نزيف الأسفلت "عرض مستمر".. اتهامات للعنصر البشري و"القوانين على الورق"
كتبت - عبير القاضي و محمود أمين:
حوادث الطرق باتت تتكرر بشكل يومي، ويُزهق فيها أرواح بريئة لا ذنب لها، وبالرغم من انتشار الحملات التي تنادي بضبط الطريق وتفعيل قانون المرور بكل حزم، ومنع سير سيارات النقل – المتسبب الأول في حوادث الطرق- لم يلمس المواطن استجابة ملموسة علي أرض الواقع من جانب الدولة للوقوف دون وقوع المزيد من الضحايا، حيث حصلت مصر على المركز 16 عربيا و 109 عالميا في حوادث الطرق، وذكرت احصائية الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء أمس الاثنين، أن نسب الوفيات خلال عام 2015 تجاوزت الـ 25 ألف مواطن، 27% أسبابهم حوادث النقل بشكل خاص.
مأساه أم
بصوت يملئه الحزن والشجن، قالت رباب المليجي، التي فقدت ابنتها في حادث مأساوي منذ أيام، "بنتي راحت بسبب سواق نقل فرمني ع الدائري وسواق تريلا راكن بعرض الطريق ولولا ستر ربنا كان يبقى فيه ١٠ عربيات وارواح كتير في نفس الحادثة، انا صابرة ومحتسبة بنتي ولا ازكيها على الله".
وقالت المليجي، عبر حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "عمري ما حشيلك من الصورة ولا من قلبي يا روح قلبي الوجع نساني اني عندي ملاك تاني عايش وحيخف ويبقى زي الفل حنقوم يا هيا ونجيب حق اختك سوا عمرنا ما حننساها يا قلبي حكمل عشان خاطرك وخاطر اخوكي وعشان خاطر كل الاولاد اللي زيكوا وعشان خاطر كل الأمهات اللي زيي ربنا حيقف معانا عشان انتوا مالكوش ذنب ولا اي حد تاني لة ذنب يتأذي عشان ناس ميستهلوش يعيشوا وسطنا والله العظيم حتتغير القوانين عشان خاطرك يا احلى وردة".
ولم تكن رباب المليجي أول أو آخر المتضررين من حوادث سير النقل، التي يتسبب فيها رعونة وتهور السائقين، وبعض الطرق غير المؤهلة لسير سيارات النقل الثقيل.
وعبر المسؤولون عن رفضهم لتلك الحوادث، مجمعين أن تلك الحوادث ناتجة عن سلوك فردي.
أسباب حوادث الطرق
ومن جانبه قال اللواء عادل ترك، رئيس هيئة الطرق والكباري، إن حوادث الطرق كثيرة ويبلغ اجمالي حوادث سيارات النقل بقيم لا تتجاوز ثلث تلك الحوادث، مشيراً إلى أن السلوك البشرى هو السبب الرئيسي في الحوادث.
وقال ترك، في تصريح خاص لمصراوي، إن الهيئة تسير على أكثر من محور للحد من معدلات حوادث الطرق، ومنها التوسع في الطرق المزدوجة والفردية، مثل طريق قنا /سفاجا، وفصل سيارات النقل والشاحنات عن الطرق الرئيسية بفصلها في حارات خاصة، كطريق القاهرة / الاسكندرية، والقاهرة / السويس، مؤكداً أن الهيئة تبذل قصارى جهدها لرفع مستويات الأمن والسلامة على كافة الطرق، وإعادة تقييم الدورانات والمنحنيات الخطرة، نظراً للكثافة المرورية التي تشهدها جميع شوارع مصر.
وأضاف رئيس هيئة الطرق والكباري، أنه يتم إلغاء كافة المطبات العشوائية التي ينشئها الأهالي للحد ايضاً من حوادث الطرق، كما أن الهيئة تسعى لإنارة جميع المحاور الاساسية ودهان الارضيات ووضع العلامات الارشادية جانبي الطريق، مؤكداً أنه لا يجب تحميل الطريق نسب الحوادث التي تحدث في الفترة الاخيرة، لان العنصر البشري المتسبب الاول في تلك الكوارث، ويأتي في المرتبة الثانية خلل المركبة، والمركز الثالث والرابع الطرق والحالة الجوية.
وتابع ترك، :" إن رعونة السائقين واحساسهم بثقتهم بمركبتهم وعدم الالتزام بالقواعد المرورية هي الاسباب الاولى لحوادث الطرق، ويجب الوقوف عليها، واتخاذ كافة الاجراءات الممكنة للحد من استهتار واهمال السائقين بالقواعد الاساسية للمرور، مشيراً إلى أن هيئة الطرق تقوم بحملات توعية مكثفة للمواطنين، على الطرق من خلال الارشادات الموجودة جانبي الطريق، وذلك ترجع وفقاً لتقارير ودراسات علمية".
وأكد رئيس هيئة الطرق، أن على المجتمع ككل ادراك كافة المخاطر التي يتسبب فيها السائقين، وكل فرد في المجتمع مسؤول عن الحد من تلك الكوارث البشرية، كما أن لوسائل الاعلام المختلفة سواء مرئية أو مسموعة أو مقرؤه أن تنشر الوعى المجتمعي لبناء جيل جديد يقدر ويتحمل المسؤولية كاملة".
الفساد الاخلاقي
وفي ذات السياق، قال عماد عبد العظيم، خبير الطرق والكباري، إن على الجميع إدراك أن السبب الرئيسي في حوادث الطرق، هو العامل البشري، حيث يمثل 65% الحوادث بشكل عام، و 25% خلل المركبة، و5% الطرق سواء الحفر او المنحنيات الافقية او الرأسية غير المدروسة، و 5% اسباب اخري، ، مشيراً إلى أنه لا يعفي الطرق، فالطرق بها مشاكل جسيمه ولابد من إجراء صيانة دورية لها حتى لا تكون سبب اخر يضاف لمعدلات الحوادث.
وأضاف عبد العظيم، في تصريح خاص لمصراوي، أن تناول السائقين المخدرات والكحوليات من أخطر اسباب حوادث الطرق، لافتاً إلى أن الفساد الاخلاقي والتهور والعشوائية هي أسباب وصول مصر للمركز الـ 16 عربياً في حوادث الطرق، مطالباً المواطنين بوضع قوانين صارمة للسائقين، والكشف عليهم قبل اعطائهم رخص القيادة، للحد من حوادث الطرق.
وأكد خبير الطرق والكباري، أنه لابد من اعطاء سائقي النقل دورات تدريبية في فن القيادة، موضحاً أن الادارة العامة للمرور لديها سيارات إغاثة فورية، ولكنها بعيدة تماماً عن الطرق، واعدادها قليلة مقارنة بالكثافة المرورية التي تشهدها الطرق والمحاور، ولكن لابد ايضاً ان نحمل الدولة اعباء فوق اعبائها" احنا كشعب لازم نحافظ على بلدنا ونحافظ على الارشادات المروية ونقوم بتحسين السلوك الفردي لكل لمواطن".
دعوات تقنين النقل "جهل"
وأشار الدكتور أحمد إبراهيم، المستشار الاعلامي السابق لوزارة النقل، إلى أن أغلب الحوادث التي تحدث في مصر في الفترة الاخيرة، اسبابها هو سلوك العنصر البشري، لافتاً إلى أن حوادث النقل اقل كثيراً من سيارات النقل والاجرة الصغيرة.
وأضاف إبراهيم، في تصريح خاص لمصراوي، إن دعوات تقنين أوقات سير النقل والشاحنات الثقيلة "كلام فاضي وجهل"، مشيراً إلى أن 90% من تلك السيارات تقوم بنقل البضائع والسلع التموينية، والمطالبات بتقنينا سيزيد من ارتفاع الاسعار بشكل عام، وستكون هناك نجرة كبيرة في كافة السلع نظراً لقلة وصولها لمنافذ بيعها، ولا يوجد بديل عنها.
وتابع المستشار الاعلامي السابق لوزارة النقل، أن نسب حوادث الطرق في مصر ستزيد وذلك لان الدولة ليس لديها نية للحد من تلك الحوادث، وتقنين اوضاعها، وكل ما تتخذه الحكومة من إجراءات ما هي إلا اجراءات شكلية لا تفيد ولا تنفذ على أرض الواقع، مؤكداً أن وزير النقل السابق اللواء سعد الجيوشي، كان لدية خطة محكمة للحد من تلك الحوادث، وهي إنشاء نقابات متخصصة لسائقي النقل، وعمل دورات تدريبية لهم، وإنشاء مراكز أمنية ايضاً لحمايتهم، كما أنه بدأ في نظام النقل الذكي وهو مراقبة الطرق بالكاميرات، ولكن هذا المشروع فشل بعد ترك الجيوشي الوزارة.
الدائري مفتوح 24 ساعة للنقل
وقال طارق قاسم، أحد سائقي سيارات النقل الثقيل، إنه سائقي النقل مظلومين، وليس لديهم أي حقوق، وأغلب الحوادث التي تقع على الطرق والمحاور، أسبابها هى السيارات الملاكي التي لا تراعي حجم "التريلات" وتقوم بالوقوف فجأة أمام النقل، لافتاً إلى أن "الناس معندهاش اخلاق والكل بينزل يشتم ويسب احنا فعلا تعبنا من الشغلانه ديه ومن اخلاق الناس".
وأضاف قاسم، في تصريح خاص لمصراوي، " إن السرعات المقررة للمقطورات والنقل لابد وأن لا تتجاوز الـ 70 كيلو متر في الساعة، والناس كلها ملتزمة لان هناك كاميرات مراقبة على كافة الطرق، وهناك انتشار كبير للمرور في كافة انحاء الجمهورية"، "بس انا بصراحة ممكن اجيب سرعة 100 كيلوا بالليل علشان الطريق فاضي ومافيهوش حد".
وتابع :" المرور مانع تماماً سير النقل والمقطورات في وسط البلد طوال ساعات النهار، ومسموح فقط السير بعد الساعة العاشرة مساءاً، ومن يخالف ذلك يقوم بدفع غرامة 1500 جنيه، ويتم سحب الرخصة، ولكن على الدائري والمحاور الرئيسية لم تحدد لنا أي ساعات مفتوحة على البحري 24 ساعة"، موضحاً أن أغلب سائقي النقل لا يتعاطون المخدرات ولا الكحوليات، لان هناك لجان مرورية دورية تقوم بعمل تحاليل فورية للتأكد من عدم تناول اى نوع من المخدر، ومن يخالف تسحب رخصة قيادته ويحول للنيابة العامة.
30 مليار جنيه خسائر الحوادث
ومن جانبه، قال الدكتور حسام عبد الجواد، أستاذ مساعد في هندسة الطرق والمطارات بجامعة القاهرة، إن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أصدرت بيانًا يؤكد أن حوادث الطرق في عام 2015 كلف الدولة 30 مليار جنيه، مضيفًا :" كل 85 دقيقة واحد بيموت في مصر من حوادث الطرق".
وأضاف عبد الجواد، في تصريحات تليفزيونية، أن العنصر البشري عامل أساسي من اسباب حوادث الطرق سواء السائق أو عابر الطريق، وتمثل حوالي 60% من الحوادث، و40% يتمثل في جودة المركبة ومدى صلاحية الطرق للاستخدام ومدى مطابقتها لوصفات الطرق العالمية.
الداخلية لا تفرق بين رجل وامرأة
وفي ذات السياق، قال اللواء علاء الدجوي، مدير الادارة العامة لمرور القاهرة، إن معظم الحوادث التي تقع في القاهرة الكبرى سببها الخطأ البشري، ولكنها ليست بالكثيرة، بسبب الازدحام المروري المستمر في كافة الانحاء، مشيراً إلى أن قوات الأمن دائماً تتصدى لأى مخالفات برصدها سواء عبر اللجان المنتشرة على الطرق، او عن طريق كاميرات المراقبة والرادارات.
وأضاف الدجوي، في تصريح خاص لمصراوي، أنه لا يوجد أي أرقام هاتفية للإبلاغ عن مخالفات السائقين الذين لا يلتزمه بالقواعد المرورية، قائلا :" ماينفعش المواطن العادي يبلغ علشان لازم رجال الشرطة يحرروا المخالفة بالمشاهدة العينية وليس عن طريق فاعل خير، لأنها أمانة ونحاسب عليها".
وتابع مدير الإدارة العامة للمرور، " أن الوزارة قامت بتحديد عدد ساعات عمل وسير سيارات النقل داخل شوارع القاهرة الكبرى، وهى أن يسمح بسيرهم بعد الساعة الثانية عشر صباحاً، وحتى الساعة السادسة صباحاً"، مشيراً إلى أن رجال المرور يقومون بإجراء تحاليل مخدرات لجميع السائقين، "ولا نفرق بين امرأة أو رجل"، ونسب تعاطي المواد المخدرة والكحوليات قليلة جداً "بيطلع من كل 10 سائقين 2 بس وبيتم التعامل معهم وتحويلهم للنيابة العامة"، والتي تصل العقوبة للحبس من شهر لـ سنه حسب حكم القضاء.
ولفت الدجوي، " أنا بحمد ربنا على الزحمة الموجودة في شوارع القاهرة، علشان تحد شوية من الحوادث المرورية التي تحدث بشكل يومي على الطرق".
قانون المرور لا يطبق على الجميع
ومن جانبه قال النائب عماد محروس، وكيل لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، أن مصر تتصدر المركز الأول علي مستوي العالم بـ 16000 قتيل و75000 مصاب سنويا .
وتابع نائب النقل، في تصريحات خاصة لمصراوي، أن المشروع القومي للطرق تكلف المليارات، ويجب علي الدولة توفير عنصر الأمان علي الطريق بعد رصد هذه المبالغ الكبيرة لإنشاء الطرق من رعاية طبية وخدمات أمنية علي الطريق، مضيفاً، أن حل ظاهرة حوادث الطرق تكمن في تطبيق واقتباس تجارب ناجحة من الخارج، وتفعيل نظام المراقبة إليكترونيات بتفعيل الرادارات لرصد مخالفات السرعات علي الطريق.
وأشار وكيل النقل بالنواب، إلى أن قانون المرور لا يطبق علي جميع فئات الشعب ويتم التصنيف بالواسطة، ويجب أولًا تفعيل القانون علي الكبير قبل الصغير، مؤكداً أن سيارات النقل الثقيل تتسبب في نسبة كبيرة من حوادث الطرق، لتجاوز سائقيها تعليمات المرور، دون محاسبة، بسبب معرفة السائقين بالكمائن الثابتة ومن الصعب ضبطهم بتهمة غير مثبتة.
وقال عماد، يجب تكاتف الوزارات المعنية لتفعيل الدور الرقابي والتوعوي، لافتاً إلى أن علينا أن ننظر جيداً لوسائل التوعية علي الطريق من خلال الاعلام وتقديم برامج توعية بأهمية الالتزام بقواعد المرور، وأن تقوم وزارة التخطيط بتقدم موازنة للمساعدات الفنية علي الطرق.
واكد عماد أن 20% من وفيات حوادث الطرق ناتجة عن تأخر الاسعافات الأولية، ويجب تفعيل نقاط إسعافية علي الطريق.
فيديو قد يعجبك: