مجلة الفنون الشعبية تستأنف صدورها بعدد خاص يحتفي بـ"أحمد مرسي"
كتب- محمد شاكر
صدر العدد الجديد من مجلة "الفنون الشعبية" ضمن الإصدار الثالث، برئاسة تحرير الدكتور أحمد بهي الدين، وهو العدد 112، الذي يتزامن صدوره مع ذكرى مرور عام على وفاة الدكتور أحمد علي مرسي رئيس تحرير الإصدار الثاني للمجلة، في الفترة من يناير 1987 إلى يوليو 2021، إذ تحتفي المجلة بما قدمه الراحل الذي يعد أحد رواد الدراسات الثقافية في الوطن العربي.
ويتضمن القسم الأول المعنون بـ"الدراسات والمقالات" دراسة للدكتور حسام نايل بعنوان "تمثيلات المثقف في الرواية القصيرة (قنديل أمّ هاشم) قراءة من منظور النقد الثقافي"، تسعى إلى قراءة الرواية في سياق الجدل الفكري المحتدم حول قضية النهضة والمدنية الحديثة وعلاقة الشرق المتأخر بالغرب المتقدم، طوال عقد الثلاثينيات من القرن العشرين الذي عدّه ألبرت حوراني نهاية حقبة مفكري عصر النهضة العربية. فتحاول الكشف عن أن يحيى حقي أراد الإسهام في ذلك الجدل الفكري من خلال عمل أدبي أمثولي أو حكاية رمزية، يعبّر من خلاله تعبيرًا أدبيًّا عن موقفه.
ويستعرض المغربي الدكتور مصطفى يعلى جانبًا من جوانب شخصية الأستاذ الدكتور أحمد علي مرسي العلمية، في ضوء كتابه "مقدمة في علم الفولكلور"، وذلك خلال مقاله "التصور المفهومي للفولكلور لدى أحمد مرسي"، مركزًا على بابه الأول، باعتباره المؤلَّف الذي بسط فيه تصوره الموسع عن الفولكلور مصطلحًا ومفهومًا وقضايا ومشكلات.
وعن كيفية صوغ أحمد مرسي لمفهومه عن الفولكلور، يوضح المقال انشغاله باستقصاء وتجميع ومناقشة شتى الحقائق والعناصر والخصائص لمفهوم الفولكلور، بالإضافة إلى البعد المعرفي، والرصد التاريخي، وعرض المدارس والاتجاهات ذات المناهج المختلفة.
ويتتبع الأستاذ الدكتور عبد الحميد بورايو دراسات المستشرقين للأدب الشعبي الجزائري الناطق بالعربية الدارجة في فترة الاستعمار الفرنسي والتي خلّفت مدونة مهمة من الأبحاث حول الأدب الشعبي، تحمل قيمة توثيقية واضحة؛ لأنها سجلت عددًا مهمًا من نصوص الأدب الشعبي، أصبحت اليوم مرجعًا للباحثين في دراسة تاريخ الأدب الشعبي الجزائري في الفترة الاستعمارية.
وترى العمانية الدكتورة عائشة الدرمكي في مقالها أن فكر أحمد مرسي يقوده الإيمان بالنص المروي، وأن جهوده تُعدُّ تأسيسًا مهمًا في مجاله يرتكز على الرؤى الاجتماعية التي تقوم عليها هذه الثقافة الشعبية من خلال أنماطها وسياقاتها المتعددة، والرؤى الثقافية التي تنتجها في أشكال شيفرات وعلامات دالة، حيث قدم مرسي مشروعًا تنمويًا تأسيسيًا يعتمد على حماية التراث الثقافي، وهذه الحماية تشمل جمع أنماط التراث وصونه، وتصنيفه وحفظه.
وحول "الأسطورة والخرافة" يقدم الدكتور خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبي، كلية الآداب، جامعة القاهرة، دراسة تؤكد أن الأساطير تلعب دورًا مهمًا في المجتمعات الإنسانية عبر تاريخها، وتشير إلى أن تعريفات الأسطورة تتعدد بتعدد وجهات النظر التي تنظر إليها، وبتعدد الوظيفة التي يمكن أن تلعبها، وبحسب أشكال التغير الثقافي والحضاري التي يمر بها الإنسان. وخلصت الدراسة إلى أن الأسطورة سؤال وجودي يؤرق الإنسان، في محاولته البحث عن تفسير لإحدى الظواهر الكونية، التي يعجز عن فهمها.
وحول تصنيف الحكايات الشعبية تقدم الدكتورة زاهية طراحة مقالها المعنون بـ"الحكاية الشعبية نمطT720 في التراث المحلي القبائلي والعالمي - دراسة أنثروبولوجية تطورية ورمزية"، حيث أشارت إلى حكاية "أمي ذبحتني أبي أكلني أختي عائشة جمعت عظامي"، وهي حكاية مُصَنَّفَة في الفهرست الدولي للحكايات الشعبية لـ"آرن- تومسون" ضمن نمط أو طراز رقم ورمز T720، وكيف أننا نجدها بعناوين مختلفة في بعض مدونات الحكايات، حيث تُذكر في الحكايات الفولكلورية الألمانية للأخوين جريم بعنوان "شجرة العرعر"، وتُذكر في مدونات الحكايات الفرنسية بعنوان "الطائر الأخضر"، و"طائر الحقيقة"، و"الوقواق الأبيض"، و"الأحذية الحمراء"، ويطرح المقال تساؤلًا أساسيًّا مفاده: ما هي أوجه التشابه بين الروايات المحلية والعالمية للحكاية نمط T720؟ وما هو سبب هذا التشابه؟.
ومن المغرب يتناول الدكتور محمد أحمد أنقار ما سماه "مسيرة شغف وعطاء" للدكتور أحمد علي مرسي، مع المأثورات الشعبية، وعنايته بجمع وتدوين وتوثيق مأثورات شعبه، ودوره حين اكتشف نهب تراث بلده وانتسابه زورًا إلى بلدان أخرى، بأن جعله قضيته وأسهم وغيره من الباحثين في الحفاظ على الموروث الشعبي صيانة له. ورصد الاهتمام بالمأثورات الشعبية وطنيًا في بلادنا العربية، وأشار المقال إلى أن مسيرة مرسي، تضمنت جهودًا علمية واستدلالية تشي بقيمته وما صنعه طوال تاريخه، وما أنتجه مع غيره من الباحثين المتخصصين في هذا المجال.
وحول الحرف التقليدية يقترح الفنان التشكيلي سيد هويدي إطلاق مشروع نهضوي تحت مسمى "الحرف الدقيقة" باعتبارها ممتدة عبر تاريخ طويل وموازية للحضارة المصرية، وموروثًا ثقافيًا كبيرًا يجب العناية به وإحاطته بالرعاية التي تنميه وتقويه في ظل التحولات الاقتصادية التي تشهدها الدول. ونوه الباحث بأن دعوته لإحياء الحرف التقليدية ووضعها على خريطة المنافسة العالمية، ليس معناها إنتاج الأشياء نفسها التي برع فيها الأجداد، ويُقبل عليها الناس، بل هناك ضرورة للتجديد والابتكار بما يتفق مع احتياجات المجتمع ككل والمجتمعات العصرية.
أما القسم الثاني فيتضمن عشر شهادات تتناول تجربة الدكتور أحمد مرسي خارج أسوار الجامعة ومشروعاته في خدمة دراسة ثقافة الشعب المصري، قدمها أحمد الجمال، وأحمد الليثي، وخيري دومة، ودرويش الأسيوطي، وغراء مهنا، ومحمد أبو الفضل بدران، ومحمد أحمد مرسي، ونهلة إمام، وهالة صفوت كمال.
ويختتم العدد بمكتبة الفنون الشعبية، حيث تناولت عشرة كتب لمرسي تمثل مجمل القضايا العلمية التي انشغل بها في مسيرته، وهي "الأدب الشعبي وثقافة المجتمع"، و"الأغنية الشعبية"، و"الإنسان والخرافة (الخرافة في حياتنا)"، و"الفولكلور والإسرائيليات"، و"المأثورات الشفاهية"، و"صون التراث الثقافي غير المادي"، و"كان يا ما كان.. احك لأولادك"، و"كلٌ يبكي على حاله"، و"مقدمة في الفولكلور"، و"من مأثوراتنا الشعبية". وعرض تلك الكتب مجموعة من تلاميذ الراحل، وهم حنين طارق، ومسعود شومان، وخلود حمودة، وداليا عزام، وقحطان الفرج الله، وأحمد فاروق، وأحمد توفيق، ومحمد شبانة، وفؤاد مرسي، وعبد الحكيم خليل.
يذكر أن "الفنون الشعبية" مجلة علمية مُحكمة، ظهر إصدارها الأول في يناير 1965 برئاسة تحرير الدكتور عبد الحميد يونس، وهو أول أستاذ كرسي الأدب الشعبي بقسم اللغة العربية وآدابها في جامعة القاهرة.
فيديو قد يعجبك: