قصة الحاج "فليبي".. عميل بريطاني تظاهر بالإسلام وخطب في الحرم المكي

كتب- عبدالله قدري:

قد يتطلب الأمر لإخضاع منطقة بحجم الشرق الأوسط وتوزيع تركتها الموروثة من الدولة العثمانية المتهاوية إلى الدخول في حرب كونية بين القوى العظمى، لكن الحرب ليست كل شيء، فالأمر- أيضًا- يتطلب جون فليبي.

مائة عام مرت على عقد الاتفاق الشهير بين البريطاني مارك سايكس، والفرنسي جورج بيكو، والذي بموجبه تم اقتسام أراضي الدولة العثمانية بين فرنسا وإنجلترا عام 1916. وبحكم أن الإمبراطورية البريطانية كانت هي القوة التي تدير الشرق الأوسط - آنذاك - فإنها ما انفكت تحشد رجالها الأفذاذ العملاء للمخابرات البريطانية، لتنفيذ سياستها التوسعية في الشرق الأوسط، فكما كان هناك لورانس العرب، كان أيضًا جون فليبي.

هو شخصية أجمع المحللون أنها بالغة التعقيد. رحالة بريطاني، ومستعرب، ومستكشف، يحيد التعامل بمهارة مع العرب بفضل لغته العربية الفصيحة، وذكاءه اللامع، وتمثيله الفذ، الذي أهله أن يكون مستشارًا لـ"رجل الأقدار" في الشرق الأوسط عبدالعزيز آل سعود، كما وصفه في مراسلاته إلى المخابرات البريطانية.

لم تبد بريطانيا أي دعمًا لعبدالعزيز آل سعود في باديء الأمر، إذ كانت تدعم الشريف حسين بن علي الهاشمي قائد الثورة العربية ضد الأتراك، مقابل تنصيبه ملكًا على الجزيرة العربية، وبعثت بالضابط البريطاني الشهير بـ"لورانس العرب"، الذي تظاهر بمناصرة الهاشميين، في المقابل، كان أيضًا جون فليبي يحاول إقناع بريطانيا بأن عبدالعزيز آل سعود هو الرجل القوي في الجزيرة العربية وليس الشريف حسين، رفضت بريطانيا وجهة نظر فليبي في باديء الأمر، إلا انها اقتعنت بعد ذلك بوجهة نظره ودعمت آل سعود ضد الهاشميين، واعترفت بعبدالعزيز آل سعود ملكًا رسميًا على نجد وملحاقتها، وعينت جون فليبي مستشارًا ماليًا للملك عبدالعزيز آل سعود.

أدى جون فليبي دوره عن جدارة، فتظاهر بالإسلام سنة 1930، وأطلق لحيته، وسمى نفسه الحاج عبدالله فليبي، وأدى مناسك الحج في الحرم لمكي، وقام خطيبًا في المسجد الحرام يوم جمعة، وتحدث عن شمائل وفضل آل سعود على الهاشميين وابن رشيد حاكم حائل.

بذل فليبي جهده في مناصرة عبدالعزيز آل سعود ضد ابن رشيد حاكم حائل الموال للأتراك، والذي كان يعيق المصالح البريطانية في الجزيرة العربية، ونال ثقة ابن سعود، خاصة بعد إظهار إسلامه، ودائمًا ما كان يحضر مجالس الملك العائلية مع أودلاه.

قيل أنه لم يكن ملتزمًا بالخمر عندما يكون بالخارج، وقيل أيضًا أن دوافع تظاهرة بالإسلام هو نيل ثقة ملك السعودية، والتنقل بسهولة كأي مسلم في شبه الجزيرة، الخلاصة أن فليبي كان من المقريبن لابن سعود، وهو ما كان سببًا في حالة الجفاء بينه وبين بريطانيا التي اتهمته بالعمالة لحساب آل سعود، فتم فصله من المخابرات البريطانية.

قبل الحرب العالمية الثانية، كان فليبي معارضًا لموقف بريطانيا في الحرب، وقاد حملات دعائية في بريطانيا بسبب موقفها المناهض لهتلر، تم القبض عليه ووضع تحت الإقامة الجبرية، إلا أن زملائه القدامى تدخلوا وتم الإفراج عنه وعاد إلى السعودية بعد انتهاء الحرب وعمره 60 عامًا.

له عديد من المؤلفات، أبرزها: حاج في الجزيرة العربية، تحدث فيه عن المدن التي تقام فيها شعائر الحج، منى – مكة – المدينة المنورة وغيرهم، وتحدث عن المدينة المنورة في كتابه وقال عنها :"بقدر ما كنت قد قرأت عن مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإني أقر أني لم أكن مهيئًا أبدًا لا لسحرها ولا لمعناها".

كما كان له مؤلفات، قلب السعودية، أيام عربية.. توفي في 30 سبتمبر 1960 ودفن في بيروت.

يقول عنه يقول عامل برقيات في بورتسودان في نص مؤرشف على شبكة الإنترنت هنا "هو رجل يعرف عن السعودية اكثر من اي انسان على قيد الحياة. وهو بمثابة الساعد الايمن لابن سعود ملك الحجاز. ولا توجد لهجة في السعودية لا يتحدثها مثله مثل اي عربي من مواليد البلد، وقد اعتنق الاسلام مؤخرًا".