لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"هيكل والشاذلي وفريدمان".. "الفقي" يستعيد ذكرياته مع المفكرين والساسة في كتاب جديد

07:24 م الخميس 21 فبراير 2019

الدكتور مصطفى الفقي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد عاطف:

أصدر الدكتور مصطفى الفقي مؤخرا، كتاب "ذكرياتي معهم"، عن الدار المصرية اللبنانية، نشر خلاله جزءا من مذكراته لكوكبة من رجال الفكر والفن والصحافة والثقافة والسياسة والجيش في مصر والعالم، ممن احتك بهم والتقاهم وتوثقت علاقته بهم.

"ذكرياتي معهم"، كما يصفه الفقي، سبيكة نعتز بها، مهما اختلف تقديرنا لبعضها أو انتقادنا لبعضها الآخر، مؤكدا أن حق هذه الشخصيات علينا أن تعرفها الأجيال الحالية والقادمة وأن يقتدوا بها في مسارات حياتهم، لتكتمل دائرة مسارات الحياة ما بين سابق يؤثر ولاحق يستلهم، فيكون له تأثير كما فعل السابقون، بل وأن يتفوق عليهم، فتمضي الأيام قدما إلى الأمام.

ثروت عكاشة.. ظاهرة من نوع خاص

بدأ الفقي، كتابه بالدكتور ثروت عكاشة أحد أفراد حركة الضباط الأحرار، وأهم وزراء الثقافة في تاريخ مصر، ووصفه بأنه "ظاهرة من نوع خاص، وضابط فذ، تعاطى الثقافة منذ شبابه، وتحدث الفرنسية بطلاقة، واقتحم جوهر المعرفة الإنسانية وأبحر في كل روافدها، وأنقذ آثار النوبة".

يروي الفقي أن عكاشة طلب منه عندما كان الفقي سفيرًا لمصر في النمسا بعض الصور القديمة والوثائق النادرة من متحف فيينا، وأصرّ على أن يدفع تكاليف ما أرسل إليه رغم أن الأمر لا يتجاوز عشرات الدولارات، ثم أهداه جميع مؤلفاته الصادرة عن دار الشروق.

جابر عصفور.. نبوءة العميد

انتقل الفقي، إلى ذكرياته مع الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق والذي يشترك معه في سنة الميلاد ويزحفان معا نحو السبعين، مؤكدا أن الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي التقاه في كلية الآداب وتوقع له مستقبلا مشرقا، وهو ما قد حدث.

واستعاد الفقي، موقف عصفور مما تعرض له الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي عندما تم الحجز على أثاث منزله تنفيذا لحكم قضائي، في قضية حسبة، لا تستند على أساس فكري أو ديني أو أخلاقي، فكتب عصفور وقتها مقالا وضع فيه النقاط على الحروف وانتصر لقضية الحرية لأهميتها قبل أن يتتصر لأشخاص بعينهم.

خيري شلبي.. معاناة البدايات

كما أفرد الفقي، مساحة خاصة للكاتب الروائي الراحل خيري شلبي، مؤكدا أن علاقته به بدأت على صفحات مجلة الإذاعة والتليفزيون والتي نشر خلالها دراسة رصينة تحت عنوان المفهرس، تناول خلالها شخصية الفقي ووصفه بأمور يكاد يكتشفها في نفسه ببالغ الصعوبة، كأبرع ما يكون المحلل النفسي، وقال: إنني شديد التنظيم، إلى حد أن أكون فيها "نمكي"، وإنني أجدول ذهني، وفثا لترتيب الاوليات، بشكل يومي كالأرشيف المنظم.

لم يفت الفقي أن يتعرض عن المعاناة التي شهدها شلبي في بدايات حياته بالقاهرة، وأورد جزءًا منها على لسان الشاعر المرموق سيد حجاب، مؤكدا أنه "كان يقضي الليل على مقهى محطة مصر للسكة الحديد لأنه لا يجد مكانا يؤويه في ليل القاهرة، وكيف أنه كان يزور زملائه من الأدباء القاهريين، عندما يحل المساء، حتى يكون له مكان للمبيت ولو جالسا مغمض العينين، يطلب الراحة من عناء السفر ومتاعب الحياة".

أحمد بهاء الدين.. ضمير الوطن

وصف الفقي، الكاتب الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين بأنه "ضمير الوطن، فلقد كان الرجل تجسيدا لهذا المعنى في أروع صوره، فهو ابن الوادي العريق، شق طريقه في حكمة واقتدار، ربطهما علاقة طويلة منذ بداية السبعينيات، بعد لقاء جمعهما بالكاتب الساخر محمود السعدي في لندن، مشيرا إلى أنه "كان معنيا بقضية الوحدة الوطنية".

يشيد الفقي في الكتاب بابنه الوحيد زياد بهاء الدين قائلا: "كلما جلست معه أحسست من طريقة حديثه وتدفق أفكاره وتألق رؤيته ما يجعلني أشعر أن أحمد بهاء الدين لم يمت وأن روحه مازالت تسعى بين من ورثوا عنه الجينات العقلية عائليا أو فكريًا، فما أكثر تلاميذه بين أروقة الوطن وساحات الأمة".

ويطالب الفقي بأن يكون البعد التاريخي في شخصيته، موضوعا لأطروحة دكتوراه حديثة، بعدما ارتبط اسمه بفكرة العروبة، وناضل من أجلها في أروقة البعث وصفوف القوميين العرب، ولا ينسى العرب ولا الإسرائليون أنه صاحب المبادرة التاريخية لقيام الدولة الديمقراطية في إسرائيل، والتي تضم العرب واليهود في فلسطين، على قدم المساواة وهو طرح ذكي قدمه الكاتب الراحل غداة هزيمة 1967.

توماس فريدمان.. اليهودي صاحب المبادرة العربية

يصف الفقي، توماس فريدمان، بأنه من أشهر كتاب الأعمدة الصحفية في الصحافة الأمريكية، وصاحب الأفكار الاستثنائية على الساحتين الدولية والإقليمية في العقدين الأخيرين، مشيرا إلى أن هناك من ينسب إليه المبادرة العربية برمتها، والتي جعلتها قمة بيروت خيارا عربيا، وأن هذه المبادرة كانت صدى لواحدة من مقالاته المحورية وكتاباته المستفزة التي تحرض على التفكير والتأمل.

يذكر الفقي أحد اللقاءات التي جمعتهما، والتي وصف فيها حادث 11 سبتمبر 2001 عند الأمريكان بأنه يشبه ضرب الكعبة المشرفة بالقنابل، عند المسلمين، ويصف الفقي دهشته من هذا التشبيه الغريب قائلا: "شعرت يومها بأنه مثلما نحن متهمون بالتطرف الفكري فإن لديهم على الجانب الآخر تطرفًا لا يقل سطوة وتأثيرا.

محمد حسنين هيكل.. الظاهرة

أبدى الفقي دهشته من ذاكرة "الأستاذ"، ذلك الشيخ الثمانيني المخضرم، كما يصفه، والذي ملأ الدنيا وشغل الناس، خلال حلقاته التي كانت تذاع في آخر سنوات حياته على الفضائيات، مؤكدًا أنه كان يملك رصيدا من المعلومات المتجددة والطازجة، التي قد لا تتوفر في أروقة الدوائر الدبلوماسية والأمنية، فقد اختار لنفسه طريقا ومشى فيه، ووضع لذاته تصورًا سعى إليه، فأثرى الفكر السياسي المعاصر، ووضع الصحافة في مكانها الرفيع.

يرى الفقي، أن "هيكل يمثل ظاهرة فريدة من نوعها ومؤسسة تمشي على قدمين، مهما اختلف حولها الناس"، مؤكدا أن التشكيك في قيمته يبد نوعا من العبث، كما أن المساس بمكانته تطاول لا يليق، فالرجل يفهم بعينيه ويستقبل بأذنيه، ويرصد كل ما حوله في دقة بالغة وذكاء حاد ورؤية شاملة، ولم ينل كاتبا في التاريخ العربي الحديث ما ناله هيكل من ذيوع الشهرة وانتشار الاسم واحترام الكلمة مثلما تحقق لهيكل.

الفريق سعد الدين الشاذلي.. المنتصر

أكد الفقي في مذكراته أن الشاذلي، تعرض لحملة عاتية، في أعقاب انتصار أكتوبر العظيم، واتهمه البعض بالتقاعس أمام ثغرة الدفرسوار التي تعرض لها الجيش المصري في أعقاب انتصار حرب 1973، وألقوا عليه المسئولية باعتباره رئيس أركان تلك الفترة الظافرة، مشيرا إلى أن إبعاده عن الساحة كان طبيعيا بعد أن وضعته مجلتا "الحوادث" العربية، و"الباري ماتش" الفرنسية، على غلافهما باعتباره رئيس أركان الحرب العربية المنتصرة.

ولفت الفقي، إلى ما كان بين الشاذلي وبين المشير الراحل أحمد إسماعيل من علاقة غير ودية وحساسيات قديمة، مؤكدا أن "عبقرية السادات كانت قائمة على الاستفادة من إدارة التناقضات بين الرجلين، المشير والفريق ليضمن ولاء القوات المسلحة من جهة ويحصل على الحد الأقصى من خبرات القائدين من جهة أخرى".

يذكر الفقي أن "الشاذلي عندما تسلم عمله في السفارة المصرية ببريطانيا استقبلناه بقلق خوفا من صرامته المعهودة إلى أن اكتشفنا أنه نموذج عسكري مصري مشرف، يتحدث الإنجليزية بطلاقة تفوق في جودتها عشرات السفراء المدنيين، كما فطن إلى المستقبل الذي ينتظر مارجريت تاتشر، فدعاها وزوجها إلى عشاء في بيت مصر بالسفارة في حي ماي فير، ورأينا نبوءته تتحقق بعد سنوات، وتأتي تاتشر من آخر الصفوف لتتبوأ أرفع المناصب في بريطانيا.

يحوي "ذكرياتي معهم"، إضاءات حول تاريخ مصر وعلاقات مثقفيه وفنانيه خلال العقود الماضية، سطرها المفكر الكبير مصطفى الفقي، حرص خلالها أن يرصد عشرات من النماذج المضيئة لعبقريات مصرية وعربية ودولية عاشت على أرض الوطن، دون أن يمتد التناول إلى أي سلبيات لأي شخصية من الشخصيات التي ورد ذكرها بين دفتي الكتاب، وهو أمر مقصود على كل حال، ليكون الكتاب، نموذجا إيجابيا حول طبيعة ما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الشخصيات العامة والمثقفين.

فيديو قد يعجبك: