يوسف زيدان: قارئ قال لي إنه قرأ روايتي ''عزازيل'' في يوم واحد
القاهرة- محرر مصراوي:
قال الأديب والمؤرخ االدكتور يوسف زيدان، إن لحظة الإبداع اللازمة للكتابة تلتزمها لحظة إبداع في القراءة، كما أن القارئ المبدع هو القادر على توليد الدلالات، جاء ذلك على هامش حلقة نقاشية حملت عنوان ''حوار مع القارئ''، استضافتها مكتبة ''ذات السلاسل'' الكويتية، في مقرها بمجمع الافنيوز، الأربعاء الماضي.
وبدأ صاحب رواية ''عزازيل'' التي حصلت على الجائزة العالمية للرواية العربية ''بوكر'' لأفضل رواية عربية لعام 2009، كلمته، بحسب جرية الوطن الكويتية، بالإشادة بثقافة ووعي الشعب الكويتي والمقيمين على أرضه، وقد اختار عنوانا لهذا اللقاء وهو ''مسؤولية الكاتب والقارئ'' والتي حصرها في ثلاثة محاور قام بتفصيلها بعد ان وعرّف أولاً مفهومه عن الكاتب والقارئ على حد سواء مؤكدا انه يقصد بكلمة الكاتب كل من يكتب ليصل ما يكتبه الى غيره، سواء كان كاتبا في صحيفة أو شاعرا أو كاتبا في مدونة الكترونية أو كاتب رواية أو كاتب قصة قصيرة، وعرّف القارئ كذلك بقوله هو من يستقبل كتابات غيره، كما اكد يوسف زيدان ان كل من الكاتب والقارئ يمثلان افقين مندمجين معا والدليل على ذلك ان الذي لا يقرأ لا يمكن له ان يكتب، كما ان القارئ قد يكتب شيئا عما قراه، ومثل هذا الامر الاخير قد تحقق لديه بصورة ايجابية من خلال حصوله على جائزة انجليزية تمنحها صحيفة الجارديان البريطانية في مهرجان ادنبرة الادبي بناء على ما يكتبه القراء عما يقرأونه، وهو الامر الذي تحقق مع روايته ''عزازيل'' ، كما اشار يوسف زيدان الى ان لحظة الابداع اللازمة للكتابة تلتزمها لحظة ابداع في القراءة، كما ان القارئ المبدع هو القادر على توليد الدلالات.
ثم عرج الى ''مسؤولية الكاتب والقارئ'' في الاحترام والتدقيق والتواصل، وقال ان مفهوم الاحترام يلعب دورا حيويا في ابراز النص في مواجهة بعض الكتاب الذين يتوهمون انهم اصبحوا مبدعين، ثم يمتلئون بهذا المعنى ثم ينفصلون عن المتلقي وهنا يفقد القارئ المتخيل في وعي الكاتب احترامه، لان الكاتب هنا يتصور ان كل ما سيكتبه ستتم قراءته ومثل هذا الامر يحدث ازمة خاصة عندما نرى بعض الكتاب المرموقين يقولون انهم يحتقرون ظاهرة ''الاعلى مبيعا'' وقد اصاب احدهم الحضور ذات مرة بصدمة كبيرة عندما قال ان ''اسوأ الكتب هي الاكثر مبيعا'' لان في ذلك اهانة للناس، ومثل هذه الكلمات نابعة من فقدان الكاتب للشعور بالاحترام تجاه القارئ.
واستطرد زيدان بالقول: ''كما ان بعضهم يكرر مقولة ان الكتاب الجيد لا يُقرأ في العالم العربي واذا قرئ فإنهم لا يفهمون ما يقرأونه، وهذا خطأ لان العالم العربي شهد في العشرة اعوام الاخيرة طفرة في القراءة لم يشهدها من قبل منذ نشأة اللغة العربية مرورا بظهور الاسلام وصولا الى العصر الحديث، فلم يحدث ان قرأ العرب مثلما يقرأون الآن، بدليل ان اشهر الروائيين العرب وهو الكاتب نجيب محفوظ كانت رواياته توزع الف نسخة فقط في السابق، اما الآن فهناك روايات له ولغيره مثل توفيق الحكيم يصل عدد نسخ الطبعة الواحدة منها الى عشرة آلاف نسخة، بالاضافة الى ما يُفتتح بالآلاف من المكتبات في القاهرة والعالم العربي، كما ان معدلات التوزيع تزداد لكتب بالغة التنوع سواء كانت في المدونات الالكترونية أو كتب خفيفة الظل، وتقوم بتوزيعها مكتبات جادة مثل دار الشروق بجانب كتب سيد قطب واحمد زويل، فالقارئ اصبح شغوفا بالقراءة، ولذلك فهو يستحق احترام الكاتب، والا فإن هذا الكاتب سيفقد مكانته.
وقد أرجع زيدان اسباب هذه الطفرة في القراءة الى خروج المرأة للعمل وزيادة الوعي وافتتاح فروع للجامعات الغربية في العالم العربي وانتشار الانترنت وارتفاع سقف المعرفة واضاف: ''كذلك الحالة الثورية فالناس تعتقد ان الثورة في مصر وتونس فقط لا غير، وهذا امر غير صحيح لان الثورة في العقل العربي ولولا القراءة ما كانت هذه الثورات، لان الراضي والخانع لا يثور، وقد انتبه بعض الحكام الى ذلك وادركوا ان الناس تغيرت''.
واضاف عن تجربته: ''ومن منطلق مفهوم الاحترام للقارئ فانه يحرص على اجراء عشر بروفات للكتاب الواحد من مؤلفاته، ولايعتبر في ذلك انتقاص منه، وكذلك الامر في شرحه لمفهوم كلمة الاحترام لدى القارئ مؤكدا ان هناك بعض القراء يهاجمون بعض الكتاب دون تبيان ما لا يعجبهم وهذا خطا، كما اكد زيدان ان خلال الاعوام العشرة الاخيرة انزوت اسماء ادبية كثيرة بعد ان ظلت مهيمنة على الواقع الثقافي العربي بأجسادها''.
وحول المحور الثاني في ''مسؤولية الكاتب والقارئ'' وهو التدقيق قال: ''ان عكس هذه الكلمة هو الاستسهال والابتذال، بمعنى اننا نجد بعض من يكتبون الشعر مثلا لا يعرفون علم العروض وهو امر عجيب، اذا ان الشاعر قد يتمرد على الاوزان ولكن قبل ذلك لابد ان يكون على علم بها، بل ان بعضهم تعدى ذلك الى الخطا في النحو والصرف، اما عن التدقيق لدى القارئ، فأتذكر ان احدهم قال لي انه قرأ روايتي ''عزازيل'' في يوم واحد، وهو امر لا يوازي معاناتي في كتابتها، وقارئ اخر قال لي: '' ليس هناك افضل من عزازيل'' وهي اشياء لا افهمها، لان مفهوم التدقيق مثلا لدى كتابتي لرواية ''النبطي'' اصعب كثيراً منه لدى كتابة عزازيل، لقد كتبت ''النبطي'' بلسان الانثى، فهذا الجهد يصب في جهة جديدة، وهي استنطاق المرأة العربية نطقاً حقيقياً، فالكتابة الانثوية مثلاً ليست قلة ادب.، لقد قصدت التحدث عن اشياء شديدة الانثوية لدرجة دخول شخصية ''ماريا'' داخلي وخروجها مني في العمل التالي، ومثل هذه الامور هامة في عملية التدقيق.
أما المحور الثالث وهو التواصل، فبالنسبة للكاتب نجد انه لو اكتفى بالعزلة والتأمل واستلهام العقل، فانه لا يستطيع ان يقدم نصاً مبدعاً، فلابد من تواصله مع المتلقي تواصلاً حياً، حتى يعطيه ذلك مؤشراً عن اللغة التي يستعملها، وعن نفسي احتفظ بالكتابة الاولى لنفسي، ولا يطلع الناس عليها ابداً، كما ان القارئ لابد ان يكون على تواصل مع الكاتب، ولا يعطي رأيه في كاتب، الا اذا قرأ لغيره.
فيديو قد يعجبك: