إعلان

هيكل: لم أذهب للتحرير لأنها ليست ثورتي

01:53 م الثلاثاء 14 فبراير 2012

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- أيمن شعبان:
واصل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ، سرد رؤيته للأحداث، ولواقع مصر بعد الثورة، كاشفا أنه لم  يذهب إلى ميدان التحرير قائلا:'' ولا مرة، لا دخلت إليه، ولا خرجت منه، فقد كان إ حساسي من أول لحظة أنها ثورة جيل آخر، وعصر آخر، وشباب آخر، ولابد أن يأخذ حقه كاملا في تصرفه دون مؤثرات!!''.

وأضاف هيكل في الحلقة الثانية من حواره مع جريدة الأخبار المنشور يوم الثلاثاء: نحن هنا في حاجة إلي توصيف عادل لأحوال الشباب المصري في هذه اللحظة، ذلك أن أي ثورة من أجل الحرية والعدل والتقدم لها حالة أولي طبيعية، بمعني أن طلب الحرية وهو أول المطالب يأخذ الحرية بطبائع الأمور إلي مداها، حتي بالتجاوز في حدودها، وهذا حال عرفته كل الشعوب التي دفعها تطورها التاريخي إلي الثورة، لأن أول خطوة في الثورة بالطبع هي كسر القيود، والقيود علي المجتمعات ليست سلاسل تنكسر فيها حلقة، فتصبح السلسلة كلها عديمة الفائدة..

القيود في المجتمعات أكثر من سلاسل، وحالة ''الأسير'' تختلف عن حالة ''الثائر''، فالأسير يكسر السلسلة ويجري، لكنه في حالة الثورة فإن الثائر يكسر السلسلة ويبقي لكي يصنع عالما جديدا يتصوره ويجاهد لتحقيقه، معني ذلك أن عملية تحرره أي ممارسة حريته تأخذه بعيدا إلي أوضاع اجتماعية قائمة، وإلي سلطات حاكمة، وإلي ترسانات قوانين تسري عليه، ولكنها علي غير ما يتمني ويطلب..

وعلي السطح فإن هذه الحالة من طلب الحرية وممارستها تبدو أمام كل السلطات المسئولة عن ''النظام'' عملية ممارسة للفوضى وليس للحرية، ويبدو مطلب الحرية وممارسته متجاوزا للمألوف الذي جري العُرف عليه.
وهذه أحوال عرفتها ثورات أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية عرفت كلها أن حالة الثورة الأولي هي حالة ما يسمونه في العلوم السياسية ''أناركي''  Anarchy  وهي كلمة شاع استعمالها أخيرا دون تحديد وتدقيق في معناها ودلالتها، وترجمتها الدقيقة هي ''الحركة دون قيادة''، وهذا ما جري في ثورة 25 يناير 2011 كما جري في ثورات من قبل عاشتها شعوب أخري في العالم كله.

وهنا يلزمنا أن نتنبه إلي معني ''أناركي''، فالكلمة لا تعني''الفوضى''  Chaos  ولا تعني ''العدمية'' Nihilism  وإنما  تعني ''الحركة دون قيادة''، أي ممارسة الحرية دون مرجعية معترف لها بمشروعية التوجيه..

الثورة في أول خطوة منها تكسر القيود، وفي لحظة كسرها للقيود فإن إحساسها الطبيعي أن كل شيء ممكن، والغريب أن شعار حالة ''الأناركي''... حالة السيولة الثورية في ثورات أوروبا سنة   1848... كان يقول ''كن عمليا واطلب المستحيل''!!..
ولو أن أحدا توقف أمام فوران الميدان، واهتم -أكثر بحالة الفوران العام في البلد - لأدرك علي الفور أنها لحظة كسر القيد.. لحظة الحرية.. لحظة رفض أي ملاحظة أو نصيحة، والاستمرار في الممارسة حتي وإن جاءت الملاحظة والنصيحة من جيل الآباء..

وتابع هيكل: اعتذرت عن الذهاب للتحرير، ملتزما بحدود وجدتها لائقة، بل أكثر من ذلك فقد نصحت كثيرين من جيلي والأجيال القريبة منه بأن يتركوا الميدان لأصحابه، حتي لا يشوش عليهم أحد، لكي تكون الفرصة مفتوحة لفكرهم وزمانهم، فإذا أراد أصحاب الميدان أن يسألوا حين يشاءون فيما يشاءون، فليساعدوا الشباب بآرائهم بمقدار ما يقبلوه، وقد حدث بالفعل أنني استقبلت عشرات الوفود من شباب الميدان، جاءوا وسألوا، أو جاءوا وناقشوا، أو جاءوا واختلفوا..
وكان ظني ولايزال أن زوار الميدان من غير أهله أرهقوا أصحابه، وأضافوا إلي حيرتهم أكثر مما ساعدهم بنصائح لا يسمعها أحد، ببساطة لأنها قادمة من بعيد بالزمن - من بعيد بالتجربة - ومن بعيد حتي بطبيعة لحظة الثورة..

وحول رؤيته للعلاقة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والشباب قال هيكل: من المفارقات أن المجلس الأعلى كان نظريا واعيا لخطر الصدام، وقد سمعت ممن أتيح لي أن ألقاهم بنفسي - عدد محدود من أعضائه - أنهم يتحاشون بكل وسيلة حدوث صدام، وقولهم: إن سلاح الجيش ليس سلاح أمن، ولكنه سلاح قتال، وإذا جري استعماله فهي الكارثة بعينها، والمحظور الذي يجب توقيه، لكن المشاكل في ظروف الثورة تنشأ بسوء الفهم، وغياب الحوار الحقيقي وليس الحوار الأبوي أو السلطوي بين الأطراف، وكذلك وقع بعض ما كان يجب أن لا يقع بين المجلس العسكري وبين الشباب، وهذا مأزق لابد من معالجة آثاره، بصرف النظر عما انتهت إليه نتائج الانتخابات النيابية.

وواصل: الحقيقة أن سوء الفهم الذي وقع ترك جراحا لابد من علاجها، وعلي النقيض فقد جري توسيع الجِراح بتوزيع اتهامات بغير سند، وبالطبع فإن أحدا لم يتصور أن حالة ثورية كتلك الحالة التي وقعت في مصر يمكن أن تجيء بكل عوارضها وظروفها دون أن تحاول بعض القوي من قريب أو من بعيد أن تتداخل فيها وأن تحاول توجيهها، فمثل ذلك جري وهو طبيعي، بمعني أنه مما يجوز حدوثه، لكن إدارة بلد في حالة ثورية تقتضي روية أكثر في توصيف الأعراض وفي علاجها، وفي فهم الأوضاع، وتدقيق الوقائع..

ما أريد قوله هو أن حالة الارتطام بالقدر لا يمكن الاستسلام لها في العلاقة بين المجلس الأعلي وبين جماعات الشباب، ولا حتي بعد الموعد المقرر لتسليم المجلس الأعلي سلطته إلي المدنيين، ذلك أنه قبل تسليم السلطة وبعدها سوف تظل في هذا البلد قوات مسلحة، وشباب يريد أن يطمئن إلي الحرية حتي يستطيع أن يثق أنها تأكدت، ويخطو إلي مطلب العدل ومطلب التقدم!! .

وحول رؤيته للمستقبل قال هيكل: إن الصورة قاتمة، ولكنها ليست مُيئسة، فهناك غيرنا في العالم واجه مثيلا لها، وهنا فإن التاريخ.. قراءة التاريخ تعلمنا درسا للمستقبل. بلد كبير مثل فرنسا واجه موقفا مشابها، أو موقفا مشابها في أعقاب تحرير فرنسا من احتلال النازي سنة 1945.

وأضاف: نصف فرنسا كان تحت حكم ''هتلر'' مباشرة، ونصفها الآخر تحت حكم الماريشال ''بيتان''، ورئيس وزرائه ''لاڤال''، ألعوبة في يد قوة الاحتلال النازي، والشعب الفرنسي في الداخل الفرنسي منقسم علي نفسه، نصفه يتهم نصفه بالتعاون مع النازي، والشعب الفرنسي في الخارج مبعثر في مستعمرات فرنسا الأفريقية، ومن تحت الأرض تظهر قوي تقول أنها هي المقاومة الحقيقية المسلحة ضد النازي، والرأسمالية الفرنسية متهمة بالتواطؤ وجمع الأموال من السوق السوداء، واستغلال عناء الناس تحت جنح ظلام الحرب، وهناك من يقول أن المقاومة السرية كانت في الواقع عصابات قطاع طرق، وأما الطبقة العاملة الفرنسية فقد كانت في الواقع تعمل لصالح المجهود الحربي للنازي الألماني، ومؤسسات الدولة كلها من البوليس إلي القضاء إلي الإعلام كانت مليئة بالعملاء، والكل يحاول توجيه التهم إلي الكل، لدرجة أن آلافا من نساء باريس كن حليقات الرأس بعد إشاعات - أو وقائع عن علاقات لهن مع الضباط الألمان، والوقوع في غرامهم..

وفي وسط هذا اليأس كله، كان هناك رجل واحد يبشر بالأمل، وهو الچنرال »ديجول« الذي لم يكن يملك في ذلك الوقت إلا الصيت الرمزي لحركة فرنسا الحرة، ولم تكن قدرته ولا سلطته تزيد عن التصرفات الرمزية من نوع الإصرار علي أن لا يرتفع فوق قوس النصر في باريس إلا علم فرنسا، وقد طلب أن تدخل قوات فرنسا الحرة إلي باريس قبل كل قوات الحلفاء، ولم يكن تحت تصرفه في البداية إلا لواء مدرع واحد يقوده الچنرال الفرنسي ''لوكليرك''، وقد أصرَّ ''ديجول'' علي دخوله إلي ''باريس'' قبل غيره، لمجرد إحياء معني أن فرنسا موجودة، وأنها في صفوف المنتصرين، وفي الحقيقة فإنه بمجرد الرموز استطاعت فرنسا أن تعبر المحنة نحو درجة من التوازن، تستطيع معها أن تتصرف، وأن تتمكن من استعادة حقها في مصيرها.

وتابع: وإذن فإن التاريخ وهو المعلم الأول للسياسة يقول لنا الآن أن الأمل حليف الأمم بقوة التاريخ، والأمم قادرة باستمرار علي المستقبل عندما تري نفسها فيه!!، لكن العقدة عندنا أنه ليس لدينا ديجول، وليس هناك ما يدل علي رجل مثله في الساحة، لكن الشعب يستطيع، إذا عرف الحقائق واستدعي الهمم ورفض الأوهام، بما فيها أوهام صناعة الصور !.

اقرأ أيضا:

هيكل: أنا من تسبب في محاكمة مبارك

الثانويه العامه وأخبار التعليم

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان