رئيس "الإنجيلية": الخطير في المواطنة أنها تظل مجرد شعار دون الانتقال لممارسات عملية

كتب- إسلام لطفي:
تصوير- هاني رجب

قال الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، إنَّ النقاش حول قضية المواطنة لا يتقادم ولا يفقد أهميته، فهي مفهوم شاملٌ وعمليةٌ مستمرةٌ من التشكيل والتطبيق والتطور وفقًا لاحتياجات المجتمع المتجدِّدة والمتعدِّدة.

وأضاف خلال كلمته في مؤتمر منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، تحت عنوان "نحو مواطنه داعمة للتنوع الثقافي"، اليوم الاثنين، أن الخطير في قضية المواطنة أنها تظل مجرد فكرة أو شعار سياسي ما لم تنتقل إلى الممارسات العملية ويستوعبها العقل الجمعي ويعمل في إطارها، علاوة على أن مفهوم المواطنة لا يتحقق له النضوج في فعله المجتمعي والسياسي إذا لم يكن مراعيًا لكل أوجه الاختلافات الثقافيَّة داخل النسيج الاجتماعي.

وأشار إلى أن الهوية هي الحقيقة التي تشكل خصوصية الفرد وتميُّزَه عن غيره، وهي تتضمن عدة أوجه (العمر، الجندر، الخلفية الاجتماعية، الديانة، الثقافة، الانتماء الوطني، اللغة، المهنة، فلسفة الحياة.. إلى آخر ذلك)؛ فهوية الفرد الذاتية هي واحدةٌ وفريدةٌ، لكنها تتكون من انتماءات متعددة، لافتًا إلى أن هذه الهوية الفردية تشكل العلاقة مع الآخر، فهي لا تنفصل عن حياة الفرد الاجتماعية والوطنية، بل إن هذه الجوانب تسهم في تحديد المفهوم الذاتي للفرد، والعلاقة مع الآخر المختلف، في سياق تعددي، هي عامل رئيس في تحديد هويتي.

وتابع: حينما نتطرق إلى مفهوم التنوع الثقافي لا نشير إلى تصادم أو تصارع بين هويَّات متعددة، إذ إن تحديد مفهوم التنوع الثقافي حسب ما جاء في إعلان اليونسكو العالمي يؤكد "تجلي هذا التنوع في أصالة وتعدد الهويات المميِّزة للمجموعات والمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية"، ويصفه بأنه "مصدر للتبادل والتجديد والإبداع وأنه ضروري للجنس البشري... وبهذا المعنى، فإن التنوع الثقافي هو التراث المشترك للإنسانية وينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح أجيال الحاضر والمستقبل".

واستطرد: وتختلف تعريفات التنوع الثقافي بين المجالات والحقول المعرفية المختلفة؛ بين الأنثروبولوجي والعلوم السياسية وعلم الاجتماع، ورغم هذا الاختلاف، يتمثل الهدف الرئيس من دراسة هذه القضية والنقاش بشأنها في إدراك أهمية احترام هذا التنوع في إطار المواطنة، كما يتصل مفهوم التنوع الثقافي اتصالًا وثيقًا بإشكالية الوحدة في إطار التنوع والانسجام في سياق احترام الاختلاف، ونظرًا لأن مفهوم المواطنة يقدم إطارًا قانونيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا للتعايش الإيجابي بين مواطنين متنوعين ثقافيًّا، فإن هذا يؤكد ضرورة دراسة العلاقة بين المواطنة والتعددية الثقافية، تدعيمًا للتنوع الثقافي في بناء المجتمع، ودعمًا لعلاقة الانتماء المشترك في الوطن الواحد.

واستكمل: وإذا نظرنا إلى الحالة المصرية، نجد بلدًا غنيًّا بالتعدُّديّة والتنوُّع؛ ليس فقط على المستوى الديني، لكن أيضًا على المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي، وهذه التعددية في أي مجتمع إن أُحسن التعامل معها، تخلق حالة من الغنى والثراء، وتكون فرصة عظيمة للنهوض بهذا المجتمع، وهو ما أكده الدستور المصري في المادة 50 والتي تنص على أن "تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي والمعنوي، بجميع تنوعاته وراحله الكبرى؛ المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته..."، وتؤكد أن الدولة "تولي اهتمامًا خاصًّا بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية في مصر".

وأوضح أن واحد من أهم آليات إدارة التنوع هو التماسك الاجتماعي الذي يتحقق بتحطيم القوالب التي تصنف الآخرين؛ فالتصنيف والوصم يساهمان في هدم الآخر واستبعاده، والتعامل مع كل دعاوى الكراهية التي لا تفكر في مصلحة الوطن واستقراره وأمنه.

وأكد أن نشر ثقافة التنوع والتعددية للوصول إلى مواطنة داعمة للتنوع، هو عملٌ تتشارك فيه أطرافٌ متعددة؛ فالدولة من خلال التشريعات والإجراءات وسيادة القانون، والمؤسسة الدينية من خلال الحرص على خطاب ديني متسامح داعم لقبول الآخر والعيش المشترك والصالح العام، وكذلك الفن بكل ما يمتلك من أدوات يستطيع دعم التنوع الثقافي والتركيز على مفهوم المواطنة والصالح العام كإطار للتعددية الثقافية وحماية التنوع الإيجابي المرتكز على احترام حقوق الإنسان.