النقابات المستقلة بين التهميش "الُمتعمد" والدفاع عن حقوق العمال
كتبت - نورا ممدوح :
"غير معترف بهم، مهمشين، كيانات غير شرعية" .. مصطلحات وُصفت بها النقابات المستقلة في مصر من قبل الجهات الحكومية، التي ترى أن الممثل الوحيد والشرعي للعمال هو الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وهو ما أثر على ممارستهم لعملهم النقابي رغم تصديهم للعديد من مشكلات العمال.
ويعد إضراب عمال لفافي التبغ عن العمل في عام 1899 أول إضراب ينتج عنه إنشاء نقابة تدافع عن العمال وحقوقهم، واعتبر هذا الإضراب ميلاد للحركة النقابية في مصر و أسفر عن تنظيم مفاوضة بين العمال وأصحاب الأعمال، وهو ما طرح فكرة إنشاء نقابة عمالية للتحدث باسم العمال، وصدر أول قانون للنقابات العمالية في مصر رقم 85 لسنة 1942 .
يقول الخبير العمالي صلاح الأنصاري، إن النقابات المستقلة خاضت العديد من المعارك للدفاع عن حقوق النقابات، من أبرزها اعتصام نقابة الضرائب العقارية عام 2009 في عهد عائشة عبد الهادي وزيرة القوى العاملة في حكومة الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتمكنت من انتزاع حقها في التنظيم، وتلاها الإداريين في التعليم وأصحاب المعاشات واقيم أول اتحاد مستقل 30 يناير 2011 .
وانتقد الأنصاري، ما وصفه بـ" تقييد الحريات" بعد ثورتين، ورغم أصدار الدكتور أحمد البرعي لقانون الحريات النقابية في مارس 2011، إلا أنه ظل حبيس الأدراج ويتم مناقشة مسودة قانون الآن في البرلمان، وهي مسودة تقيد فكرة الحق في التنظيم، وتضع شروط "مكبلة" لإقامة أي نقابة، وتميز بينهم وبين الاتحاد الحكومي، وتسمح للوزير بالتدخل الإداري في الإنتخابات.
ومن أبرز المعارك التي خاضتها النقابات المستقلة، هو الاعتراض على قانون الخدمة المدنية، والاحتجاجات التي نظمها النقابيون لمواجهة القانون وكان أبرزها "المليونية" الي تم تنظيمها في حديقة الفسطاط، والتظاهرة التي كانت على سلالم نقابة الصحفيين وضمت المئات من الموظفين، وتم رفض القانون في مجلس النواب وإدخال بعض التعديلات عليه وهو ما اعتبره النقابيون انتصار لهم.
واستشهد الخبير العمالي، بأن هناك صراع بين الحكومة والنقابات المستقلة بصدور الكتاب الدوري من مجلس الوزراء الذي جاء فيه توجيه بقيام الوزارات المعنية بالتنسيق مع الاتحاد العام لعمال مصر، لمساندته في تحقيق مكاسب العمال المشروعة لمواجهة النقابات المستقلة، بالإضافة إلى الكتاب الدوري رقم 6 الصادر من مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية، بشأن إيقاف اعتماد النقابات المستقلة.
وأقر الكتاب الدوري بإيقاف اعتماد اختام النقابات المستقلة بكافة مسمياتها لاعتماد المهن ببطاقة الرقم القومي مع إيقاف العمل بكافة الكتب الدورية السابق إصدارها في هذا الشأن، فيما يخص اعتماد المهن ببطاقات الرقم القومي للحيلولة دون استخراج محررات رسمية.
ووقعت مصر على اتفاقيتين رقم 87 و98 للحريات النقابية والمفاوضة الجماعية، وتم التصديق عليهم عام 1957 في ظل حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتأكد اقرارهما على كل دول منظمة العمل الدولية في 1889.
ويري عدد من النقابيين أنه تم تهميش بشكل "مُتعمد" النقابات المستقلة في مناقشات قانون الحريات النقابية والعمل، وعدم دعوتهم في الحوارات المجتمعية التي تم إجرائها على القانون قبل إرساله من قبل وزير القوى العاملة محمد سعفان، إلى مجلس الوزراء لمناقشتها، تمهيداً لطرحها على مجلس النواب.
ويقول أحمد البرعي، وزير العمل الأسبق، إن النقابات المستقلة لم يكن مرغوب فيها من قبل الحكومات، إلا أن الأوضاع تغيرت بعد شن حملة للقضاء على تواجدها و استطاعت النقابات تتخطى هذه المحنة، ويضيف البرعي أن قانون التنظيمات النقابية الذي تقدم به وزير القوى العاملة محمد سعفان عليه ملاحظات كثيرة أرسلتها منظمة العمل الدولية وهو ما قد يؤدي إلى وضع مصر على القائمة السوداء مرة أخرى في حالة صدور القانون بهذا الشكل بما كان يحمله القانون رقم 35 من مشاكل.
ويؤكد البرعي أن مصر لم تخرج من القائمة السوداء بسهولة ولا يوجد ما يدعو لعودتها مرة أخرى، ويضيف "عايزين نجلب الاستثمار ونشجع المستثمرين وهو ما يحتاج أن يكون هناك مناخ عملي مستقر بعيدا عن المشكلات".
ويذكر وزير العمل الأسبق، أنه كان هناك تعددية نقابية قبل ثورة 52 حتى جاء مجلس الثورة عام 57 وتم النظر في وضع النقابات في مصر الذي جعلها مرتبطة بالحكومة ولم يكن معترف إلا بالاتحاد أو النقابة الواحدة وأصبحت جزء من الحكومة، ويضيف "سبب العداوة بين الحكومات والنقابات المستقلة أن الحكومة مش متعودة على وجودها وان يكون لها قرار مستقل بعيدا عنها ولابد من إعادة النظر في ذلك واحترام الاتفاقيات الدولية".
وحول مستقبل الحركة النقابية في مصر، يقول "اتمنى أن يكون أفضل وعلى الحكومة أن تتفهم أن وسيلة العمال لتحقيق مطالبهم إما المفاوضة الجماعية أو الخروج للشارع فعندما يتم منعهم من حقهم في المفاوضة لا يصبح أمامهم سبيل الا الشارع "، ويضيف البرعي أن الحكومة عليها الاختيار بين ذلك حيث أن الاعتراف بحق النقابات هو السبيل لضمان هدوء الشارع المصري.
فيديو قد يعجبك: