إعلان

يوم "نحس" يتكرر كل 23 عامًا.. الليلة الأولى لسكان "عقار فيصل" خارجه

12:21 م الأحد 01 نوفمبر 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

معايشة - محمود سليم وعبدالله قدري:

تصوير- علياء عزت:

انتصف الليل وسكن الناس، كأنه هدوء ما بعد العاصفة، تنصت أذنيك إلى ما يدور حولك فلا تسمع إلا همسًا، خشعت الأصوات، وغُلِقت البيوت، وأقفلت المحال ولم يعد سواهم، افترشوا الأرض وجلسوا شاخصة أبصارهم، أرهقتهم مصاعب يوم "نحس" مستمرة أوجاعه كما وصفوه.

وجوههم تبدو شاحبة، أعينهم منكسرة مما أصابهم من هول السقوط، كأنه زلزال، هو أشبه بذلك اليوم المشؤوم منذ 23 عامًا الذي خرج فيه المصريون عرايا يُساقون إلى المجهول، خلال الزلزال الذي ضرب مصر عام 1992، ما أشبه الليلة بالبارحة.

شارع أبو عبيدة ابن الجراح الذي احتضن عقار فيصل المُنهار بالأمس، وقفت عماراته شاهدة على أطلال بيتًا كان هنا منذ وقت قريب، إلى أن ابتلعه حفرة بجانبه من المقرر لها أن تخرج برجًا سكنيًا جديدًا ربما يضيف إلى الأزمة واحدة أخرى.

شتاء ينذر عن قدومه بنفحات برد تصيب محمد، الطفل ذو الـ 12 عامًا، الذي انهار العقار الذي يسكن فيه بمنطقة فيصل، واضطر للاحتماء بمسجد غنيم القريب من منزله كغيرة من ساكني العقار المُنهار، والعقارات المجاورة التي أمرت المحافظة بإخلائها.

البرد يهز أطراف "تيشيرت" محمد "الخفيف"، وهو يحكي ما قصة يوم قد يرويها لأحفادة ذات مرة على أنها أصعب ما يمكن أن يواجهه إنسان.. "كتبي ولبسي وهدومي هناك، الحفرة اللي جنب البيت بلعته وحاجاتنا كلها متساوية بالأرض، كأنها لم تكن يومًا".

Captureimage 7

قائمة طويلة من الأشياء أسبقها الصغير بكلمة "مافيش".. "مافيش فلوس، مافيش كتب، مافيش هدوم، مافيش أي حاجة.. أنا مش عارف هعمل أيه بكرة".

حكاية أخرى يسردها الطفل عن معاناة والده الحاج رضا، "والدي مدير مدرسة في الهرم، كان بيورد فلوس تخص المدرسة تصل لـ 160 ألف جنيه، وورق وعقود تبع الحكومة.. كل ده غرق في الحفرة لما البيت وقع".

داخل مسجد غنيم ينام المُضارين، رجالًا في ساحة المسجد، ونساءً في مصلي السيدات، يومًا طويلًا بدأ بانهيار العقار الذي كاد أن يحطم رؤوسهم، ونيابة تحقق في ملابسات الحادث، إلى أن استسلم الجميع للنوم، إلا عيون مرهقة تجلس على الباب، يتبادل الحاج محمد وجاره ياسر أطراف الحديث، بينما تجلس زوجة الأخير على الأرض تضع يدها تحت رأسها كما لو كانت تُنقذها من سقوط محتمل.

image 8image 9

مصراوي احترم خصوصية سكان العقار، واكتفى بتصوير المراتب التي ينامون عليها، حيث إن الوقت المتأخر حال دون الحصول على إذن منهم لتصويرهم.

يجلس الحاج محمد أمام باب المسجد، مرتديًا جلبابة، وهو أحد سكان العقارات الثلاثة المجاورة للعقار المُنهار، والتي أمر حي الهرم بإخلائها؛ يحكي بداية الحادث "صاحب قطعة الأرض المجاورة للبيت عايز يطلع ببرج، وبالتالي حفر جنب البيت عشان يرمي الأساسات وعمل أعمدة عشان تسند البيوت بس ما عملهاش بشكل كويس".

تغيرت ملامح وجهة وازدادت رخامة صوته "الساعة 10 الصبح بدأ البيت يميل في اتجاه الحفرة والسكان بداخله، الناس ابتدت تجري وتنزل من البيت زي ما هي بالهدوم اللي عليها، 4 أسر اللي لحق يجيب معاه بطاقته جابها غير كده كله نزل جري".

"المحافظ جه والمطافئ والإسعاف، وحي الهرم والشؤون الاجتماعية" وأضاف في نبره تعلن هزلية الموقف "صرفوا لكل فرد 100 جنيه، والشؤون الاجتماعية هيعملوا بحث لكل حالة النهاردة (بعد منتصف الليل أي 1 نوفمبر).

طالب محمد الحكومة بقرار سريع وحاسم "الناس نزلت باللي عليها.. ربنا يعينا، عايزين شقة تعويض لكل أسرة"، مشيرًا إلى رفض الأهالي الانتقال إلى خيم بالعجوزة، مُفضلين المبيت بالمسجد "مدارس العيال وشغلنا هنا.. أيه اللي يودينا العجوزة".

 

اقتصر دور الحكومة على فتح المسجد للأهالي، لم يشغلهم كيف يقضون ليلتهم في البرد، ولكن جمعية رسالة الأهلية الخيرية، صرفت "مرتبة وبطانية" لكل فرد من المتضررين".. ينهي الحاج محمد حديثه "أنا نزل الشغل بكره عادي أنا شغال سواق على باب الله وأحنا أخر الشهر هأكل عيالي منين دة رزق يوم بيوم؟".

image 10 image 11

جلست السيدة الأربعينية، زوجة الحاج ياسر، على عتبة جمعية مسجد غنيم، وقد أصابها ما أصاب أهلها وجيرانها، يبدو عليها أثر التعب، بيتها آيل للسقوط هو الأخر، لم تستطع إحضار أي شيء معها، يردد لسانها عبارات الحسرة على بيتها.

حادث يذكرها بيوم غابر مر عليه 23 عامًا، عندما وقع زلزال 1992 في مصر، "انهيار العمارة كان زي الزلزال بالظبط، ناس خرجت مش لابسة وناس تانية نص كم، من غير فلوس، تركنا كل ما نملك، العفش والفلوس ولبس الأطفال، استلفنا ملابس من جيراننا، وقعدنا في المسجد زي ماحنا، لحد دلوقتي لا فطرنا ولا اتغدينا ولا اتعشنيا".

هول الموقف يجعل لسانها يردد الكلمات سريعًا، تتسائل "هنجيب منين؟ أبني بيروح المدرسة هعمل معاه أيه؟ أودية المدرسة إزاي؟، لا كُتب ولا حاجة وجايلنا قرار إخلاء ممنوع نروح البيت".

يبدو أن قسوة الحياة علمتها الأمل، تقول "هفضل على الوضع ده كده لحد ما نشوف هيعملوا معانا أيه، وأقدر اشتري لبس لأبني وأبدأ معاه من جديد.. لكن متى لا أعرف.. فقط "حسبي الله ونعم الوكيل".

الثانويه العامه وأخبار التعليم

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان