لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

4 سنوات من الأمل.. مصراوي يحاور الفريق الطبي لزراعة أول رئة في مصر

01:05 م الخميس 22 ديسمبر 2022

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار- أحمد جمعة:

تصوير- محمد معروف:

قبل 4 سنوات، راود الحلم خيال أطباء قسم جراحة القلب والصدر بمستشفى عين شمس التخصصي لإجراء أول عملية زراعة في مصر، وبالفعل شرعوا في بلوة الفكرة إلى عرض، ثم إلى آليات تنفيذية، ومع الموافقة عليها جرى السعي لتحقيقها على أرض الواقع، قبل أن تأتي جائحة كورونا لتؤخر التطبيق لبضع أشهر، لكن الأمل ظل مستمرًا.

ويقف الفريق الطبي الآن، رافعًا هامته بعد أن أجرى عملية الزراعة الأولى للرئة في صدر الفتاة "سحر"، تلك التي عانت لسنوات من تداعيات أزمة تنفسية كادت تودي بحياتها في غضون شهرين اثنين وفق التوقعات الطبية، قبل أن تتشبث بالأمل ذاته.. وهيّ الآن برئة جديدة تنتظر العمل رويدًا رويدًا للتنفس بحرية بعيدًا عن الأكسجين الصناعي.

حين كانت الأجهزة الطبية موصدة بسحر في غرفة الرعاية المركزة، وجلس شقيقيها "كامل وجمعة" في غرفتين متجاورتين للاطمئنان على حالتهما بعد التبرع.. حاورنا إلى جوارهم فريق أول عملية زراعة رئة في مصر، من مختلف التخصصات الطبية.. وفيما يلي نص ما دار:

- متى بدأت التحضيرات التي سبقت أول عملية زراعة الرئة؟

الدكتور أحمد مصطفى، مدير برنامج زراعة الرئة بمسشتفيات جامعة عين شمس

بدأنا التفكير في زراعة الرئة منذ عام 2018، وتقدمنا بعرض لعميد الكلية آنذاك الدكتور محمود المتيني وهو رجل له باع طويل في زراعة الكبد.. وأخبرناه أن قسم جراحة القلب والصدر بمستشفى عين شمس جاهز للعمل في زراعة الرئة، ولدينا مقومات لذلك، ووافق على الفور ومن حينها بدأنا التنفيذ وتم التواصل مع د. محمد حسين وكان وقتها يعمل في السعودية بمستشفى الملك فيصل ويتولى برنامج زراعة الرئة، وبدأنا عقد اجتماعات والحديث إلى كافة الأقسام الطبية المنوط بها العمل في هذا المشروع.

- كيف استفدتم من الخبرات اليابانية في هذا المجال؟

الدكتور أحمد مصطفى، مدير برنامج زراعة الرئة بمسشتفيات جامعة عين شمس

في مصر، لا يوجد لدينا برنامج لزراعة الأعضاء من شخص متوفى دماغيا، ولا يوجد أمامنا إلا الحصول على الزراعة من متبرع حي.. وبعد محاولات مضنية تم التواصل مع البروفيسور الياباني "هيروشي دات"، ووافق على استقبالنا هناك وسافر أكثر من قسم طبي مثل الجراحة والصدر والرعاية مركزة والتخدير إلى اليابان إضافة لسفر مجموعة أخرى إلى السعودية، وكونا الفريق الطبي لمحاولة جمع المعلومات الطبية عن تكوين برنامج جديد لزراعة الرئة، لكن جاءت أزمة كورونا لتعطلنا بعض الشيئ وجئنا من الخارج وتم تحديث المستشفى بشكل مناسب، وتم إضافة معدات جديدة وأصبحنا جاهزين، وبعد تجهيز المستشفى، بدأنا مناظرة عدد من المرضى وبدأنا الاختيار وبدأت العجلة في الدوران.

الفريق الطبي لزراعة أول رئة في مصر (2)

- ما الآلية التي جرى بها اختيار الحالة الأولى لزراعة الرئة؟

الدكتورة آلاء، مدرس مساعد بقسم الصدر بمستشفى عين شمس

قمنا بتفعيل العيادة التحضيرية للمرضى الذين يعانون من فشل تنفسي وبحاجة لزراعة رئة منذ فترة طويلة قبل جائحة كورونا، وهناك مقاييس لاختيار المريض الذي تصلح حالته لزراعة الرئة وكذلك اختيار المتبرعين، وبالطبع يجب للمتبرعين استيفاء العديد من الشروط وهناك شروط يجب أن يكون المريض وصل إلى مرحلة معينة من الفشل التنفسي بعد العديد من الفحوصات التي نقوم بها ونسبة الأكسجين ووظائف التنفس واعتماده الحالي على الأكسجين بخلاف المتبرعين ومدى كونهم صالحين أو لا وكذلك حال تأثرهم من جراء التبرع، إضافة لشرط التوافق بين المتبرع والمريض.

وهذه الشروط لا تتوافر في جميع المرضى الذين يأتون إلى العيادة التحضيرية، رأينا العديد من المرضى ونختار من يصلح لإجراء عملية.

وبعد الإعلان عن هذه العيادة حضر الكثير من المرضى، وتم تحضير نحو 4 حالات للزراعة، وهناك حالة تم تحديدها ولكن حدث انسحاب من أحد المتبرعين.

- هل تتسبب المعلومات المغلوطة في قلق المتبرعين؟

الدكتور أحمد مصطفى، مدير برنامج زراعة الرئة بمسشتفيات جامعة عين شمس

المشكلة في المتبرعين أنهم في بعض الأحيان يخافون من التبرع وكذلك فقد جزء من الرئة بما قد يعيقه عن التنفس بشكل مثالي، ونقول إن في مصر هناك عشرات من عمليات استئصال فص من الرئة ويعود الشخص لحياته الطبيعية مرة أخرى، كما أن استئصال فص من الرئة لشخص سليم يعود لحياته الطبيعية تمامًا وتعود وظائف التنفس بنسبة تتجاوز 90 بالمئة بعد شهرين أو ثلاثة، كما يعود لعمله مرة أخرى بشكل طبيعي، وبالتالي المفاهيم المغلوطة قد تعيق الأمور بعض الشيئ.

الفريق الطبي لزراعة أول رئة في مصر (4)

- بعد التواصل معك خلال تواجدك في السعودية.. هل كنت تتوقع أن نصل لمرحلة إجراء أول عملية زراعة رئة؟

الدكتور محمد حسين، مدير وحدة زراعة الرئة بجامعة عين شمس

بالفعل كنت أتوقع ذلك وكان عندي أمل أن نبدأ، وهذا التوقع والأمل ليس وليد السنوات الـ 4 الماضية، بل كان من اليوم الأول الذي بدأت فيه برنامج زراعة الرئة كمتدرب في فرنسا منذ عام 2004، ومن هذا الوقت فكرت أننا في يوم من الأيام سننفذ ذلك.

ولدينا الكثير من الإمكانيات والموارد بجامعة عين شمس التي تؤهلنا لتنفيذ برنامج زراعة الرئة، ولدينا طاقم من أفضل الأطباء، وبالعكس بدأنا في مصر من الجزء الأصعب وهو زراعة الرئة من متبرع حي لأننا طوال السنوات الماضية أعمل في زراعة الرئة من متوفي لأنه في النهاية لدينا مريض واحد وليس 3 مرضى في 3 غرف عمليات كما الحال في المتبرع الحي، وهذا يأخذ جهدا كبير من الفريق الطبي، والحقيقة جامعة عين شمس قدمت ما يلزم لتدريب الفريق وتجديد البنية التحتية، لأننا نعمل هنا بإمكانيات تضاهي المراكز العالمية.

- ما التحديات التي واجهتكم عند إجراء العملية الأولى لزراعة الرئة؟

الدكتور محمد حسين، مدير وحدة زراعة الرئة بجامعة عين شمس

بالنسبة للجزء الجراحي، كان التحدي الأول توفير 6 استشاريين جراحة صدر قادرين على المشاركة في زراعة الرئة، وبالفعل تم توفير الـ 6 جراحين بالمساعدين لهم من أساتذة عين شمس حيث تواجد 2 جراحين مع كل متبرع و2 مع حالة الزرع.

الفريق الطبي لزراعة أول رئة في مصر (2)

- كيف تعامل الفريق الطبي مع 3 مرضى في 3 غرف عمليات في آن واحد؟

الدكتورة هبة فؤاد، أستاذ مساعد التخدير والرعاية المركزة بعين شمس

كنا فريق كبير مكون من مجموعة من أطباء التخدير يرأسهم د. عادل الأنصاري، وكان هناك تنسيق بالنسبة لعامل الوقت.. حيث تم بدء التعامل مع المتبرع الأول للرئة اليمنى مع المريض المتلقي للرئة وتخديرهم في نفس الوقت بغرفتي عمليات منفصلتين، وكان هناك تناسق بين الطاقمين، والحالة كان لها نسبة خطورة عالية وبالتالي حرصنا على عدم البدء في المتبرع إلا حين الاطمئنان على حالة وسلامة "سحر"، وجرى التخدير بسلام وحرصنا على سلامتهما، وبعد نصف ساعة تم تخدير المتبرع الثاني بالفص الأيسر في الغرفة الثالثة وسط تناسق في التوقيت، وعملية التنسيق تمت خلال العملية ذاتها، لأننا نقوم بفصل الرئة اليمنى للمتبرع ثم معالجته بمحلول طبي في نفس الوقت يكون هناك تواصل مع المتلقي للفص.. وهذا يمكنا أن يكون الفص في حالة جيدة للعمل بأكثر كفاءة.

- ما طبيعة الحالة الصحية لسحر قبل إجراء العملية؟

الدكتورة هبة فؤاد، أستاذ مساعد التخدير والرعاية المركزة بعين شمس

حالة سحر لم تكن سهلة، لأنها كانت تعاني من ارتفاع شديد في الشريان الرئوي ضعف ضغط الشريان الرئيسي في الدم، وحدثت لها جلطة في الشريان الرئوي من 3 أشهر فقط، ورغم أنها كانت تسير على أدوية لمنع حدوث الجلطات، كما أن الحالة الصحية للرئة كانت تؤدي لأزمة في الناحية اليمنى من القلب، وبالتالي كانت نسبة خطورتها عالية.. وكنا مستعدين لها بتوفير كافة الأجهزة اللازمة للتعامل مع الحالة تحت أي ظرف.

- كم عدد الفرق الطبية التي شاركت في العملية؟

الدكتور عادل الأنصاري، أستاذ التخدير والرعاية المركزة

هناك أكثر من 13 قسما طبيا متخصصا شاركوا في هذه العملية في مراحل مختلفة، بداية من مرحلة التحضير والتي على رأسها قسم الصدر، وأثناء العملية هناك التخدير والرعاية المركزة والجراحة والإرواء الطبي والتمريض في كل المراحل، إضافة لقسم الأشعة على سبيل المثال لأن هناك تصور ثلاثي الأبعاد لشكل الفص وكيفية وضعه في القفص الصدري لمريض آخر وهذا له حسابات خاصة.. ومن ثم كان هناك تناسق وتكامل بين جميع الفرق المشاركة.

- كيف تعاملتم مع حالة زراعة الرئة والمتبرعين نفسيا؟

الدكتورة هناء الجندي، مدير وحدة الرعاية المركزة:

في البداية يجب أن يكون المتبرع لديه إصرار على التبرع وهذا ما حدث مع أشقاء سحر، والذين عايشوا حالة شقيقتهم ومدى صعوبتها، وبالفعل قيل لهم إن هناك مشاكل وإنها ليست عملية سهلة وقد تحدث مضاعفات، لكنهم كانوا مصرين وقالوا "إحنا خايفين على أختنا أرجوكم أعملولها العملية وإحنا مستعدين لكل حاجة، لدرجة أن سحر كانت خايفة على أشقائها"، وهذا ما رأيناه صباح يوم العملية حيث كان تبكي سحر خوفا على أشقائها، حتى أن الأم حين استيقظ المتبرعين رغبت في الاطمئنان عليهما، وقالت "سحر بين إيديكم وبعد اللي شفته هنا أنا مطمنة عليها معاكم"، وبالتالي كان للتأهيل النفسي دور كبير للغاية.

وتحصل سحر على دواء مضاد للاكتئاب حتى لا تتأثر نفسيا بما تمر به داخل الرعاية المركزة، وهي حالياً تتحدث بشكل جيد وفي حالة جيدة، وتم تصوير فيديو لأشقائها وهم بحالة جيدة وشاهدت هذا الفيديو.

- كيف جرى الإعداد البدني للمتبرعين وكذلك حالة سحر؟

الدكتورة سالي صابر، مدرس واستشاري الطب الطبيعي بعين شمس

التأهيل مهم للغاية للمرضى الذين يقومون بالزراعة لأنهم يعانون من فشل تنفسي حاد ويكونون ملازمين للفراش لوقت طويل، ويحدث نتيجة ذلك أن تقل الكتلة العضلية وكتلة العظام وهو ما يتسبب لهم في حالة ضعف.

وبالنسبة للمتبرعين فهم أصحاء والتحدي أن يخرجوا من غرف العمليات للعودة لممارسة حياتهم، ولكن بالنسبة لسحر فهي تبلغ من العمر 28 عاما وفي مقتبل حياتها وكان لديها صعوبات كبيرة، وبدأنا تأهيلها من 4 شهور قبل إجراء العملية، وبدأنا بالتنفس الطبيعي للمساهمة في عمل الرئة الجديدة بعد إجراء العملية، بجانب التأهيل النفسي لأنها كانت في بعض الأحيان تعاني من الاكتئاب وترفض تناول الطعام أو ممارسة الرياضة، لكننا ساعدناها نفسيا لتجاوز ذلك.

- هل كانت سحر مُهددة بالوفاة حال عدم إجراء العملية؟

الدكتورة سالي صابر، مدرس واستشاري الطب الطبيعي بعين شمس

بالفعل، مؤشرات الخطورة كانت مرتفعة للغاية، وكانت التوقعات تشير إلى وفاتها خلال شهرين بسبب حالتها الصعبة.

- متى تخرج سحر من الرعاية المركزة؟

الدكتور أحمد عبدالغني، مدرس التخدير والرعاية المركزة

لا يمكن تحديد مدة وجود المريضة في العناية المركزة، فنحن نسير خطوة بخطوة على حسب البروتوكول.. وهناك تحسن كبير في حالتها بشكل عام بالإضافة إلى بدء تحسن وظائف الرئة الجديدة نسبياً بالتدريج.

- هل تجاوزنا المرحلة الحرجة للحالة؟

الدكتور أحمد عبدالغني، مدرس التخدير والرعاية المركزة

نحن في المرحلة الحرجة منذ البداية، لأنه يتم التعامل مع العديد من الصعوبات لأنها كما ذكرنا كانت حالة صعبة من البداية، بالإضافة إلى أننا لا نتعامل مع مريض واحد فقط نحن نتعامل مع 3 مرضى.

- متى تعمل الرئة الجديدة بكفاءة؟

​الدكتور أحمد عبدالغني، مدرس التخدير والرعاية المركزة

بالتدريج تتحسن الرئة الجديدة وحينما يتم الاستغناء عن أجهزة التنفس الصناعي وأجهزة الإرواء القلبي تماما فحينها تكون الرئة قادرة على توفير كمية الأكسجين التي يحتاجها الجسم.

- كيف تعامل التمريض مع هذا النوع الجديد من العمليات؟

إيمان محمد، مشرفة الرعاية

فكرة زراعة الأعضاء ليست جديدة علينا لأننا نتعامل منذ عام 2007 في زراعة الكبد والقلب المفتوح، وتم اختيار فريق تمريض على أعلى مستوى، وحصلوا على دورات تدريبية في مكافحة العدوى والانعاش القلب الرئوي، وبالتالي تم تحديد تمريض يكفي لمدة 24 ساعة بالمتابعة المستمرة مع "سحر" في الرعاية، وكذلك مع أشقائها المتبرعين.

- ما أول ما قالته "سحر" بعد إجراء العملية؟

عفاف فتوح، تمريض رعاية مركزة

حينما أفاقت المريضة سحر لأول مرة بدأت بالبكاء وسألت على أشقائها وقمت بطمأنتها عليهم، كما تم الاتصال بهم عن طريق مكالمة فيديو وحينما رأتهما هدأت قليلاً، وكل يوم تسأل عن صحتهم وهل يمكن رؤيتهم، وتم الحصول على إذن لتمكينها من رؤيتهما من خلف الزجاج لحين تحسن حالتها الصحية.

فيديو قد يعجبك: