"أصيبوا بكورونا ليوم واحد".. كيف قضى 11 مصرياً حياتهم داخل "العزل"؟
كتب - أحمد جمعة:
لم تكن الجمعة الأولى من مارس الجاري كغيرها مما مرّ على العاملين في مجال السياحة النيلية بالأقصر؛ إذ اكتشفت وزارة الصحة يومها إصابة 12 شخصًا بفيروس كورونا داخل باخرة كانت قادمة من أسوان، في اليوم الـ 14 من متابعتهم (أي في نهاية فترة الحضانة)، في أعقاب التقارير التي نُشرت عن إصابة سائحة أمريكية من أصل تايواني كانت موجودة على متنها.
ولم تمر ساعات، حتى عادت وزيرة الصحة هالة زايد لتعلن يوم السبت تحول عينات 11 من هؤلاء إلى "سلبية"، لكنهم سيخضعون للعزل لحين التأكد من شفائهم، قائلة في مؤتمر صحفي "11 من الـ12 مصابا بقى سلبي بعد إجراء تحليل ثانٍ، وسيتم إرسالهم للحجر الصحي"، لتتوسع الوزارة في إجراءاتها الاحترازية في محاولة للسيطرة ومنع تمدد الفيروس خارج تلك البؤرة.
الباخرة كان على متنها خلال هذه الفترة 171 شخصًا بينهم 101 أجنبي، و70 مصرياً من العاملين عليها، وفق بيانات وزارة الصحة.
كان محمد جمال، "شيف" الباخرة (سارة أ)، من الذين طلبت الوزارة عزلهم رغم سلبية تحاليله في المرة الثانية. تلقى يوم الجمعة صدمة الخبر بإعلان إصابته بالفيروس: "سحبوا عينات من عندنا يوم الخميس، والصبح نادوا على 12 اسم وقالوا إنتوا مصابين وعزلونا بعيد عن الناس". وفي اليوم نفسه، جرى سحب عينات جديدة، وأعلنت الوزارة بعدها اكتشاف 33 حالة جديدة.
عقب الانتهاء من فحص جميع الموجودين بالباخرة، جرى تجهيز سيارات إسعاف لنقلهم الحالات إلى مطار الأقصر، ومنه بطائرة خاصة إلى العزل في مطروح "المصابون في المستشفى، والـ 11 السلبي في الفندق".
كان بصدر جمال بعض الضيق "كنا قلقانين على نفسنا، رغم إن مفيش أي أعراض خالص، وقلنا دا بتاع ربنا كله"، ظلّ عدة ساعات معزولًا داخل الباخرة في غرفة منفصلة عن باقي العاملين، قبل أن يُخبروه بنقله إلى الفندق المخصص للحجر الصحي بمطروح برفقة 11 من زملائه "رحنا فندق كويس جدًا"، وليتغيّر على نحو غير متوقع روتين يومه بعد 7 سنوات من العمل بالباخرة "كل واحد في أوضة، وكان ممنوع الخروج، وبيمروا علينا يكشفوا على درجة الحرارة ولو حد اشتكى من حاجة وأي حد ناقصه حاجة من بره كانوا بيجيبوها له".
استمرت أيام جمال الخمسة داخل الفندق على هذا الحال، وبالتزامن كان يتم سحب مسحة من الأنف والحلق كل 48 ساعة؛ لتحليلها من كورونا، ومتابعة حالته الصحية بشكل عام.
لعدة أيام، لم يُبلغ جمال أسرته بإصابته "كنت مخبي علشان ميتفزعوش، وكنت بكلمهم عادي"، قبل أن يذهب أطباء الصحة إلى منزله بالمنيا لإجراء تحاليل لجميع أفراد عائلته: "الصحة اللي عرفتهم بالوضع لما راحوا على البيت، وخدوا عينات منهم وطلعوا سلبيين"، ليبدأ في طمأنتهم "عرفتهم إني كويس وموجود في مكان نضيف"، وينتشر الخبر في قريته.
اعتادت وزارة الصحة إجراء تحليلين لأي مصاب يفصل بينهما 48 ساعة، وينبغي أن تخرج النتيجة في المرتين "سلبية" للتأكد من التعافي، وهذا ما جرى مع الـ11 مصابا من الأقصر.
يوم تأكد شفاء جمال هاتف أهله وأخبرهم بذلك، قبل أن يعود إلى منزله، وهناك كان الاستقبال مختلفا عن أي مرة سابقة "أهلي استقبلوني بالزغاريد"، لكنه ما أغضبه بعد حين هو القلق المبالغ فيه من قريته رغم تعافيه بشكل كامل "بقيت كويس وأكيد مش هيطلعوا حد مريض، بس فيه ناس خايفين مني، لدرجة إن قرايبي مجوش يسلموا عليا، آخرهم يتصلوا بالتليفون وأنا اللي رحتلهم".
كان إيهاب خالد (اسم مستعار)، ضمن الذين أعلنت سلبية تحاليلهم من الباخرة في اليوم الثاني لاكتشاف إصابتهم. يعمل إيهاب منذ 8 أشهر فقط، ولم تواجهه أزمة قط "دا أول موقف صعب يحصلي وقلق كده"، رغم عدم معاناته من أي آلام "بعد ما كانوا قالوا إننا إيجابيين، تاني يوم قالولنا بقيتوا سلبي بس هتفضلوا معانا شوية"، ليستمر طوال 5 أيام في العزل قبل التأكد بشكل تام من تعافيه "مكنتش قلقان علشان عارف نفسي مفيش حاجة"؛ إذ أخبره الطبيب الذي أجرى الفحوصات أن بعض الحالات لا تعاني من أعراض، وتتعافى سريعًا.
بعد ثبوت سلبية التحليل الثاني الذي أجراه خالد اطمأن قلبه "قلت الحمد لله وعرفت أهلي باللي حصل"، قبل أن يستعد للعودة إلى منزله "كنت هروح على البيت على طول بس الجو كان مطر جامد يوميها، وقعدت يوم ونص في الفندق تاني".
لا ينسى خالد يوم رحيله من مطروح "بمجرد ما شميت هوا برة اطمنت.. الهواء اللي برة أحسن من الخنقة والضيقة"، ليودع تجربة يعيشها العالم وكان هو وزملاؤه في طليعتها بمصر.
فيديو قد يعجبك: