على جمعة يوضح الدماء الواجبة في الحج: 6 أمور توجب كفارة الذبح
(مصراوي):
نشر الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، على صفحته الرئيسية بـ "فيسبوك" منشور عن الدماء الواجبة في الحج والتي تجب بترك واجب من وجوب الحج أو بفعل محرم وقد وضح هذه الأمور، وحددها في النقاط التالية:
النوع الأول:
الدم الواجب بترك نسك مأمور به؛ كترك الإحرام من الميقات مثلا، وحينئذ يجب علىٰ الترتيب: شاة صحيحة سليمة بحيث تجزئ في الأضحية، حيث إن شروط الذبيحة التي نذبحها في الحج هي بنفسها الشروط الموجودة في باب الأضحية: (أن تكون سليمة، غير مكسورة السن، وألا تكون عرجاء، ولا مجنونة، ولا عوراء، ولا مقطوعة القرن.. إلخ).
فإن لم يجدها فصيام عشرة أيام، وعدم الوجود يتحقق بأحد صورتين: إما أن يكون حسِّيا، وإما أن يكون شرعياً: فعدم وجودها حسا معناه: أن الغنم غير موجود أصلاً في هذا المكان، وعدم وجودها شرعاً معناه: أن الغنم حاضرة أمامي، ولكن ليس معي مال أشتريها به مثلاً، وهذا يسمىٰ بالفَقْد الشرعي.
ونكرر هذا الكلام في مسألة فَقْد الماء في أبواب الطهارة، فمن أراد الوضوء وفقد الماء انتقل إلىٰ التيمم، وفقد الماء إما أن يكون حسياً أو شرعياً، فقده حساً: كأن يكون الماء منقطعاً.. أو غير موجود، وفقده شرعًا: أن يكون موجوداً ولكن ليس معي ثمنه، أو لا أستطيع استعماله لمرض مثلا، فقد يكون الماء حاضراً لكنك لا تستطيع أن تستعمله، كأن يكون عندك مرض يمنعك من الاستعمال، فتكون بها قد فقدته شرعاً وهكذا.
إذن الفقد الشرعي: بأن تكون موجودة ولكنَّ الشرع أباح لي عدم الاستعمال.. فالشاة كذلك، فإذا فقدت الشاة حسًا، أو شرعًا، فصيام عشرة أيام: ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله.
وما معنىٰ قولنا: (في الحج)؟؟ هل يعني: (في رحلة الحج)؟؟ أو يعني: (في زمن الحج)؟؟ رأيان للإمام الشافعي.
فكأن الشافعي قال في أول الأمر: معنىٰ صيام ثلاثة أيام في الحج أي: في رحلة الحج، ثم بعد تأمل في النصوص الشرعية وتوسع في البحث والاجتهاد رجع وقال: بل معناها: في زمان الحج.
إذن يصوم -لأنه يعلم مسبقًا أنه ليس معه هذا المال- ويسن الصوم قبل يوم عرفة، صوم السادس والسابع والثامن من ذي الحجة حتىٰ تكون في الحج، أي في زمان الحج.
فإذا لم يصم ورجع إلىٰ بلده، كأن سُرِقَ منه ماله وقد كان في نيته أن يذبح، فإنه يصوم ثلاثة أيام، ويفطر بعدها أربعة أيام، ثم يصوم السبعة المتبقية.
فإذا سأل سائل: من أين جاءت هذه الأيام الأربعة التي يفطرها؟ أجيب بأن الأصل أن يأتي بالأيام الثلاثة الأولىٰ في الحج أي في وقت سفر، فإذا أوقع الصيام بعد رجوعه فصل بين الثلاثة والسبعة بهذه الأربعة، وكأنها هي الزمن الذي يكون المسافر فيه مسافرًا، فإن له شرعا ثلاثة أيام تسري فيها الرخص الشرعية من قصر الصلاة وما أشبه، فإذا دخل في الرابع أتم الصلاة، فيصوم ثلاثة أيام، ويعتبر نفسه مسافراً فيفطر أربعة أيام، ثم يصوم السبعة الباقية.
إذا صيام عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله ووطنه، ولا يجوز صيام السبعة المذكورة أثناء الطريق، فإن أراد الإقامة بمكة صامها.
ولو لم يصم الثلاثة في الحج ورجع لزمه صوم العشرة، وفرَّق بين الثلاثة والسبعة بأربعة أيام كما ذكرنا منذ قليل.
وهنا قاعدة مهمة بينها العلماء، وهي أن الدم الواجب إما دم ترتيب، وإما دم ترتيب وتعديل فما الفارق؟؟
قال العلماء: يجب أولا شاة، فإن عجز عنها اشترىٰ بقيمتها طعاماً وتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوماً.
إذن الدماء هنا أولها المرتب، والمرتب معناه أنك عليك دم، فإذا فقدت الدم تصوم.
ثانيها: المرتب المعدل، المعدل معناه أنك عليك دم فإذا فقدت الدم تحوله إلىٰ ثمنه.. كم ثمن الدم؟ ثلاثمائة ريال مثلاً، وتحسب كم كيلو أرزًا يشترون؟ يشترون مائة وخمسين كيلو، فتشتري مائة وخمسين كيلو وتوزعهم، فإن لم يكن معك الثلاثمائة ريال؟ تصوم، هذا هو المرتب المعدل، معدل يعني عادلنا قيمة الشاة بالطعام.
النوع الثاني:
الدم الواجب بالحلق والترفه: كأن يستعمل المحرم مثلا الطيب أو الدهن فهذا من قبيل الترفه، فيترتب عليه دم، وهو علىٰ التخيير، إما شاة، أو صوم ثلاثة أيام، أو التصدق بثلاثة آصع علىٰ ستة مساكين، والحاصل أن تطعم ستة مساكين، أو تصوم ثلاثة أيام، أو تذبح شاة.
النوع الثالث:
الدم الواجب بالإحصار: كأن قبضوا عليك في الطريق وليس معك البطاقة أو جواز السفر، فإذا أحصروك فماذا تفعل؟ يتحلل المحرم بنية التحلل، بأن يقصد الخروج من نسكه للإحصار، ويهدي شاة حيث أحصر، ويحلق رأسه بعد الذبح، ولذلك وأنت في التلبية تقول: (اللهم اجعل محلي حيث حبستني)، كأن لسان حالك يقول: أنا متوجه للبيت الحرام يا رب، فإن لم ترد أن أصل إليه وأنا محرم اجعلني أفك إحرامي حيث حبستني.. فالأمر لك سبحانك.
النوع الرابع:
الدم الواجب بقتل الصيد: وهو علىٰ التخيير بين ثلاثة أمور: الأول: إن كان الصيد مما له مثل كبقرة أو غزالة، تخرج المثل، والمراد بالمثل صيد له ما يقاربه في الصورة، فمثلاً الجاموسة تقاربها البقرة، فإن قتلت صيدا له مثل أخرجت ما يماثله، يعني تأتي بمثله وتخرجه لله علىٰ فقراء الحرم.
والثاني ألا يكون له مثل فنقومه: ومعنىٰ أن تقومه أي أنك تنظر كم يساوي في السوق؟ فنزن اللحم ثم تحسب كم يساوي، وتشتري بقيمته طعامًا، وتتصدق به.
والثالث: أن يصوم عن كل مد من ذلك الطعام يومًا، فإن كان الصيد مما لا مثل له أخرج بقيمته طعامًا وتصدق به أو صام عن كل مد يوماً.
النوع الخامس:
الدم الواجب بالوطء وهو علىٰ الترتيب: بدنة من الإبل، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجدها فسبع من الغنم، فإن لم يجدها قوّم البدنة بالدراهم، بسعر مكة وقت الوجوب، واشترىٰ بقيمته طعامًا وتصدق به، فإن لم يجد طعامًا صام عن كل مد يوماً.
ولا يجزئه الهدي ولا الإطعام إلا بالحرم؛ ويجزئه أن يصوم حيث شاء.
ولا يجوز قتل صيد الحرم، ولا يجوز قطع شجره، والمحرم وغير المحرم في ذلك سواء، يعني سواء كنت حلالًا أو حراماً -يعني لابس الإحرام- فإنه يحرم عليك أن تقطع شيئًا من شجر الحرم، أو أن تقتل شيئًا فيه، ولا يحل لك أيضا أن تصطاد حمامة، ولا يمامة، ولا أي شيء وأنت داخل مكة، سواء كنت بملابسك العادية أو كنت محرمًا بإحرام العمرة أو الحج، ولهذه التفاصيل الكثيرة نظموا لها نظماً من الشعر فقالوا:
أربعة دماء حج تحصر * أولها المرتب المقدر
تمتع، فوت، وحج قرنا * وترك رمي، والمبيت بِمِنَىٰ
وتركه الميقات، والمزدلفة * أو لم يودع، أو كمشي أخلفه
ناذره، يصوم إن دما * ثلاثة فيه، وسبعا في البلد
وهكذا يحفظها طلبة العلم، لكي يفتوا بها، ولكن عادة من ليس بمتخصص أن لا يحفظ مثل ذلك فيسأل، فعليك أن تسأل، وإنما أخذت فكرة عامة عن أن هناك دماً، وأن هناك ترك واجب، وأن هناك فعل حرام، إلىٰ آخر الأمور التي تكلمنا عليها والله تعالىٰ أعلىٰ وأعلم.
فيديو قد يعجبك: