إعلان

تحذير أخير.. ومقترحات قديمة قبل وقوع الكارثة!

تحذير أخير.. ومقترحات قديمة قبل وقوع الكارثة!

01:17 م الإثنين 19 سبتمبر 2011

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: ضياء رشوان

مرة أخرى ورابعة وخامسة نكتب ونحذر من النتائج الكارثية التى ستؤدى لها الانتخابات البرلمانية على مستقبل البلاد والثورة إذا ما أجريت وفقاً لنصوص قانونى مجلسى الشعب والشورى التى أقرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وهذه المرة سنركز أكثر على تفنيد المزايا التى يراها من وضعوا هذين القانونين وجعلوها مبرراتهم للإصرار عليهما، فضلاً عن إعادة تقديم المقترح البديل الذى يتلافى كل العيوب الدستورية والسياسية الموجودة فى القانونين.

وأولى المزايا التى يظنها أصحاب القانونين المعيبين أنهم بإفساح نسبة من المقاعد الفردية ـ هى اليوم ٥٠% منها، ويجرى الحديث عن تخفيضها إلى ٣٠% ـ إنما يعطون مساحة منطقية من مقاعد البرلمان للكتلة الكبرى من المصريين غير المنضمين للأحزاب السياسية، التى لا تزيد نسبة أعضائها على ١٠% ممن لهم حق التصويت من الشعب المصرى. وتقوم هذه الحجة على افتراض غير صحيح، هو أن القانون البديل المقترح من الغالبية الساحقة من القوى السياسية بإجراء الانتخابات وفقاً لنظام القائمة النسبية يقصرها على الأحزاب السياسية دون الأفراد المستقلين.

فالحقيقة أن القانون البديل، كما سنعرض فيما بعد لبعض تفاصيله، يعطى حق تشكيل القوائم الانتخابية على قدم المساواة للأحزاب والأفراد دون أى تفرقة بينهم، مما يؤكد دستوريته لعدم منحه حقوقاً سياسية لفئة من المصريين دون أخرى.

بينما يبدو واضحاً أن القانونين الحاليين هما اللذان يشوبهما عدم الدستورية، لأنهما يمنحان الأحزاب حقين بترشيح أعضائها فى القوائم وفى المقاعد الفردية، فى حين أن الأفراد المستقلين ليس لهم سوى حق واحد، هو الترشح فى المقاعد الفردية.

وهذه التفرقة هى التى لا يمكن تبريرها دستورياً بالاستناد إلى المادة «٣٨» من الإعلان الدستورى، التى تنص على أن «ينظم القانون حق الترشيح لمجلسى الشعب والشورى وفقاً لأى نظام انتخابى يحدده»، لأنها تتصادم مع مادة أخرى أكثر عمومية من نفس الإعلان وهى المادة «٧» التى تنص على: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».

وبالتالى فالأرجح أن يخضع القانونان المعيبان لنفس حكم المحكمة الدستورية العليا عام ١٩٩٠ بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب حينها لنفس الأسباب وهى التمييز بين المواطنين أعضاء الأحزاب وغير المنضمين لها فى الحقوق السياسية.

أما الحجة الثانية الرئيسية التى يستند إليها صائغو القانونين المعيبين فهى أن الأخذ بالنظام الفردى إلى جانب نظام القائمة إنما يوفر أساساً مطلوباً لاستقرار المجتمع المصرى، خاصة فى المناطق الريفية منه، لأن المقاعد الفردية توفر فرصة أوسع للأسر الكبيرة والعائلات الممتدة للمشاركة فيها، بخلاف مقاعد القوائم، الأمر الذى يجنب البلاد هزات واحتجاجات اجتماعية قد تزيد من عدم استقرارها.

والحقيقة أن هذه الحجة تبدو أضعف من سابقتها وتعكس عدم معرفة بسوابق تطبيق نظام القائمة الانتخابية فى مصر عامى ١٩٨٤ و١٩٨٧، حيث تؤكد قوائم الترشيح والناجحين فيها أن تمثيل الأسر والعائلات الكبرى فى المناطق الريفية المصرية لم يتغير تقريباً، وأنها استطاعت أن تتكيف مع ذلك النظام وتخوض الانتخابات عبره دون أى هزات أو احتجاجات تؤثر على استقرار البلاد. فضلاً عن ذلك فإن مؤشرات عديدة توضح أن أبناء المناطق الريفية فى مصر فى جنوب البلاد وشمالها قد زاد توجههم للانضمام بعد الثورة إلى الأحزاب والتكتلات والائتلافات السياسية الجديدة، وهو ما يعنى بداية تغير مهم فى البنية التقليدية للأسر والعائلات فى هذه المناطق يجب الانتباه إليه والتواؤم معه عبر النظام الانتخابى الجديد.

أما عن المخاطر السياسية على مستقبل مصر والثورة التى يمثلها النظام المختلط المقر حتى الآن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة فهى أكثر من أن تحصى، وهى تختصر فى جملة واحدة هى أن الانتخابات البرلمانية المصرية ستكون شبيهة بانتخابات ألمانيا عام ١٩٣٣، التى أتت ـ بطريقة ديمقراطية لا يمكن التشكيك فيها إلى الحكم ـ بالحزب النازى بقيادة أدولف هتلر، وهو ما أدى به إلى البقاء عنوة حتى أدخل ألمانيا والعالم بعدها بست سنوات فقط فى الحرب العالمية الثانية، التى أودت بحياة نحو سبعين مليون شخص على مستوى العالم.

فانتخاباتنا البرلمانية وفق النظام المختلط المقترح ستأتى ـ بكل الحسابات الممكنة، وبصورة تبدو ديمقراطية وشفافة ـ بأغلبية شبه مؤكدة لأحزاب وأعضاء الحزب الوطنى المنحل لن تقل عن ٥٥% من مقاعد المجلسين، مما يعنى عملياً ضياع الثورة وإعادة إنتاج نظام مبارك الساقط بصورة تبدو ديمقراطية.

ولن يكون حينها لدى قوى الثورة، على اختلاف ألوانها، بدائل كثيرة لمواجهة هذه الكارثة، وستكون لكل منها تكلفته العالية جداً على وحدة البلاد واستقرارها وأمنها، مما يعنى أن الأخذ بأى منها سيدخلنا فى دوامة هائلة المخاطر والنتائج على مصير البلاد وثورتها، التى ستكون حينها على حافة السقوط الأخير.

ومواجهة هذا الخطر الهائل على مصر وثورتها لن تكون سوى بالأخذ الفورى بنظام القائمة النسبية المغلقة غير المشروطة للانتخابات البرلمانية بمجلسيها، والتى توافقت عليها جميع القوى والأحزاب السياسية فى البلاد. ونعيد لمرة خامسة أو سادسة ملامح المشروع الذى سبق لنا اقتراحه.

ويقوم النظام المقترح على أساس الأخذ بالدوائر الحالية لمجلس الشورى، وعددها ٨٨ دائرة، لتكون هى نفسها الدوائر الجديدة لانتخابات مجلس الشعب، على أن يتم دمج كل اثنتين منها فى دائرة واحدة فى حالة انتخابات مجلس الشورى، لتصبح ٤٤ دائرة على مستوى الجمهورية. ويتحدد عدد المقاعد للدائرة الواحدة، سواء لمجلس الشعب أو الشورى، بستة مقاعد، مما يجعل عدد أعضاء الأول ٥٢٨ عضواً والثانى ٢٦٤ عضواً منتخباً، وهو ما يعنى زيادة عدد أعضاء المجلس الأول والإبقاء على عدد الثانى كما هو، مع جعل جميع مقاعده منتخبة.

فى ظل هذه الدوائر يفتح باب الترشح فيها لعضوية المجلسين وفقاً لنظام القائمة النسبية المغلقة غير المشروطة، والتى يكون الحق فى تشكيلها متساوياً للأحزاب وللأفراد المستقلين على حد سواء، بشرط أن يكون عدد المرشحين فى القوائم مساوياً لعدد المقاعد المخصصة للدائرة ولا يقل عنها.

 ولعله لا يخفى التوافق التام لهذا النظام فى تشكيل القوائم، مع تساوى الفرص بين جميع المواطنين فى الترشح لعضوية مجلس الشعب‏، كذلك فمن شأنه على الصعيد السياسى أن يثرى التجربة الديمقراطية، حيث يحول المنافسات الفردية على عضوية البرلمان والمستندة فى معظمها على أسس شخصية إلى منافسات موضوعية تقوم على أسس البرامج الانتخابية والتوافقات السياسية، سواء للأحزاب أو للقوائم الفردية.

ولاشك أنه فى المرحلة الأولى لتطبيق هذا النظام، فإن تشكيل القوائم الانتخابية غير الحزبية سوف تكتنفه صعوبات عديدة تتعلق بالمنافسة بين الأفراد على احتلال المواقع الأولى فيها، وغير ذلك من صور المنافسة الفردية التى تعودوا عليها خلال التجارب السابقة، إلا أن كل ذلك سيكون مرشحاً للاختفاء فى المدى المتوسط، مفسحاً الطريق لاعتبارات أخرى أكثر موضوعية وسياسية لتشكيل تلك القوائم‏.‏

إن الاختيارات باتت اليوم واضحة أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة لعبور المضيق الأصعب والأخطر فى مسار الثورة وهو الانتخابات البرلمانية، فمصر بين نظامين انتخابيين: الأول سيكرر تجربة هتلر فى ألمانيا بكل مخاطرها، وسيعيد الحزب المنحل ونظامه الساقط «ديمقراطياً» لحكم مصر، والثانى سيفتح الطريق أمام انتخاب برلمان يعبر عن قوى الثورة، ويكون بداية لإقامة نظام سياسى جديد، يحقق آمال المصريين، ويعوضهم عن تضحياتهم وسنى معاناتهم الطويلة تحت نظام مبارك الساقط.

اقرأ أيضا:

ضياء رشوان : لن أترشح لمنصب نقيب الصحفيين

إعلان

إعلان

إعلان