إعلان

50 عامًا على الانتصار.. العقيد حلمي زكي يكشف تفاصيل وأسرار جديدة لأول مرة عن حرب أكتوبر -حوار

03:17 م الثلاثاء 03 أكتوبر 2023

العقيد حلمي زكي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد سامي:

48 ساعة تفصلنا عن الذكرى الـ50 لحرب السادس من أكتوبر المجيدة التي استردت فيها مصر، بفضل أبطالها من رجال القوات المسلحة، الذين ضحوا بأرواحهم؛ سيناء الحبيبة، إذ استطاعوا خداع العدو في حرب أكتوبر لتُلقب تلك الحرب بـ"المعجزة"؛ لما قدمه الجيش المصري من خطط وقرارات حاسمة، آنذاك.

التقى "مصراوي" العقيد حلمي زكي محمد، أحد الأبطال المشاركين في حرب أكتوبر 73، الذي كشف خلال حواره عن تفاصيل اختيار ساعة الحرب، وخطة خداع العدو، وكيفية التعامل مع نحو 22 نقطة قوية منتشرة من بورسعيد إلى السويس؛ تحمل مادة "النابالم"، بالإضافة إلى كيفية استعواض الذخيرة خلال الحرب.. وإلى نص الحوار:

- بداية.. اشرح لنا كيف كانت حال القوات المسلحة قبل حرب أكتوبر؛ بمناسبة مرور 50 عامًا على الحرب؟

تخرجت في الكلية الحربية عام 1969، بعدها انضممت إلى الصاعقة؛ لألتحق بعد ذلك بسلاح المشاة، نظرًا لاحتياج الكتيبة إلى أكبر عدد ممكن لاقتحام القناة؛ إذ كانت التدريبات تصل إلى 16 ساعة يوميًّا، استغرقت نحو 5 أشهر.

بعد ذلك تم التدريب على الذخيرة الحية؛ سواء أكانت دبابات أم مدرعات، إذ تحمَّلنا تلك التدريبات بحب؛ لأننا كنا على يقين تام أن مصر ستحارب إسرائيل لاسترداد سيناء مرة أخرى، وهذا كان الهدف الأساسي والرئيسي من التدريب.

- هل كانت هناك تدريبات بعد الانضمام إلى إحدى الكتائب؟

بعد الانتهاء من الانضمام والتدريب، قررنا عمل المشروع النهائي الذي من خلاله سيتم اقتحام قناة السويس؛ إذ يتميز ذلك المشروع بأنه كان على أرض شبيهة بمنطقة سيناء، وكنا نطلق بعض الأسماء على الجبال، كي نعيش الدور الذي سنقوم به.

انتهينا من المشروع بالاشتراك مع قوات دعم من منطقة الغرب؛ لكن فوجئنا أن هناك نسبة عالية جدًّا من تلك القوات لم تعُد إلى منطقة الغرب وبدأت توجد بالقرب من منطقة العمليات؛ وبالتالي ظهر مؤشر أن الموضوع ليس تدريبًا فقط، في حين وجدت مدرعات ومدفعية ثقيلة بالقرب من قناة السويس؛ وهو ما استشعرنا من خلاله أن هناك حربًا الفترة المقبلة.

- مَن كان قائدك في هذا التوقيت؟

كان قائدي، آنذاك، الرائد محمد الشافعي؛ إذ كان قائدًا قويًّا يزرع بداخلنا الحب والانتماء والوطن والقيم، عشنا في تلك السرية التي كان يقترب قوامها من الـ100 عام 1973 قبل الحرب بأقل من شهر؛ لكننا لم نعلم موعد الحرب.

في كل مشروع كان يتم استدعاء جزء من جنود الاحتياط، وفي ذلك التوقيت كان هناك جزء كبير من هؤلاء الجنود موجودين باستمرار بعد انتهاء مدة التدريبات المقررة لهم؛ وهي 15 يومًا، وهذا كان تأكيدًا لتمركز القوات والمدرعات بالقرب من قناة السويس بأن هناك اقتحامًا وليس عبور قناة السويس.

- ما الفرق بين العبور والاقتحام؟

العبور يعني أن الشخص يعبر وهو آمن؛ لكن الاقتحام هو العبور تحت ضغط النيران.

- هل السرية كان لها أي أعمال قبل حرب 73 في الضفة الثانية؟

المشروع الذي تدربنا عليه؛ وخلال عمليات الاستطلاع تسلقنا الأشجار الموجودة، وكنا نرى منطقة سيناء لنتشبع بها؛ مما أعطانا دفعة كبيرة لتحريرها.

- ما دور السرية في حرب أكتوبر؟ وكيف تتذكر هذا؟ وما كيفية مشاركتك في العملية الانتحارية؟

قبل الحديث عن 6 أكتوبر أو اليوم السابق له، أود أن أشكر الرئيس الراحل محمد أنور السادات؛ لأن أي رئيس في العالم، ولو دولة كبرى، لا يستطيع أن يأخذ قرار الحرب بالمقارنة بين القوات المسلحة المصرية والقوات الإسرائيلية، آنذاك، لكنه أخذ القرار بناءً على تقدير موقف بشكل مختلف تمامًا.

وهناك عقيدا قوات مسلحة؛ هما: العقيد أحمد نبيه، الذي وضع خطة الخداع الاستراتيجية وعلى مستوى الوحدات الصغيرة، ودون الخداع لا تستطيع أن تكسب الحرب؛ لا بد أن تخدع العدو. والعقيد صلاح فهمي نحلة، هو الذي اختار الشهر واليوم والساعة.

الحقيقة يوم 5 أكتوبر كنا على يقين أن هناك حربًا، وبدأنا في تجهيز القوارب وصرف الذخيرة، بدايةً من صرف ذخيرة بكل أنواعها؛ من المسدس نهاية بـ"ب 10 وب 11" للجنود وصف ضباط والضباط.

بعد ذلك جاءت تعليمات بالسماح بالإفطار في رمضان؛ مما أكد للجميع بنسبة 100% أن هناك نية للحرب، وكانت بمثابة نقطة تحول مهمة؛ لأنه لا أحد يستطيع أن يتحمل أن يعطي أمرًا بالإفطار، حتى لو كان مفتي الجمهورية، إلا في حالة وجود عمليات عسكرية.

جلسنا يوم 5 أكتوبر نستنتج موعد الحرب، واتفقنا جميعًا أن الحرب ستكون يوم 6 أكتوبر في أول الضوء أو آخر الضوء؛ نظرًا لأن جميع الحروب السابقة كانت في أول الضوء أو آخر الضوء، لكن كان من ضمن المفاجآت للعقيد صلاح نحلة، أنه تم اختيار الموعد الساعة الثانية ظهرًا.

وكان من ضمن خطة الخداع للوحدات الصغيرة هو لعب كرة القدم، ومجموعة أخرى لصيد الأسماك، ومجموعة أخرى لنشر ملابسها؛ لخلق إحساس للجانب الآخر أنه ليس هناك أي شيء للحرب، وأود أن أشير إلى نقطة في منتهى الخطورة، وهي أنه كان من ضمن الموانع "النابالم"؛ وهي شبيهة بالطحينة يتم وضعها في خزنة صغيرة الحجم.

- كيف تغلبنا على مادة النابالم؟

"النابالم" بعد إطلاقه في الهواء يشتعل مباشرةً؛ إذ كان العدو يمتلك 22 نقط قوية منتشرة من بورسعيد إلى السويس؛ بكل نقطة خزان نابالم تخرج منه ماسورة ممتدة إلى قناة السويس، وفي حالة العبور يستطيع أي عسكري إسرائيلي فتح النابالم في قناة السويس، وبالتالي تصبح القناة نار الله الموقدة.

لكن هناك بعض الجنود البواسل من رجال القوات المسلحة قاموا باختراق تلك الخزانات وسدها بمادة أسمنتية حديدية تم اختبارها قبل وضعها في مواسير النابالم، وفي يوم 6 أكتوبر، تحديدًا الساعة الحادية عشرة صباحًا، جاء مظروف به معلومات تفيد أن الحرب الساعة الثانية ظهرًا بعد ضرب الطيران.

بعدها بدأنا في تجهيز الأسلحة وشاهدنا نحو 220 طائرة على طول الجبهة لضرب الصواريخ والمدفعيات التي يستطيع العدو استهدافنا بها، وشاهدنا الانفجارات ورائحة البارود، وبعد عودة الطائرات بدأت 2000 ماسورة مدفع على الجبهة في ضرب العدو.

وفي تمام الساعة 2:10 حملنا القوارب التي تستقل 10 أبطال من رجال القوات المسلحة، وعبرنا قناة السويس؛ إذ استغرقت عملية عبور نحو 200 متر نحو 10 دقائق، وساعدنا في اختراق الساتر الترابي السلم الخشبي.

- بعد عملية العبور.. ماذا شاهدتم في البر الثاني؟

لحظة وصولنا شاهدنا سيارات ودبابات تسير بسرعة شديدة ناحية الشرق؛ لأن ثقافة الجندي الإسرائيلي هي عدم المواجهة؛ فهو يقاتل من داخل دبابة أو نقطة قوية، لكننا تعاملنا معهم واستطعنا تدمير وقتل الكثير منهم.

- ما تفاصيل المهمة التي كلفت بها كي تعوّض الذخيرة المفتقدة في الحرب؟

بعدما حققنا المهمة المباشرة التي كلفنا بها على مسافة 3.5 كيلومتر من قناة السويس، تم تجهيز الموقع الخاص بنا؛ لكن دائمًا في أول أيام الحرب تفقد الوحدات جزءًا كبيرًا جدًّا من الذخيرة، فكان لا بد من استعواض تلك الذخيرة المفتقدة.

كلفت في تلك الفترة بأن أعوّض الذخيرة المفتقدة؛ إذ كان قوام الكتيبة تقريبًا في ذلك الوقت نحو 1000 ضابط وصف وجندي، وهو تشكيل حرب؛ إذ قررت العودة إلى منطقة الغرب في وقت متأخر من الليل، وجهزت 5 سيارات ذخيرة؛ تمهيدًا لبناء الكباري صباح الـ7 من أكتوبر من قِبل المهندسين العسكريين الذين أتقدم بالشكر والتقدير لهم؛ نظرًا للمجهود العظيم الذي بذلوه آنذاك.

بعدها استقليت سيارة ماركة "جيب" بها نحو 3 دانات ناحية اليمين و3 أخرى ناحية الشمال لمدفع ماركة "ب" 11 مضاد للدبابات؛ للمرور على الكوبري، إذ تم فتح صغرات ساتر لمرور السيارات بهدف استعواض الكتيبة كميات الذخيرة التي افتقدتها، ومرت الـ5 سيارات وفي مقدمتها السيارة "الجيب" التي أستقلها واتجهت ناحية الكتيبة، وخلال السير تم إطلاق طلقات من جهة اليمين من إحدى النقاط الحصينة القوية جدًّا على طول خط المواجهة.

- هل تفرقتم بعد إطلاق النار والتعامل معكم؟

بالفعل تفرقنا بعد إطلاق النار، وبدأنا نستتر في "تبة" مرتفعة.. وقفت الـ5 سيارات وفكرت حينها أن نجاح المهمة هو وصول 3 سيارات إلى الكتيبة بالذخيرة المحملة عليها؛ لأن أي موقف أو واقعة في الحرب لا بد من توافر حالتين هما: تأجيل موقف واتخاذ قرار.

وفكرت في ذلك التوقيت أنه في حالة التحرك ناحية الكتيبة نجد النقطة القوية، ويستطيعون إصابة أكثر من 3 سيارات، وبذلك تفشل المهمة؛ لذا خطر في ذهني أخذ السيارة "الجيب" وبها الـ6 دانات والالتفاف تجاه النقطة القوية؛ لإشغالهم عن الـ5 سيارات والتعامل معهم بمفردي في السيارة، وبذلك أستطيع إنجاح المهمة.

- ما طبيعة الاتفاق بينك وبين الضباط والمجندين؟

اتفقت مع سائقي السيارات الخمس على ذلك رغم تخوفهم الشديد في ذلك الوقت على حياتي من خطورة القرار والموقف؛ إذ رأيت سائقًا يبكي حرصًا منه على حياتي، قررت التحدث معه مؤكدًا له أن هذا واجبنا الوطني تجاه وطن كبير اسمه "مصر"، وتم نجاح المهمة بتلك الطريقة، بعد اتجاهنا ناحية الشرق وإطلاق النار عليهم؛ لانشغالهم لوصول الذخيرة إلى الكتيبة.

- حدّثنا عن نسبة الخطورة وبقائك على قيد الحياة بعد تلك الفكرة؟

للعلم، نسبة بقائي حيًّا كانت 0%. لكن على الرغم من ذلك تعمدت استكمال المهمة والخطة التي وضعتها، وبعدها انفجرت السيارة التي تحتوي على نحو 150 لتر بنزين و6 دانات، وعُدنا ناحية الساتر، ووقتها سمعت صوت السيارات المرسيدس وهي تتحرك في ستر الدخان الناتج عن الانفجار، وبعدها تم التعامل معنا بمدافع نصف بوصة وطلقات حارق وكل أنواع الذخيرة، إلى أن سمعت الضابط نادر يصرخ ويردد أنا أُصبت يا فندم.

- بعد إصابة الضابط.. ما التكليفات التي وجهتها إلى الجنود وضباط الصف؟

قدرت الموقف بعد إصابة الضابط "نادر"، ووقتها كنت أحمل بندقية تحتوي على 3 خزن ذخيرة، وكلفت المجند بأن يحمل الضابط في مكان آمن، وتم التعامل معي إلى أن شعرت أن جسدي أُصيب بشظايا ونزفت بعدها نحو 2 لتر دم.. المجند فضل ينادي عليَّ وأنا مش قادر أرد أو أشاور أقول له إنني موجود، وبعدها سمعت السائق يقول "يلَّا يا حضرة الضابط نادر، هوّ حمانا علشان إحنا نعيش وهوّ مات، الله يرحمك يا سيادة النقيب حلمي يلَّا بنا".

- صِف لنا شعورك بعد إصابتك ونزف أكثر من 2 لتر دم؟

بعدها بـ3 دقائق بدأت دموعي تتساقط على وجهي وانعدمت الرؤية عن عينَيّ تمامًا؛ إذ شعرت بعدها أنني في اللحظات الأخيرة من حياتي، ولم أفكر في أحد نهائيًّا في ذلك التوقيت إلا مصر فقط، وكنت غاضبًا أنني لم أكمل المهمة مع زملائي لأشاهد سيناء محررة.

وبدأت تعود الرؤية عندي واحدة تلو الأخرى، وعقلي الباطل أوحى لي أنني في الجنة، وشاهدت الحقيقة بأنني ما زلت على قيد الحياة، وشعرت بعدها بالحزن والسعادة في نفس الوقت، لأنني لست في الجنة وفرحت أنني سأكمل المسيرة مع زملائي، وتم التعامل معي مرة أخرى؛ لذا قررت أن أركز مكاني إلى أن تغيب الشمس تمامًا وقدوم الظلام، وبالفعل ربنا استجاب لدعوتي بأن تأتي سحابة سوداء على القمر واستطعت أن أعود مرة أخرى إلى نفس المكان الذي كان يوجد به الضابط والسائق.

- بعد إبلاغ الكتيبة باستشهادك.. ما الخطوات الذي اتخذها قائد الكتيبة تجاهك؟ وما سر لقبك بـ"الشهيد الحي"؟

نفس اللحظة التي قررت فيها التحرك، كانت هي نفس التوقيت الذي قرر فيه قائد الكتيبة إرسال فرازة بعد إبلاغه أنني استشهدت؛ إذ حملني ضابط يُدعى "محمد محمد بركات" على كتفَيه إلى أن وصلت الكتيبة، ثم أخلوني إلى الغرب، وكنت واثقًا 100% أن هذه آخر أيامي في القوات المسلحة، ومنذ تلك اللحظة لُقبت بـ"الشهيد الحي".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان