''محمود''.. ضحية ''صورة الرئيس'': ''عايز حقي''
كتبت - إشراق أحمد:
ما بين مرور المارة والسيارات أمام مبنى دار القضاء العالي بوسط القاهرة، ظلت الأخت الصغرى ترفع لافتة، بينما ظل الأب بملابس صعيدية بسيطة، يوزع أوراق مطبوعة بها مزيد من التفاصيل لمن يقف قارئًا كلمات تلك اللافتة ''عايز حقي.. عايز أعيش فين الحكومة، فين الرئيس حق محمود راح بقشيش''.
تلك الكلمات التي كُتبت بخط يدوي بسيط هي لسان حال ''محمود محمد عبد الحافظ''، الذي جلس على كرسي متحرك يسنده ابن عمه، ومن حوله عائلته.
فلم يعد لدى ''محمود''، ابن الـ18 عامًا، وعائلته سوى الشارع لعل هناك من يهتم لهم بالفعل، وليس بالاستماع فقط كحال ما يقرب من 4 أشهر ما جد فيها سوى ما ذكرته اللافتة ''أبو محمود باع كل اللي معاه عشان محمود يمشي تاني على رجليه فاضل يبيع إيه تاني''.
وما كان ذلك سوى لسبب عبرت عنه أيضًا اللافتة ''وكله عشان صورة الرئيس محمد مرسي''، وأوضحته كلمات ''محمود الضحية'' كما وصفته عائلته.
''محمود'' الابن الكبير لعائلة جاءت من سوهاج إلى القاهرة منذ 8 سنوات، لتسكن بغرفة في منطقة المعصرة بحلوان؛ قدراتها المادية لم تمكنه من استكمال تعليمه ''خرجت من المدرسة من زمان وكنت بشتغل على توك توك''؛ فهو العائل الوحيد لعائلته المكونة من أب وأم وأخ وأخت صغيرين.
يوم 29 يناير 2013 الماضي، كان في طريقه مع والده لشراء بعض احتياجات ''التوك توك''؛ فوجد إحدى صور الرئيس ''محمد مرسي'' على الأرض ليحملها، ''فمحمود'' ووالده طالما دعموا الرئيس وانتخبه الأب، فما لبثا بطريقهم عند ميدان عبد المنعم رياض حتى وجدا ثلاثة أشخاص متشحين بالسواد، يرتدون الأقنعة باللون ذاته يطالبونه ''سيب الصورة'' مع وابل من السباب خاصة بعد رفضه.
''قلت لهم مش هسيبها دي حرية شخصية وإحنا في حرية من بعد الثورة، وكل واحد يقول رأيه''.. هكذا قال ''محمود'' مقررًا استكمال السير، لكن لم تكتمل خطواته، حتى قام أحدهم بسحبه للخلف ليقع ''محمود'' على وجهه، ومعها لم يشعر بقدميه بعد أن أطلق الشخص ذاته عيار ناري اخترق الصدر ليصيب العمود الفقري، ومع سرعة الحادث فقد الأب القدرة على استيعاب إنقاذ ابنه الذي فقد القدرة على الحركة؛ فلم يسعفه سوى ''موتوسيكل'' يقوده شباب انتقلوا به إلى مستشفى قصر الدوبارة.
ومن قصر الدوبارة إلى مستشفى المنيرة التي رفضت استقباله، على حد قول، ''محمود'' لعدم توافر الإمكانيات المناسبة لحالته، ثم إلى ''القصر العيني''؛ حيث استقر لأيام، خرج بعدها بشلل نصفي في قدميه جعله لا يتحرك إلا على ''كرسي'' يدفعه أحد الأهل، وأخيرًا إلى ''دار القضاء العالي'' بعد أن فاض الكيل '' تعبنا اللي حيلتنا صرفناه كله، ومفيش حد سأل فينا''.
''300 جنيه'' هي كل ما يتحصل عليه الأب ''محمد عبد الحافظ'' من الشئون الاجتماعية، لذلك اضطر لبيع نصيبه في منزل يمتلكه بسوهاج، وكذلك بيع '' التوك توك'' للإنفاق على علاج ''محمود''، بعد أن جاءت كل محاولات الحصول على قرار العلاج على نفقة الدولة دون استجابة، خاصة وأن تكلفة تركيب جهاز للقدم هي 2000 جنيه، بينما قال الأطباء أنه يحتاج لإجراء عملية تبلغ تكلفتها حوالي 25 ألف جنيه، حسبما قال والد ''محمود''.
حق علاج ''محمود'' لم يكن فقط الغائب عنه الاستجابة بل أيضًا الحق القانوني؛ حيث قال ''عملنا محضر في قسم قصر النيل تبع نيابة عابدين، لكن مفيش جديد ولا حاجة لغاية دلوقتي''؛ فكل ما يعرفه ''محمود'' عن من أطلق عليه الرصاص، وكما قِيل للأب أثناء عمل المحضر إنهم ''بلاك بلوك''.
وأوضح الوالد ''عملنا المحضر في 30 يناير، الضابط سألني شكلهم إيه يا حاج قلت ناس لابسين قناعات سوداء قالوا لنا دول البلاك بلوك''.
4 أشهر شعر فيها ''محمود'' بالضيق ليس فقط من العجز لكن لغلق الأبواب دون مجيب ''نفسي أتعالج، عملت كل حاجة محدش سأل''، وزاد من ذلك صدمته بالذهاب إلى مقر ''جماعة الإخوان المسلمين'' في المقطم، قائلاً: ''روحنا مكتب الإخوان قالوا لنا نعمل لكم إيه اطلعوا بره من هنا''.
''والله ما لقينا حد يسمعنا''.. قالها الأب الذي لا يختلف ضيقه عن الابن الجالس على كرسيه، والذي قال '' أنا مش مضايق، أنا حاسس إن دي مش بلدي، حرام أعيش فيها وما أخدش حقي، أشوف أي دولة تانية تاخدني، أي دولة فيها حد يحصله حاجة الدنيا تتقلب عليه وعندنا لأ''، على حد قوله .
فيديو قد يعجبك: