائل القراءة والاطلاع والاجتهاد الفكري، وحلت محلها ثقافة البحث السهل عن المعلومة والفكرة بسطحية شديدة بعيداً عن التجربة والاختبار العملي، بالطبع عبر الصفحات الإلكترونية والوسائط المساعدة والبدائل المزيفة، أما الأجساد فقد إعترتها الأمراض والعلل الكثيرة، ومنها العديد المنافي للمنطق.. فكيف لنا أن نصدق في عصر العلم والتقدم الطبي المذهل أن يموت إنسان بالحصبة؟ تلك التي أظنها زارت جميع بيوت المصريين وتركت لنا البيجامة الحمراء فقط كجزء من الموروث الشعبي، لكنها لم تخلف هذا الكم من الضحايا إلا مؤخراً..!.

لنعترف جميعاً بالذنب، وبأن الطبيعة باتت تئن تحت وطأة محاولات اغتيالها المستمرة بأيدينا نحن البشر، وفي هذا حدث ولا حرج عن ما يسمى بالتقدم التكنولوجي المذهل..الميكروويف أصبح البديل الأسرع لطهي الطعام بصورة صحية، والوجبات السريعة أصبحت هي الحل الأمثل للأسرة العصرية للتغلب على عناء تجهيز وجبات متكاملة وصحية، ناهيك عن الجرائم العلمية الحديثة في فصل العناصر الطبيعية عن المنتجات الغذائية واستبدالها بأخرى صناعية تعصف بالتركيبة الهرمونية للجسم فتضعف مقاومته ويستسلم للعجز والمرض.. فالعصائر الطبيعية لابد وأن تكون منزوعة الألياف، واللحوم يجب أن تخلو من الدهون والشحوم، والألبان يجب أن ينزع منها الدسم، والبقوليات والقمح والحبوب تنزع منها القشور، وغير ذلك الكثير والكثير..!.

فهل سأل أحدنا يوماً أين تذهب قائمة المنزوعات السابقة!؟ الإجابة ببساطة تتمثل في استخدامها لتحضير آلاف المستحضرات الصناعية التي نقبل على شرائها بشراهة منقطعة النظير لتعويض ما فقدناه في الصحة العامة..! إذاً فالمواد الطبيعية موجودة بالفعل في أنماط وأصناف تلك العناصر المنزوعة من الغذاء الصحي، والتي أقلعنا بأنفسنا عن الاهتمام بتوافرها بسبب تحذيرات وأبحاث موجهة فقط لمن أدمنوا على الجلوس أمام الشاشات ففقدوا القدرة على النشاط والحيوية والحياة الصحيحة السليمة، ثم يعودوا ليقنعونا بأهمية تناولها في شكل مستحضرات وعقاقير تعيد لنا ما فقدناه بطريقة سحرية.. يا سلام..!؟ فنرتضي طواعية بها كبدائل دون أن نعترف بأنها هي السبب الرئيسي في كل المعاناة والخلل والتراجع في معدلات الصحة والأعمار.

استسهال الحصول على المعلومة من الشاشات الالكترونية، والتخلي عن الاجتهاد والقراءة والتجربة هو بالفعل الخطر الأعظم على البشرية، والاستسلام للبدائل الصناعية المدمرة للصحة العامة، والتغول على الطبيعة وإنكار حقوق البيئة في التوازن والرعاية قد يسرع جدياً بانقراض الجنس البشري أو على الأقل إصابته بتشوهات خلقية متعددة.. وعندها لا تتعجبوا إذا ما خرج عليكم صوت لمارد إلكتروني ضخم يتغذى على اليورانيوم ليقرأ لنا ما تيسر من سورة جوجل..!.

الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي مصراوي

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان