بعد رفع الفائدة إلى 40%.. لماذا تراجعت الأرجنتين وتقدمت مصر في الإصلاح؟
كتب- ياسمين سليم ومصطفى عيد:
خلال العامين الماضيين، سارت الأرجنتين ومصر في نفس طريق الإصلاح الاقتصادي، فكلاهما تريد إنعاش عملتهما والسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة.
سارعت الأرجنتين خلال العام الماضي، الخطى نحو الإصلاح الاقتصادي وبدت أكثر صلابة حتى أنها باعت سندات دولية بأجال 100 عام، لكن مع نهاية العام الماضي وبداية 2018، تدهورت الأوضاع الاقتصادية في الأرجنتين بشكل لافت.
وتراجع سعر العملة المحلية الأرجنتينية (البيزو) بشكل كبير خلال الأيام الماضية، ما دفع البنك المركزي الأرجنتين لرفع سعر الفائدة إلى 40%، في محاولة لإنقاذ العملة المنهارة.
وهوى سعر البيزو مقابل الدولار يوم الجمعة الماضية، إلى أدنى مستوى إغلاق على الإطلاق عند 23.35 مقابل الدولار الأمريكي، بحسب وكالة رويترز.
وفي محاولة لإنقاذ اقتصادها، بدأت الأرجنتين محادثات للاستعانة بصندوق النقد في وقت سابق الأسبوع الماضي بعد هبوط عملتها للحصول على قرض بقيمة 30 مليار دولار.
تراجع سعر العملة السريع وارتفاع سعر الفائدة لمستويات قياسية ولجوء البنك المركزي لصندوق النقد، كان له أسبابه فماذا حدث؟ وما الفرق بين تجربة الإصلاح في مصر والأرجنتين رغم أنهما اتخذا نفس الإجراءات الإصلاحية؟
ماذا حدث؟
"في الأسواق المالية، من الممكن أن تكون الذاكرة قصيرة، ففي العام الماضي باعت الأرجنتين سندات لأجل 100 عام، لتنضم إلى نادي الدول التي تحظى بثقة تمكنها من الاستدانة بهذه الفترة الممدودة، وبعد أقل من عام طلبت الأرجنتين قرضًا من صندوق النقد بقيمة 30 مليار دولار ليساعدها على مكافحة أزمة تدهور العملة، وفقًا لما يقوله موقع كوارتز، المتخصص بأخبار الأعمال العالمية.
يقول نعمان خالد، محلل الاقتصاد الكلي بشركة "سي آي كابيتال" لإدارة الأصول، لمصراوي إن الأرجنتين تعاني من تذبذب عنيف، فتارة نراها تنمو وتارة نراها في تدهور.
ويضيف أنه منذ 2015 ومع قدوم رئيس جديد اتجهت الأرجنتين لخفض سعر الصرف بأكثر من 50% وتخفيض جزء كبير من الدعم على المحروقات، وهذا ساعدهم على جذب استثمارات أجنبية سواء كانت مباشرة أو في أذون الخزانة ونمو الاحتياطي النقدي لديهم.
كانت الأرجنتين تحقق كل هذه الخطوات في مجال الإصلاح الاقتصادي "والملفت أنه كان بدون الاستعانة بصندوق النقد الدولي" بحسب نعمان.
لكن وسط كل هذه التطورات الاقتصادية، ارتكبت الحكومة والبنك المركزي في الأرجنتين خطأ من وجهة نظر المستثمرين، وهو خفض سعر الفائدة قبل السيطرة على معدلات التضخم، بحسب ما يقوله تقرير موقع كوارتز.
ويضيف أن التضخم المرتفع، كان مشكلة الأرجنتين المزمنة، حيث سجل التضخم السنوي العام الماضي 20%، ليكون بذلك ثاني أكبر معدل في المنطقة بعد فنزويلا، لكن رغم ذلك وفي نهاية العام عدّلت الحكومة من مستهدفاتها للتضخم ليكون 15% هذا العام، بدلا من 8 إلى 12% كانت تستهدفه.
وساهم تعديل مستهدفات التضخم، في قرار البنك المركزي بخفض معدل الفائدة إلى 28% في يناير الماضي.
"الأرجنتين فوجئت بأن معدل التضخم وصل معهم في يناير إلى 25%، بسبب أنها خفضت الدعم في ديسمبر الماضي"، بحسب خالد.
مع بداية شهر يناير بدأت المشكلة وبحسب خالد "فالمستثمرون وجدوا أن معدلات التضخم في ارتفاع بعيدًا عن المستهدفات، وفي نفس الوقت يلجأ البنك المركزي لخفض سعر الفائدة، وهو ما أنهى مصداقية البنك المركزي لدى المستثمرين".
ويقول خالد إن البنك المركزي في الأرجنتين بدلاً من أن يعترف بخطأ توقعاته حول التضخم، ويرفع سعر الفائدة، خرج ليقول إن التضخم مشكلة في كل العالم بسبب ارتفاع سعر الدولار أمام العملات.
مع تدهور الأوضاع عاد البنك المركزي إلى رفع الفائدة مرة ثانية في محاولة للسيطرة على التضخم لتصل نسبتها إلى 40%.
وبحسب خالد فإن "المستثمرين الأجانب بدأوا يبيعون استثماراتهم ولم يعد هناك ثقة في العملة المحلية من قبل المستثمرين المحليين، فكان قرار رفع الفائدة واللجوء لصندوق النقد".
ما الفرق بين مصر والأرجنتين؟
رغم أن مصر والأرجنتين اتخذتا إجراءات مماثلة للإصلاح الاقتصادي، إلا أن الأمر لم ينته لنفس النتائج في كلا البلدين.
السبب الأول، بحسب نعمان خالد، هو تسرع الأرجنتين في تعديل مستهدفاتهم للتضخم ومن ثم قرروا خفض الفائدة، وهذا فرق كبير بينهم وبين مصر، فالبنك المركزي في مصر كان لديه تحفظ شديد في بدء دورة خفض الفائدة، حتى يطمئن أولا إلى انخفاض مستويات التضخم.
ويضيف أن البنك المركزي في الأرجنتين، استجاب لضغوط الحكومة هناك وقرر خفض الفائدة رغم ارتفاع مستويات التضخم، لكن في مصر كان المسؤلون عن السياسة النقدية في مصر مستقلين عن أي قرارات حكومية وهدفهم كان استهداف معدلات تضخم منخفضة.
وينتهج البنك المركزي في مصر سياسة نقدية متشددة، حيث إنه رفع الفائدة بنسبة 7% للسيطرة على تضخم الأسعار منذ قرار التعويم، وعاد مؤخرًا لخفضها بشكل تدريجي بنسبة 2% على مرتين، منذ بداية العام الجاري.
كما قرر البنك المركزي في الأرجنتين فرض ضريبة على استثمارات الأجانب في أذون الخزانة، وهو ما تسبب في تخارج بعض المستثمرين ما أحدث ضغطًا على العملة المحلية، بحسب نعمان.
ووفقًا لنعمان فإن أسلوب الإدارة في البلدين كان مختلفًا "هما في نصف الطريق قرروا أن يسرعوا الخطى، ولكن إحنا في مصر حاليًا مفيش أي حاجة بتقول إن البنك المركزي بيسرع خطواته في الإصلاح"
ويضيف "لقد انتهينا من 80% من برنامج الإصلاح الاقتصادي، والتحفظ هو أنسب طريقة حتى نمر من هذه المرحلة".
وكان صندوق النقد الدولي، حذر في تقريره عن المراجعة الثانية للاقتصاد المصري قبل نهاية العام الماضي، من خفض "سابق لأوانه لأسعار الفائدة في مصر"، وهو ما يبدو أن المركزي المصري منتبه له.
وساهمت الإصلاحات التي نفذتها الحكومة خلال العامين الماضيين، في رفع مؤسسة "ستاندر آند بورز" العالمية، التصنيف السيادي للديون المصرية، إلى "بي"، بدلا من "بي سالب"، مع نظرة مستقبلية مستقرة، وذلك لأول مرة في نحو خمس سنوات.
اقرأ أيضا:
مسؤول بالمركزي: الأرجنتين لم تؤثر على استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية
هل يخفض البنك المركزي الفائدة مجددا مع استمرار تراجع التضخم؟
5 مؤشرات إيجابية تدفع "ستاندرد آند بورز" لرفع التصنيف الائتماني لمصر
فيديو قد يعجبك: