لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

اللهو الخفى فى مسودة الدستور

اللهو الخفى فى مسودة الدستور

10:09 ص السبت 03 نوفمبر 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - صلاح عيسى:
فى الوقت الذى ينتظر فيه الجميع أن تعلن «تأسيسية الدستور» غداً الأحد المسودة الثالثة ــ وقبل الأخيرة ــ لمشروع الدستور الجديد، لتكون أساساً لحوار مجتمعى، تعود بعده إلى التأسيسية لكى تنقحها على ضوء نتائج هذا الحوار، ثم ترفعها إلى رئيس الجمهورية، ليطرحها للاستفتاء العام، فوجئ أعضاء الجمعية أمس الأول بطرح مسودة ثالثة للدستور بعد مسودتى ١٤ و٢٢ أكتوبر، تضم أربع مواد جديدة، وحذفاً وإضافة لفقرات من مواد أخرى، وهى مسودة لا يعرف أحد مصدرها، وأنكر أعضاء لجنتى الصياغة ونظام الحكم أن تكون المسودة الجديدة قد عُرضت عليهم أو كانت موضع نقاش فى اللجنتين، ولا أحد يعرف هل هى المسودة المطروحة للحوار العام أم أن هناك مسودة أخرى سوف تعلن غداً، هى التى ستكون موضوعاً لهذا الحوار.

ولا تفسير لظاهرة مسودات الدستور، مجهولة المصدر، التى تظهر فجأة وتختفى ثم تعود، إلا أن هناك «لهو خفى» يأتى بعد منتصف الليل ويدس هذه المسودات من تحت عقب باب مجلس الشورى، بينما أعضاء التأسيسية الذين لا يكفون عن التفاخر بأنهم يواصلون العمل فيها ليل نهار من دون راحة أو نوم أو مكافأة.. نائمون فى العسل الدستورى!

وإلى أن تتضح الرؤية، ونعرف غداً من هو اللهو الخفى الذى وضع هذه المسودة ــ أتوقف أمام بعض ما ورد فيها من إضافة وحذف وتعديل لدلالتها المهمة، مستنداً إلى النص الذى نشرته جريدة «الحرية والعدالة» أمس.

من بين المواد التى أضيفت فى هذه المسودة نص يقضى ببقاء مجلس الشورى بتشكيله الحالى قائماً، ويمارس سلطاته الحالية إلى أن يحين موعد تجديده النصفى فى ١٥ مارس ٢٠١٥، فتبدأ إجراءات انتخابات مجلس الشيوخ، الذى سيحل محله طبقاً للاتجاه الذى يأخذ به مشروع الدستور الجديد، ويكون غرفة ثانية للبرلمان، تتمتع بسلطة التشريع التى يتمتع بها مجلس النواب.

ومعنى هذا النص أن كل المواد المتعلقة باختصاصات مجلس الشيوخ فى الدستور الجديد ستظل معطلة حتى عام ٢٠١٥، وأن مجلس النواب سينفرد وحده بسلطة التشريع، وأن مجلس الشورى سيبقى لكى يمارس الاختصاصات الشكلية والتافهة التى يمارسها منذ تشكيله، مثل إصدار قرار بوقف «جمال عبدالرحيم»، وهو أمر يتناقض مع الفلسفة التى دفعت المشرع الدستورى للأخذ بمبدأ السلطة التشريعية القائمة على غرفتين لضمان مراجعة القوانين مراجعة دقيقة، تقضى على ظاهرة سلق القوانين، وليس الأمر فى حاجة إلى ذكاء كبير لكى يدرك كل من يقرأ هذا النص أنه فُصِّل خصيصاً على مقاس حزب «الحرية والعدالة» الذى يحوز هو وحلفاؤه الأغلبية الكاسحة من أعضاء مجلس الشورى الحالى، بما يضمن للحزب أن يحتل هذه الأغلبية فى غرفة على الأقل من غرفتى البرلمان، إذا تراجعت أكثريته فى انتخابات مجلس النواب، حتى لو كانت غرفة على السطوح بدون سلطات، إذ المهم أنها غرفة بمنافعها!!

أما التعديل الثانى الذى جاءت به مسودة اللهو الخفى فهو إعادة المادة التى كانت تلزم رئيس الجمهورية بأن يعين خلال ٦٠ يوماً من مباشرته مهام منصبه نائباً له أو أكثر ويحدد اختصاصاته، وهو نص لا ضرورة له ولا معنى، لأن منصب نائب الرئيس منذ ظهر على خريطة الدساتير المصرية فى عهد الوحدة المصرية السورية، أثبت أنه أشبه بالزائدة الدودية التى لا فائدة منها إلا التسبب فى تسمم الجسم، ثم إن الرئيس «مرسى» عين بالفعل نائباً له، ولم يحدد له اختصاصاً، ولا أحد يعرف له دوراً على خريطة السلطة التنفيذية.

أما المهم فهو أن النص على تعيين نائب للرئيس كان قد أُلغى فى مسودة ٢١ و٢٢ أكتوبر من الدستور، انطلاقاً من أن السلطة التنفيذية قد أصبحت فى يد الحكومة، طبقاً لنص المادة ١٥٤ من تلك المسودة، وكانت تنص على أن «يتولى رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة رئيس الوزراء ونوابه والوزراء فيما عدا تلك المنصوص عليها بالمواد ١٤٣ و١٤٦ و١٥٠ و١٥٢ و١٥٣»، وهى المواد الخاصة بتسمية رئيس الوزراء، والعلاقات الدولية، وتعيين الموظفين والسفراء والعفو عن العقوبة، وهى مادة كانت تهدف إلى إعادة التوازن داخل السلطة التنفيذية بين اختصاصات الرئيس التى يمارسها بنفسه منفرداً، وهى تنحصر فى المواد الخمس السابقة، بينما تتولى الحكومة بقية اختصاصات السلطة التنفيذية، وبالتالى لا يكون هناك دور لنائب الرئيس.

وجاءت مسودة اللهو الخفى لتغير كلمة واحدة من المادة ١٥٤، لتقلب معناها إلى العكس تماماً، بعد أن كان النص يقول: «يتولى رئيس الجمهورية سلطاته بالاشتراك مع رئيس الوزراء ونوابه والوزراء.. فيما عدا.......».

ومعنى هذا الكلام أن الرئيس استرد هيمنته على السلطة التنفيذية كاملة، وأنه سيمارسها بـ«مشاركة» رئيس الوزراء، كما كان الأمر فى العهد الماضى، وأن وظيفة رئيس الوزراء هى أن يحل محله فى الخضوع لمساءلة نواب مجلسى البرلمان!

وهكذا يكون اللهو الدستورى وإلا فلا.

إعلان