لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

خالد داود يكتب لمصراوي.. أين مرسي؟

خالد داود يكتب لمصراوي.. أين مرسي؟

11:46 م الإثنين 22 يوليو 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - خالد داود:

"أين مرسي؟" أصبح هذا هو أول سؤال تقريبا يطرحه كل صحفي أو دبلوماسي غربي التقيه مؤخرا بصفتي المتحدث الإعلامي باسم جبهة الإنقاذ الوطني، وكأنه التحدي الأساسي أمام النظام الجديد لإثبات أنه ملتزم بالديمقراطية واحترام القانون، والذي بمقتضاه لا يمكن احتجاز شخص، أيا كان موقعه، من دون توجيه اتهامات محددة، مع السماح له بالاتصال بالعالم الخارجي ومعرفة مكان احتجازه وتوفير الحماية القانونية.

من الواضح تماما أن البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية منذ فترة ويقول أن "الرئيس السابق مرسي في مكان آمن ويلقى معاملة كريمة" لم يعد كافيا، خاصة وأنه مضى ثلاثة أسابيع منذ أن قرر غالبية الشعب المصري في 3 يوليو أن مندوب مكتب الإرشاد في قصر الرئاسة فشل في إدارة شئون بلد مهم في حجم مصر وتاريخها، وكان لا بد من تصحيح واستعادة مسار ثورة 25 يناير التي شارك فيها كل المصريين، وصمم الإخوان على الانفراد بها.

وبالتالي أصبح المطلوب اتخاذ خطوة جديدة في هذا الملف الحساس، ولا توجد خيارات عديدة: إما إطلاق سراح الرئيس السابق، أو توجيه اتهامات محددة له واحتجازه على أساسها، أو، وكما أشار بعض خبراء القانون مثل الدكتور نور فرحات، اللجوء إلى مواد في القانون تسمح بما أسماه "بالتحفظ الاحترازي" لفترة محددة لدواع أمنية. لست خبيرا قانونيا، ولكن المهم هو أنه أيا كان القرار الذي سيتم اتخاذه، فيجب اتخاذه بسرعة ووفقا للقانون.

وإن لم يحدث ذلك، فيجب ألا نشكو من استمرار الانتقادات الدولية الرسمية والحقوقية، بما في ذلك من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي ترأسها سيدة محترمة للغاية من جنوب أفريقيا اسمها نافي بيلاي، أو أن يبدأ بعض المغرضين في اقتراح إرسال وفد من منظمة الصليب الأحمر الدولي لزيارته على اعتبار أنه "مختفي." وأهم ما يجب أن نقوم به على الأقل هو تقبل هذه الانتقادات بتفهم نسبي، من دون الرد عليها بوصلات الردح المعهودة من قبل كتاب الشوفينية (العنصرية) المصرية الجهلة.

بالطبع الرئيس السابق لم يتم خروجه من منصبه في ظروف طبيعية، وما تزال جماعته الإخوانية تدفع المصريين دفعا إلى شفا الحرب الأهلية والدينية رغم أن الخلاف سياسي في الأساس، وتسعى لإشعال فتنة طائفية يدفع ثمنها الآن مواطنون مسيحيون مصريون في الصعيد وسيناء بعيدا عن عيون الإعلام، هذا عدا السعي الحثيث لتدمير كل مؤسسات الدولة الحديثة التي بنيناها كمصريين بصعوبة على مدى عقود، رغم كل المصاعب والنواقص، من قوات مسلحة وقضاء وإعلام وثقافة، ونهاية بمؤسسة الأزهر الشريف والكنيسة المصرية الأرثوذكسية العريقة.

كل هذه "الخطايا" صحيح، ولكنه أمام العالم الخارجي، وعلى رأسه الاتحاد الإفريقي وأوروبا والولايات المتحدة والأمم المتحدة، فإن استمرار احتجاز الرئيس السابق غير مقبول ولا مفهوم، خاصة إذا كنا نتمسك بأننا في دولة تحترم القانون، وننفي بشدة أن ما شهدناه في مصر كان انقلابا عسكريا بل انحيازا من قبل القوات المسلحة المصرية لخيار غالبية الشعب المصري ونتيجة لخشية حقيقية من تفكك الدولة المصرية نفسها بسبب السياسات التي تبناها الرئيس السابق والجماعة التي ينتمي لها.

نعم، غالبية المصريين الذين أيدوا إزاحة مرسي مقتنعين تماما بما حدث، ولكن سنكون نخدع أنفسنا لو لم نعترف بأن العالم الخارجي، الذي من غير المتوقع منه أن يعرف كل التفاصيل، يستمع أيضا للدعاية الإخوانية المتواصلة أنه كان هناك رئيس تم انتخابه عبر الصناديق في عملية نزيهة اعترف بها العالم وتمت إزاحته عبر بيان قرأه وزير الدفاع، ولو كان ذلك في حضور ممثلين لكل القوى الوطنية من أزهر وكنيسة وجبهة الإنقاذ وشباب تمرد وحزب النور وممثلة عن المرأة المصرية. طبعا هذه الحقيقة تساعد كثيرا في تدعيم موقفنا، ولكن سيبقى العالم يراقبنا عن كثب ليتأكد إن كان ما حدث لدينا فعلا عودة لإحياء ثورة قامت من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، أم تحرك نحو إقصاء فصيل سياسي، مهما كانت خطاياه، يحظى بشعبية واضحة لا يمكن إنكارها.

الوزير المغربي السابق لحقوق الإنسان محمد أوجار، أثناء زيارة له مؤخرا للقاهرة ضمن وفد من منظمة الفرانكفونية ترأسه رئيس وزراء كوت ديفوار السابق جيوليوم سورو بهدف الاطلاع على الأوضاع وتقديم تقرير للمنظمة إذا ما كان من المطلوب اتخاذ موقف مماثل لموقف الاتحاد الإفريقي بتجميد عضوية مصر، قال بعد أن استمع مطولا لشرحي عن كل الظروف التي أدت إلى خروج الشعب المصري في 30 يونيو في موجة جديدة من موجات ثورة 25 يناير، "كل هذا كلام جميل، ولكنه يمكن توجيهه للاستهلاك المحلي وليس للعالم الخارجي."

ويبدو أن الكلام المقنع الوحيد الذي يتوقع سماعه الأفارقة والأمريكيين والأوربيين ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، بصراحة ومن دون مواربة، هو أننا سننفذ بالفعل ما نصفه "بالمصالحة" والتي سيكون على رأسها الإفراج عن مرسي، وعدم ملاحقته قضائيا، أو أي من قادة الإخوان الكبار، والسماح لهم بالعودة لممارسة العمل السياسي بحرية، وذلك على اعتبار أن أي تهم سيتم توجيهها في هذه المرحلة سيتم النظر لها في العالم الخارجي على أنها اتهامات لها أبعاد سياسية في الأساس، وليست جنائية. وفي هذا الإطار، كانت الاتهامات التي نشرتها صحيفة الأهرام اليوم في صدر صفحتها الأولى مفزعة للغاية، على الرغم من النفي السريع للخبر وإحالة رئيس التحرير المسئول إلى النيابة للتحقيق.

فالمشكلة أنه هناك من يود بالفعل، ويروج في أوساط بعض الأحزاب السياسية المعارضة للإخوان لتقديم كل قادة الإخوان بتهم مماثلة لما نشرته الأهرام، أو العودة لإثارة قضية "هروب" مرسي من سجن النطرون ومعه قادة الإخوان، متناسين أنهم خرجوا من السجن مباشرة إلى طاولة التفاوض مع نائب رئيس الجمهورية السابق المرحوم عمر سليمان وقادة القوات المجلس العسكري، وهو ما يعني عمليا، وأمام العالم، سقوط أي اتهامات تتعلق بمرحلة ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير.

العقبة الحقيقية أمام المصالحة والنوايا الصادقة نحو تحقيق هذا الهدف هم المتشددين من قادة الإخوان والمتمسكين بالشرط الوهمي العبثي الخاص بعودة الرئيس السابق بعد أن عزله الشعب. هل يتصور عاقل أن يتحقق هذا السيناريو الآن؟ هؤلاء المتشددين، بداية من محمد بديع ومرورا بالبلتاجي والعريان والشيخ محمد عبدالمقصود، ممن يدعون علنا وصراحة يوميا من على منصة رابعة إلى إحداث انشقاق في صفوف الجيش الوطني، في تطور لم نعهده ولم نعرفه مطلقا في حياتنا السياسية في مصر، ويرون في أعمال القتل اليومي للجنود والمواطنين والأبرياء يوميا في سيناء "من مظاهر الغضب" في أعقاب إزاحة مرسي، ويتحدثون عن "قتلانا" و"قتلاهم" و "نساءنا" و "نساءهم" هم من يدفعون الأمور دفعا نحو المواجهة وتقوية شوكة من ينادون الآن بحل جماعة الإخوان ووضع كل قادتها في السجون. وكل يوم يمر مع استمرار عمليات التحريض والدعوات للقتل والاستشهاد، والعناد والغرور، ووضع مصلحة الجماعة قبل مصلحة مصر، كل هذا يزيد من صعوبة المضي قدما في المصالحة. ما زلنا نبحث عن عقلاء الإخوان وشباب الجماعة وفتياتها ممن تتسع لهم مصر بكل تأكيد لأنهم أبناءها وبناتها.

إعلان