لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور والفيديو- مصراوي مع طلاب الضبعة النووية في انطلاق رحلتهم من القاهرة

01:25 م الثلاثاء 26 ديسمبر 2017

مدرسة الضبعة

كتب- ياسمين محمد وإشراق أحمد:

تصوير-علاء أحمد:

يوم الاثنين 12 ديسمبر الجاري، اصطف طلاب المدرسة الفنية المتقدمة لتكنولوجيا الصيانة في طابور الصباح. ارتدي الجميع اللون الأزرق، إلا 75 طالبًا ميزهم اللون "النبيتي".

عبر ميكروفون الإذاعة المدرسية جاءت الأخبار؛ مصر توقع اتفاقية مشروع الضبعة النووي. التفتت أنظار مَن في الفناء باحتفاء إلى أصحاب الزي "النبيتي" ولسان الحال "الكلام ده ليكم"، فيما ابتسمت المُعلمة نجلاء عبد الفتاح وهي تنظر لطلابها وتحدث نفسها "أنتم ولاد مدرسة الضبعة بالنسبة لنا الحلم".

طلاب مدرسة الضبعة

في عام 2014، خرج وزير التعليم الأسبق محمود أبو النصر، معلنًا نية إنشاء مدرسة للطاقة النووية، يخدم طلابها مشروع المفاعل النووي الذي تقيمه مصر في منطقة الضبعة. ثلاثة أعوام مرت، لتدخل الفكرة حيز التنفيذ قبل خمسة أسابيع، وتنطلق دراسة الدفعة الأولى، لكن من القاهرة، حتى تكتمل بنية المدرسة في محافظة مطروح.

داخل مدرسة تكنولوجيا الصيانة، في مدينة نصر -شمال شرق القاهرة- التقى مصراوي طلاب مدرسة الضبعة ومعلميهم. عايش يومًا دراسياً، تعرف على طموحهم ونظرتهم للتجربة الجديدة، التي يصفها القائمون بـ"الرائدة"، باعتبارها أول مدرسة متخصصة بهذا الشأن في الشرق الأوسط.

يستيقظ جورج صبحي يوميًا مع دقات السادسة صباحًا، ينهض من الفراش وما هي إلا خطوات حتى يصل إلى المطعم لتناول الإفطار مع رفاقه من مدرستي الضبعة وتكنولوجيا الصيانة. منذ قدم الطالب من محافظة مطروح باتت المدرسة الأخيرة بيته، فهي إحدى المدارس الداخلية، شأن مدرسة الضبعة النووية بمطروح التي سينتقل إليها الطلاب بدءًا من الفصل الدراسي الثاني.

تم قبول صبحي، بين 30 طالبا من محافظة مطروح. تلك المرة الأولى التي يغيب فيها الفتى عن أسرته لفترة طويلة "أول أسبوعين كانت صعبة بعدين الواحد بدأ يتقلم" يقول الطالب، الذي ترك الثانوية العامة بمجموع 287 درجة، للالتحاق بالمدرسة النووية الفنية.

مدرسة الضبعة

تجاوز الطلاب الخمسة والسبعون –الدفعة الأولى للمدرسة- اختبارات عدة، علمية وبدنية ونفسية ما بين محافظتي القاهرة ومطروح. تميزوا فيها بين 1800 طالب على مستوى الجمهورية تقدموا للمدرسة منذ فتح باب القبول في يوليو المنصرم حسب قول إسماعيل حجازي، الإخصائي الاجتماعي وممثل هيئة التدريس.

يرى صبحي حال كثير من طلاب الضبعة أن للمدرسة مميزات؛ فالدارسين فيها يتم إعدادهم للعمل بالمفاعل النووي، كما أن لديهم فرصة استكمال مسارهم التعليمي والالتحاق بكلية الهندسة إلى جانب عملهم: "أنا عايز أدخل هندسة ميكانيكا أو إلكترونيات والثانوية العامة مش مضمونة لكن هنا عزيمتي كبيرة أني أجتهد واتفوق عشان أحصل على الوظيفة وأدخل الكلية في نفس الوقت".

3

مع الثامنة إلا الربع صباحًا يحضر الطلاب الطابور، بعده يبدأ اليوم الدراسي داخل الفصول. أسبوعًا كاملًا استغرقته نجلاء، معلمة مادة الكهرباء، لتحضير أول حصة لها أمام طلاب الضبعة النووية. "كانت عن الأمن والسلامة الصناعية، بدرسها من 10 سنين لكن كنت أول مرة أحسها صعبة جدًا" تقول السيدة الوحيدة بين هيئة التدريس.

خلفية نجلاء عن تميز الطلاب خلقت في نفسها القلق من التوقف أمام سؤال أحدهم، وما توقعته وجدته لحظات وقوفها أمام تلاميذها. تتذكر المرة الأولى التي طالبتهم فيها بإجراء بحث "جابوا لي حاجات طلبة الدبلوم العادي ميعرفوهاش". ورغم ما أثاره ذلك في نفس المُعلمة من ضغط غير أن السعادة غمرتها "حسيت وقتها أن دول الولاد اللي عايزة أكون معاهم".

4

بالطابق الثاني من مدرسة تكنولوجيا الصيانة، يتواجد طلاب الضبعة، ثلاثة فصول تضمهم، تحمل الأبواب ترتيب المدرسة المستضيفة مثل "3/4"، لكن دارسي الطاقة النووية يعرفونها بأرقامهم "1/1، 1/2، 1/3".

للفصل الأول انضم محمود صلاح. هجر الفتى مدرسة المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا "ستيم". مكث أسبوعين ثم رحل عنها. لم يكن القرار عسيرًا "من وأنا صغير اهتميت بفكرة المفاعلات النووية.. قعدت أقرأ عنها كتير فلما عرفت بالمدرسة قدمت على طول" يقولها الفتى بنبرة الواثق.

293 درجة من 300 كان مجموع محمود في المرحلة الإعدادية، وبهذا تجاوز الشرط الأول للالتحاق بالمدرسة الجديدة.

مدرسة الضبعة

لمحمود شقيقين هو أصغرهم، وأول من يلتحق في أسرته بالتعليم الفني، ومع ذلك وجد تشجيعًا خاصة أنه الوحيد على مستوى محافظة القاهرة والجيزة الذي التحق بالمدرسة "أسرتي عارفين أني أصلا عايز اطلع مهندس طاقة نووية".

يبدو أن محمود يعلم ماذا يريد. لم يتردد الفتى في ترك رياضة كرة الطائرة رغم ممارسته لها منذ 7 سنوات وحصاده للعديد من البطولات مع فريقه. يقول "التعليم أولى من كل شيء، الرياضة أي إصابة المشوار انتهي بالنسبة لي، لكن التعليم هكمل فيه مدى حياتي".

مدرسة الضبعة

يعمل في "الضبعة" 21 مدرسًا، يتبادلون أدوارهم في شرح 18 مادة. يوضح حجازي، ممثل هيئة التدريس "عندنا 6 مواد ثقافية زي العربي والإنجليزي والروسي و9 مواد متخصصة بينها تكنولوجيا الطاقة النووية و3 مواد عملية".

مصطحبًا جهاز الكمبيوتر الخاص به، أسرع مصطفى حسن إلى حصته. لا يحتاج معلم الإلكترونيات كثيرًا لإضفاء السكون على الفصل لبدء الشرح، مجرد أن هم بالحديث أمعن الطلاب إليه، فيما شرع في الحديث عن كيفية انتقال التيار الكهربي عبر الهاتف المحمول، وأعد حاسبه للاستعانة به لعرض شرائح توضيحية.

7

تلك المرة الأولى لمعلم الإلكترونيات في التدريس بعيدًا عن الإسكندرية. 19 عامًا مكث حسن في مدرسة "الورديان" الثانوية الفنية المتقدمة. لم يفكر في مغادرتها لولا ترشيحه من قِبل موجهه في الإدارة التعليمية "حزنت جدا أني سايب مدرستي لكن عزائي أن التجربة جديدة وده اللي شجعني" يقول المعلم الثلاثيني.

ينتظر معلم الإلكترونيات خلال الشهر الجاري حصوله على درجة خبير، ومع ذلك لا ينكر اعتباره الشديد للطلاب "قلت لزمايلي المدرسين خلى بالكم الطلبة دول هيطلعوا منكم كل المعلومات اللي عندكم". لذا أضاف لمهمته التدريسية دور أخر "أني أحبب الولاد في اللي بيدرسوه".

مدرسة الضبعة

أجرت وزارة التربية والتعليم، مقابلات شخصية للمعلمين الذين تقدموا للتدريس بمدرسة الضبعة النووية، ثم خضعوا لتدريب طيلة ستة أسابيع في هيئة الطاقة الذرية حسب قول محمد رمزي، معلم ميكانيكا عملي، الذي استخلص منه أهمية ذلك المجال لمصر والصورة الذهنية المغلوطة لدى البعض "للأسف لما بنتكلم عن الطاقة النووية الناس بتتخيل إننا هنفجر البلد".

لا تفارق سنوات التدريس الماضية أذهان المعلمين، فمع كل درس يشرحونه لطلاب مدرسة الضبعة، يتذكرون ما كان: "غالبية الطلبة في مدرسة الإسكندرية كان عندهم شغل بعد الظهر، وعايزين بس ياخدوا الدبلوم" يقول مصطفى حسن، مشيرًا إلى الاختلاف بين طلابه القدامى والجدد.

يتفق محمد رمزي معلم الميكانيكا العملية بالمدرسة، مع رؤية حسن، مشيرًا إلى أن طلاب الضبعة يدرسون ما يدرسه 3 أقسام في المدارس الفنية الأخرى، فمناهجهم تجمع تخصصات: الميكانيكا، الكهرباء، والإلكترونيات، المدمج فيها تطبيقات الطاقة النووية.

9

في الثانية ظهرًا ينتهي اليوم الدراسي، بعدها يتجه الطلاب إلى المطعم مرة ثانية لتناول وجبة الغداء، ثم يحصلون على فترة راحة حتى السادسة مساءً، ليحين موعد المذاكرة من السادسة وحتى الثامنة.

لا مكان في مدرسة الضبعة للدروس الخصوصية، فالمعلمين متواجدين مع الطلاب طوال اليوم: "المدرسين ساكنين معانا في نفس الدور وبيكونوا معانا في وقت المذاكرة" يقول جورج صبحي.

ورغم عمل رمزي لمدة 23 سنة بمدرسة رأس السوداء الثانوية الصناعية بالإسكندرية، إلا أنه لم يستنفذ إمكانياته بعد: "لكن ماكنتش لاقي اللي يساعدني"، ففي المدرسة الجديدة وجد فرصته لمتابعة طلابه: "بشرحلهم الدرس الصبح ولما أسألهم في فترة المذاكرة بالليل بيكونوا لسة فاكرين".

مدرسة الضبعة

تواجد الطلاب في مدرسة داخلية لم يعزلهم عن محيطهم، فيتابع جورج ما يُكتب عن مدرسته عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ويرى اختلاف الآراء، فما بين معارضين يهدمون المشروع، هناك من يراه فاتحة خير للبلاد، وسيوفر لها كمية هائلة من الطاقة، ورغم الإحباط يكمل جورج دراسته بشغف:" وجودي في المدرسة أكد لي إن قراري كان سليم، رغم ترددي في البداية".

يحاول المعلمون دمج الطلاب بالحياة الجديدة، منتهزين فرصة تواجدهم في القاهرة، فينظمون لهم الرحلات ترفيهية لعدد من المعالم: "الجمعة اللي فاتت زرنا الأهرامات قبل كدا، ومستنى أروح المتحف المصري" يقول عبد الرحمن أيمن الطالب بالمدرسة.

مدرسة الضبعة

وجد عبد الرحمن أيمن ضالته في مدرسة الضبعة النووية، فقد كان يحلم بالتخصص في مجال الطاقة أو الفضاء منذ صغره، وبمجرد معرفته بفتح باب التقدم لمدرسة الضبعة لم يتردد هو الأخر في ترك مدرسة المتفوقين بعين شمس ليلتحق بها.

يرفض عبد الرحمن النظرة المجتمعية السلبية للتعليم الفني، يتمنى أن تهتم مصر بهذا النوع من التعليم شأن الدول المتقدمة التي جعلت له أولوية، فيما يأمل حسن، معلم الإلكترونيات أن تلتفت الدولة لمعلمي التعليم الفني: "المفروض ياخد مرتب مضاعف لمعلم التعليم العام لأنه بيدرس مواد عملي ونظري".

ترك حسن زوجته وطفليه بالإسكندرية ليسعى وراء رغبة التدريس في مدرسة الضبعة النووية في القاهرة، ومن بعدها مطروح: "هما وعدونا ببدلات ممكن توصل لـ600%، المعلم هنا بيشتغل لأجل العلم بس ومالهوش مصدر دخل تاني".

12

أوشك الفصل الدراسي الأول على الانتهاء، يعكف معلمو الضبعة على مهمتهم تجاه الطلاب. "أعظم أمنية بتمنى أقابل ربنا بيها إني أشوف المفاعل شغال على إيد ولادنا" يحلم حسن بذلك اليوم حال زملائه.

في المقابل يتوق محمود للانتقال إلى مقر مدرسته في محافظة مطروح، في الفصل الدراسي الثاني، ويضع عبد الرحمن نظرة والديه نصب عينيه وقت أن غادرهم، يحملها معه كل صباح له داخل مدرسته، يجعلها حافزه للتمسك بحلمه بأن يصبح أحد مهندسي المفاعل النووي، وصولا لرغبته الكبرى "عايز أبقى عالم في مجال الطاقة النووية السلمية".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان