وكيل الأزهر يطالب بتدريس مناهج عن الانتماء للأوطان وشرعية الاختلاف
كتب - محمود مصطفى:
قال الشيخ صالح عباس وكيل الأزهر الشريف، إن التعليمَ هو الركيزةُ الأساسيةُ لبناءِ الشخصيةِ الوطنيةِ السويَّةِ وحمايةِ هُوِيَّتِها من الاختراقِ أو الذوبانِ في الثقافات الوافدة أو المغلوطة، وَسَطَ ما نحياه الآن من أمواجِ العولمةِ العاتيةِ وفي ظلِّ هذا الفضاء الإلكترونيّ المستباح بلا رادع من ضمير.
وأضاف خلال في فعاليات المؤتمر ال٢٩ للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، الذي عقد صباح السبت، بأحد فنادق القاهرة أن أمواج العوملة العاتية التي نشهدها حالياً تؤكد ضرورة التعليم ليكون نظامًا آخر أكثرَ فاعليةً وتأثيرًا بحيث يقومُ على الفَهْمِ والاستيعابِ ويُنمِّي ملكاتِ الإبداعِ والابتكارِ والبحثِ العلميِّ بمنهجيةٍ رصينةٍ، لا نظامًا يعتمد على الحفظ والتلقين لا غير.
وأضاف أن التعليمَ فرصةٌ حقيقيةٌ لبناءِ ووضعِ ملامح شخصيته الوطنية السليمة، لذا يتعينُ علينا جميعًا أن نغرس في نفوس أولادِنا منذ نعومةِ أظفارِهم قيمةَ الولاء للوطن وفقه المواطنةِ وثقافةَ الحوارِ، وشرعيةَ الاختلافِ وآدابِه، وقبولَ الرأيِ والرأيِ الآخرِ، بما يُسهم في تنشئتِهم على التعدديةِ الفكريةِ بعيدًا عن الانغلاق في مسارٍ أحاديٍّ يعتقد صحته ويرى ما دونه خطأ.
ودعا إلى أن يكون هناك مقررٌ دراسيٌّ نحرص على أن يدرسه أبناؤنا في المراحل التعليمية المختلفة في كل بلاد العالم، بحث يتناول هذا المقرر في طياته موضوعاتٍ يكون على رأسها: قيمُ الولاءِ للأوطان، والمواطنةُ والتعايشُ السلمي، وأهميةُ السلام، والتسامحُ، وثقافةُ الحوار، وشرعيةُ الاختلاف، وقبولُ الرأي والرأي الآخر، إلى غير ذلك من القواسمِ الإنسانيةِ المشتركةِ؛ لنحصنَ أبناءنا من الانزلاق في براثنِ الفكرِ الإرهابيِّ المتطرف ولنغرسَ في عقولهم وقلوبهم تلك القيمَ الرفيعةَ.
وأوضح وكيل الأزهر أن فضيلة الإمام الأكبر قام بعدة مبادرات تصب نتائجها في مجال تجديد الفكر الديني والخطاب الدعوي؛ بما يُلبي متطلباتِ العصرِ ويساهمُ في بناِء الشخصيةِ الوطنيةِ السويةِ التي تنفع بلادَها وتسعى إلى تقدُّمِها ورفعتِها، وذلك في إطار ما تقوم به الدولة المصرية بقيادتها الحكيمة والرشيدة في هذا الصدد؛ تحقيقًا للاستراتيجية الوطنية: «بناء الإنسان».
ونقل وكيل الأزهر تمنيات فضيلة الإمام الأكبر لهذا المؤتمر بأن يخرج هذا اللقاءُ الطيبُ بتوصياتٍ جادَّةٍ تكونُ خيرَ مُعين على بناء الشخصيةِ الوطنيةِ والحفاظِ على هُويتها، وعصمتِها من ويلاتِ الغزو الثقافي؛ وتُحَقِّقُ التكاملَ المنشودَ بين مختلفِ المؤسساتِ الوطنيةِ، وتسهم في إنتاجِ خطابٍ دينيٍّ مستنيرٍ يجمع بين التراثِ والمعاصرةِ ويُراعي فقهَ الواقعِ ويُركِّزُ على الجانب الأخلاقي واستعادةِ القيمِ الدينيةِ والإنسانيةِ المهجورة، ويمتزج مع خطاب ثقافي وخطاب إعلامي، يكونان دعامة رئيسية لتشكيل وجدان الأمة بما يتناسب مع تاريخها العريق وحضارتها الملهمة.
وإلى نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، رسول الرحمة، ونبي الهدى، المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه الكرام ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
السادةُ العلماءُ أعلامَ المنصةِ الموقرة،
العلماءُ الأجلاءُ،
الحضورُ الكريمُ،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
فيطيب لي في البداية أن أُرحب بضيوفِ مصرَ الكرامِ، في أرض العروبة، ومنارة التسامح والسلام، الذين قطعوا مسافاتٍ من بلادهم وحضروا للمشاركة في هذا المؤتمرِ المهمِّ الذي يعقده المجلس الأعلى للشئون الإسلامية برعاية كريمة من فخامة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي، رئيس جهورية مصر العربية، واسمحوا لي في البداية أيضا أن أنقُلَ إلى حضراتكم جميعا، تحياتِ فضيلةِ الإمامِ الأكبرِ شيخِ الأزهرِ الأستاذِ الدكتورِ/ أحمد الطيب -حفظه اللهُ ومتَّعه بموفور الصحة والعافية- وتمنياتِه الصادقةَ لجمعِكم الكريمِ بأن يخرج هذا اللقاءُ الطيبُ بتوصياتٍ جادَّةٍ تكونُ خيرَ مُعين على بناء الشخصيةِ الوطنيةِ والحفاظِ على هُويتها، وعصمتِها من ويلاتِ الغزو الثقافي؛ وتُحَقِّقُ التكاملَ المنشودَ بين مختلفِ المؤسساتِ الوطنيةِ، وتسهم في إنتاجِ خطابٍ دينيٍّ مستنيرٍ يجمع بين التراثِ والمعاصرةِ ويُراعي فقهَ الواقعِ ويُركِّزُ على الجانب الأخلاقي واستعادةِ القيمِ الدينيةِ والإنسانيةِ المهجورة، ويمتزج مع خطاب ثقافي وخطاب إعلامي، يكونان دعامة رئيسية لتشكيل وجدان الأمة بما يتناسب مع تاريخها العريق وحضارتها الملهمة، خطابٍ هدفه بناءُ الوعي الوطني بتحديات الحاضر وآمال المستقبل، على أن يتزامن كل ذلك مع اضطلاع الأسر والمؤسسات التعليميةِ بواجباتِها المقدسةِ المتمثلةِ في تربيةِ الأجيال الناشئةِ ورعايتِها الرعايةَ السليمةَ السويَّةَ على النحو الذي رسمه الشرعُ الحنيفُ.
الحضورُ الكريمُ:
لعلكم جميعًا تشاركونني الرأيَ في أنَّ التعليمَ هو الركيزةُ الأساسيةُ لبناءِ الشخصيةِ الوطنيةِ السويَّةِ وحمايةِ هُوِيَّتِها من الاختراقِ أو الذوبانِ في الثقافات الوافدة أو المغلوطة، وَسَطَ ما نحياه الآن من أمواجِ العولمةِ العاتيةِ وفي ظلِّ هذا الفضاءٍ الإلكترونيٍّ المستباحٍ بلا رادعٍ من ضمير؛ وتبعًا لذلك كان لزامًا أن يتطور التعليم ليكون على الشكل الذي يُسهم في بناءِ الإنسانِ وتكوينِه الأخلاقي والقيمي والمعرفي المستقيم، وأن يتحققَ التحولُ الجِذريُّ ليصير نظامًا آخرَ أكثرَ فاعليةً وتأثيرًا بحيث يقومُ على الفَهْمِ والاستيعابِ ويُنمِّي ملكاتِ الإبداعِ والابتكارِ والبحثِ العلميِّ بمنهجيةٍ رصينةٍ، ويُرَّبي جيلاً من المبدعين يتسلح بالعلم الصحيح لخدمة وطنه ودينه والبشرية جمعاء، لا نظامًا يعتمد على الحفظ والتلقين لا غير.
وانطلاقًا من إيمانِنا الكاملِ بأنَّ التعليمَ فرصةٌ حقيقيةٌ لبناءِ الإنسانِ ووضعِ ملامح شخصيته الوطنية السليمة، فإنه يتعينُ علينا جميعًا أن نغرس في نفوس أولادِنا منذ نعومةِ أظفارِهم قيمةَ الولاء للوطن، وأن نُرَّبيَهم على الذكرِ الدائم لتلك الأمانةِ أمانةِ حبِّ الوطن والحفاظ عليه التي سيلقون بها ربَّـهم وسيسألون عنها؛ حتي يعملوا لرفعة وتقدُّمِ وطنِهم، ويحرصوا على نقاءِ صحيفتهم الوطنية في سجلاتِ التاريخ، وينبغي أن نغرسَ في وجدانهم أيضًا فقهَ المواطنةِ، ذلكم المبدأُ الدستوريُّ الذي طبَّقه نبيُّ الإسلام -ﷺ- في أول مجتمع مسلم في التاريخ، وهو دولة المدينة، حين ساوى بين المسلمين -مهاجرين وأنصارًا- واليهودِ بكل قبائلهم وطوائفهم فالجميعُ مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات.
ويجب أن نُرَّبيَ أولادنا على نموذجِ القدوةِ في التآخي بين الأديانِ والتسامحِ والتعايشِ المشتركِ والاندماجِ الإيجابي بين جناحي الأمة شركاءِ الوطن الواحد، وقد تجلى هذا النموذج في صورة من أسمى صُورِه في مصر حينما تم افتتاح كاتدرائية «ميلاد المسيح»، ومسجد «الفتَّاح العليم» بالعاصمة الإدارية الجديدة في آن واحد وبيد واحدة، ذلك الحدثُ التاريخيُّ الملهم لإثراء الحضارة الإنسانية؛ بما يُرسِّخ قيمَ الأخوةِ الوطنيةِ، والأخوةِ الإنسانيةِ، والزمالةِ العالميةِ، والسلامِ في كلِّ أصقاعِ الدنيا؛ من أجل تحقيق مقصِدِ الأديان في إسعادِ البشرية كلها.
وأعتقدُ أنه لا مناص من أن نُعَّلمَ أولادَنا ثقافةَ الحوارِ، وشرعيةَ الاختلافِ وآدابِه، وقبولَ الرأيِ والرأيِ الآخرِ، بما يُسهم في تنشئتِهم على التعدديةِ الفكريةِ بعيدًا عن الانغلاق في مسارٍ أحاديٍّ يعتقد صحته ويرى ما دونه خطأ.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارةُ إلى ضرورة أن يكون هناك مقررٌ دراسيٌّ نحرص على أن يدرسه أبناؤنا في المراحل التعليمية المختلفة في كل بلاد العالم، بحث يتناول هذا المقرر في طياته موضوعاتٍ يكون على رأسها: قيمُ الولاءِ للأوطان، والمواطنةُ والتعايشُ السلمي، وأهميةُ السلام، والتسامحُ، وثقافةُ الحوار، وشرعيةُ الاختلاف، وقبولُ الرأي والرأي الآخر، إلى غير ذلك من القواسمِ الإنسانيةِ المشتركةِ؛ لنحصنَ أبناءنا من الانزلاق في براثنِ الفكرِ الإرهابيِّ المتطرف ولنغرسَ في عقولهم وقلوبهم تلك القيمَ الرفيعةَ، وقد راعينا ذلك بالفعل في مناهجنا في الأزهر الشريف، والأزهر كما يعرف الجميع يحتضن طلاب العلم من شتى بقاعِ العالم العربي والإسلامي، وتحضرني في هذا المقام الكريم كلمةٌ قالها لي أحد كبار المسئولين في دولة من الدولة المتقدمة التي يدرس أبناؤها في الأزهر الشريف، وقد قال لي: إن أبناءنا يعودون إلى بلادهم وهم أكثرُ حبًّا وولاء لها بفضل ما يدرسونه في مناهج الأزهر الشريف، ويسعد الأزهر الشريف أن يساعد في إعداد هذا المقرر الدراسي لمن يريد.
الحضور الكريم:
إدراكًا لأهمية الخطاب الديني والدعوي والتوعوي في بناء الشخصية الوطنية؛ فقد قام فضيلة الإمام الأكبر، حفظه الله، بعدة مبادرات تصب نتائجها في مجال تجديد الفكر الديني والخطاب الدعوي؛ بما يُلبي متطلباتِ العصرِ ويساهمُ في بناِء الشخصيةِ الوطنيةِ السويةِ التي تنفع بلادَها وتسعى إلى تقدُّمِها ورفعتِها، إلا أن المقام لا يتسع لسردها تفصيلاً، لذا أكتفي بالإشارة إلى بعضها، مثلُ: أكاديميةُ الأزهرِ لتأهيلِ وتدريبِ الأئمةِ والدعاةِ والوعاظِ وباحثي وأمناءِ الفتوى، ومركزُ الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، وما قام به الأزهر الشريف بإشراف من فضيلة الإمام الأكبر من تطوير للمناهج الدراسية؛ بما يُسهم في مواجهة الفكر المتطرف، ويرسّخ لقيم التعايش والحوار وقبول الآخر، إضافة إلى القوافل الدعوية والحملات التوعوية التي تجوب الداخلَ والخارجَ لتبصيرِ الناسِ بصحيحِ الدينِ وتعاليمه الوسطيةِ السَمْحَةِ، كما أراده الله سبحانه وتعالى، وبلَّغه سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم.
وتجدر الإشادة -ونحن في المقام المبارك- بما تقوم به الدولة بقيادتها الحكيمة والرشيدة في هذا الصدد؛ تحقيقًا للاستراتيجية الوطنية: «بناء الإنسان»، والمبادرات الرئاسية التاريخية التي انطلقت في إطارها، خاصة في محاور: الصحة، والتعليم، والاعتماد على الشباب، وما لمسناه على أرض الواقع من إنجازات.
وختامًا:
أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُوَفِّقَ سَعيَكم، ويُسدِّدَ على طريق الحق خطاكم لخدمة الإنسانية جمعاء ...
والحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فيديو قد يعجبك: