لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"لسنا سعداء بها".. السيطرة على ارتفاع الديون تحدي الحكومة الأكبر

01:02 م الأحد 09 ديسمبر 2018

محمد معيط

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- ياسمين سليم:

"لسنا سعداء بمستويات الدين، ونحن مهتمون بهذا الأمر ونعمل عليه"، هكذا عبر محمد معيط، وزير المالية، قبل نحو أسبوعين في حوار أجراه مع تلفزيون بلومبرج الأمريكي عندما سئل عن مستويات الدين لمصر.

ويعكس عدم سعادة وزير المالية، مستويات الدين الحالية التي ارتفعت بقيمة كبيرة خلال الفترة الأخيرة منذ توسعت مصر في الاقتراض مع بداية برنامج الإصلاح الاقتصادي في 2016.

نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي

ورغم القفزات الكبيرة التي سجلها الدين العام المحلي والأجنبي خلال السنوات الأخيرة، فإن محللين يرون أنها ليست مقلقة على المدى القريب، وأن التحدي الأساسي هو قدرة الاقتصاد في المستقبل على توليد عوائد وتدفقات أجنبية، تمكن البلاد من سداد ديونها.

وبحسب بيانات البنك المركزي فإن الدين الخارجي ارتفع بنهاية العام المالي الماضي إلى 92.7 مليار دولار بزيادة نسبتها 17.2% عن العام المالي الأسبق.

وتتوقع الحكومة أن يبلغ إجمالي الدين الخارجي نحو 102.863 مليار دولار في السنة المالية المقبلة، مقابل 98.863 مليار دولار متوقعة في السنة المالية الحالية، وفقًا لوكالة رويترز.

كما ارتفع إجمالي الدين المحلي من حوالي 2.6 تريليون جنيه في نهاية يونيو 2016 إلى نحو 3.7 تريليون جنيه في نهاية يونيو 2018، بحسب بيانات البنك المركزي.

تطور إجمالي الدين العام المحلي.j

وسجلت مستويات الدين العام مستويات مرتفعة حيث وصل إلى 102.8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2015- 2016 ثم استمر في الصعود إلى 108% من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2017، قبل أن يتراجع إلى 97.9% بنهاية يونيو 2018.

ورغم التحسن في مستويات الدين العام إلى الناتج المحلي مؤخرًا إلا أن المستويات الحالية لا تزال خطيرة في البيئة الحالية، كما قال موريس أوبستفيلد، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، في ندوة بغرفة التجارة الأمريكية مطلع الشهر الماضي، محذرًا مصر من هذه المستويات المرتفعة.

هل المستويات الدين الحالية مقلقة؟

لا تبدو مستويات الدين الحالية مقلقة بالنسبة لمحللين اقتصادين تحدث إليهم مصراوي، لأكثر من سبب.

ويقول هاني فرحات الخبير الاقتصادي في بنك استثمار سي.آي كابيتال، لمصراوي، إن "معدلات الدين في طريقها للانخفاض وبالتالي لا يوجد قلق خاصة أن معظم الدين ممول محليًا".

وتشير بيانات البنك المركزي إلى أن إجمالي الدين العام المحلي بلغت نسبته 83.3% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية يونيو 2018، في حين تبلغ نسبة الدين العام (المحلي والأجنبي) 97.9% من الناتج المحلي الإجمالي.

ولا يظن عمرو عدلي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، أن هناك مشكلة حاليًا بالنسبة للدين.

ويدلل عدلي، لمصراوي، على ذلك بأنه "رغم ارتفاع رصيد الدين الخارجي المقوم بالعملة الأجنبية، كنسبة من الناتج المحلي خلال الفترة الأخيرة وكرقم أيضًا تضاعف في أقل من 4 سنوات، وهي نسبة كبيرة إلا أن هذا الارتفاع ليس هو الجزء الرئيسي فيما يتعلق بالمركز المالي للدولة".

وتشير بيانات البنك المركزي، إلى أن نسبة الدين الخارجي بلغت 37% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية يونيو 2018، في حين يحدد صندوق النقد الدولي النسبة الآمنة لمجموعة دول الاقتصاديات الناشئة عند 58.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني أن نسبته في مصر لم تتعد الحدود الآمنة حتى الآن.

22

وبحسب عمرو عدلي فإنه رغم الزيادة التي حدثت خلال آخر 3 سنوات إلا أن هيكل الدين الخارجي لمصر لا يزال إلى حد كبير آمن، وجزء كبير منه دين طويل الأجل ولا يوجد مبالغ مستحقة على المدى القصير.

وتوضح بيانات البنك المركزي أن نسبة الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل بلغت 86.7% من إجمالي الدين الخارجي بنهاية يونيو الماضي، بينما بلغت نسبة الدين الخارجي قصير الأجل لإجمالي الدين الخارجي 13.3%.

"قبل نحو 3 سنوات كان هيكل الدين الخارجي أسوأ رغم أن الدين كان أصغر لأن جزء كبير منه كان ودائع قصيرة الأمد تحتاج للسداد الفوري"، بحسب عدلي.

لكن مع زيادة الدين الخارجي خلال السنوات الأخيرة ارتفعت خدمة الدين كما يوضح عدلي، وهو ما يضع ضغوطا فيما بعد.

ويقول "حدث زيادة كبيرة في نسبة خدمة الدين الخارجي إلى الصادرات السلعية والخدمية حيث وصلت إلى أكثر من 25% في حين كانت 6% في عام 2010، وهي نسبة مرتفعة لكنها ليست كارثية".

وبحسب بيانات البنك المركزي في نهاية العام المالي الماضي استحوذت خدمة الدين الخارجي ( أي أقساط الدين وفوائده) على 28% من الصادرات السلعية والخدمية.

وعادة ما تقيس المؤسسات الدولية نسبة خدمة الدين إلى الصادرات السلعية والخدمية، كمؤشر على قدرة الدولة على تحمل ديونها، ويحدد صندوق النقد الدولي الحد الأقصى لهذه النسبة عند 46.8% في مجموعة الاقتصاديات الناشئة.

وتستحوذ خدمة الدين على النصيب الأكبر من الموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الجاري، حيث وصلت قيمتها 817.3 مليار جنيه وهو ما يعادل 82.6% من الإيرادات المتوقعة بالموازنة خلال العام، ونحو 57.4% من إجمالي المصروفات.

ويمثل تسديد أقساط الديون الحالية حتى ولو كانت طويلة الأجل إشكالية، كونها مرتبطة بالعملة الصعبة، كما يقول عدلي.

ويقول "صحيح أن الديون طويلة الأجل، لكن عندما يحين موعد استحقاقها تضع ضغوطًا على القطاعات المولدة للعملة الصعبة والدولار، ومصر لا يزال لدينا مشكلة في موارد العملة الصعبة".

لكن هاني فرحات يقول إن موارد مصر الدولارية الحالية قادرة على المدى الطويل، على سداد هذا الدين وخدمته.

ويضيف "مع تحسن موارد السياحة وتحويلات المصريين بالخارج والصادرات وباقي المكونات ميزان المدفوعات سيكون الأمر أفضل".

وخلال العام المالي الماضي حقق ميزان المدفوعات فائضًا كليًا قيمته 12.8 مليار دولار، بحسب ما أظهرته بيانات البنك المركزي.

ومنذ قرار تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 ارتفعت تحويلات العاملين من الخارج بشكل كبير، حتى وصلت إلى نحو 26.3 مليار دولار بنهاية العام المالي الماضي.

كما ارتفعت إيرادات السياحة، وهي مصدر رئيسي للعملة الصعبة في مصر، لتحقق نحو 9.8 مليار دولار بنهاية العام المالي الماضي مقابل نحو 4.3 مليار دولار العام المالي قبل الماضي.

ومع وصول احتياطي النقد الأجنبي، لأعلى مستوياته على الإطلاق، بما يغطي واردات 8.6 شهر، سيضمن هذا مزيدًا من القدرة لمصر على تغطية التزاماتها الخارجية، كما تقول عالية ممدوح، كبيرة المحللين ببنك الاستثمار بلتون.

وارتفعت صافي الاحتياطيات الأجنبية، في نهاية نوفمبر الماضي إلى 44.513 مليار دولار، لتواصل مستوياتها المرتفعة على مدار 25 شهرًا.

وترتفع الاحتياطيات الأجنبية لمصر منذ أبرمت الحكومة اتفاقا على برنامج قرض بقيمة 12 مليار دولار مدته ثلاث سنوات مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016.

وتشير بيانات البنك المركزي أن نسبة الدين الخارجي قصير الأجل إلى صافي الاحتياطات الدولية بلغت بنهاية العام المالي الماضي 27.8%، بحسب بيانات البنك المركزي.

وسيوفر نجاح الحكومة في إعادة جدولة المستحقات الخارجية إلى الدول الخليجية، والتي تمثل 62٪ من المستحقات الحالية على مدى 18 شهرًا مقبلة، متنفسًا، وفقًا لكبيرة المحللين ببنك الاستثمار بلتون.

وخلال العام المالي الجاري تستحق وديعة كويتية السداد بقيمة 3.3 مليار دولار، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.

ومع تزايد المخاوف بشأن مستويات الدين المرتفعة، واستحواذها على نسبة كبيرة من مصروفات الحكومة خلال الأعوام المالية الأخيرة، تخطط الحكومة للسيطرة على هذا الدين من خلال عدة خطوات.

كيف تخطط الحكومة لخفض الدين؟

يقول محمد معيط، وزير المالية، إنه بحلول يونيو 2019 ستكون مصر قد اتخذت إجراءات وخطوات من أجل خفض مستويات الدين وخدمته.

وهو ما تشير إليه توقعات صندوق النقد الدولي، في تقرير المراجعة الثانية لأداء الاقتصاد المصري الصادر في يوليو الماضي، والذي توقع أن تبدأ قيمة الدين الخارجي في التراجع بدءًا من العام المالي المقبل لأول مرة في 8 سنوات.

ويتوقع الصندوق أن يتراجع الدين الخارجي إلى 87.5 مليار دولار في نهاية 2019-2020، ليستقر في العام التالي عند نفس المستوى، ثم ينخفض بشكل طفيف إلى 87.1 مليار دولار في 2021-2022، ثم إلى 82.9 مليار دولار في نهاية 2022-2023.

كما يتوقع تراجع إجمالي الدين العام إلى 86.2% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي الجاري مقابل إلى 92.4% مقدرة للعام الماضي، ومقابل 103% في نهاية عام 2016-2017، وفقا لتقرير المراجعة الثالثة.

ومن أجل الوصول إلى هذه النسب بدأت مصر أولى خطوات وضع الدين سواء الخارجي أو العام في الاتجاه النزولي، عن طريق وضع حد أقصى للاقتراض، حيث حددت الحكومة سقف الاقتراض الخارجي للسنة المالية 2018-2019 عند 16.733 مليار دولار، وفقًا لوكالة رويترز.

وأظهرت وثيقة حصلت عليها وكالة رويترز أن قيمة الاقتراض تتضمن 10.510 مليار دولار لسداد أقساط الدين الخارجي، وليس من ضمنها الوديعة الكويتية، بجانب 6.223 مليار دولار زيادة سنوية في رصيد الدين الخارجي للبلاد.

كما خفضت مصر من مستهدفاتها للاقتراض الخارجي للسنة المالية 2019-2020 عند نحو 14.326 مليار دولار، منها 10.326 مليار دولار لسداد أقساط الدين الخارجي ونحو أربعة مليارات دولار صافي في رصيد المديونية الخارجية، وفقًا لرويترز.

وتوضح وزارة المالية في منشور إعداد موازنة العام المالي المقبل إنها تخطط لإعادة هيكلة الدين لتكون آجالة متوسطة وطويلة، كما ستخفض تكلفة الاقتراض وتقلل مخاطر إعادة التمويل وستعمل على التريث في الاقتراض ووضع حد أدنى له.

وتقول عالية ممدوح، إن خطة الحكومة لتنويع هيكل الديون من خلال التحول من الديون قصيرة الأجل ذات التكلفة الأعلى إلى الاقتراض طويل الأجل ستعالج أي مخاوف بشأن ارتفاع مستويات الدين.

كما أن اتجاه الحكومة لإصدار سندات دولية طويلة الأجل كأحد أدوات التمويل، يدخل ضمن هذه الخطة.

"وزارة المالية أعلنت من قبل الاعتماد على سندات تتراوح مدتها بين 5 إلى 7 سنوات، وبدأت في فبراير الماضي بـ 4 مليارات دولار ثم أبريل 2 مليار يورو"، وفقًا لعالية.

وتخطط الحكومة حاليًا لتنويع السندات من خلال الاتجاه للسوق الآسيوية كأحد سبل التمويل، بحسب ما قالته عالية.

ووفقًا لما قاله وزير المالية، لبلومبرج فإن الحكومة ستعود إلى سوق السندات مجددًا مطلع 2019 إلا أنها قد تتوجه إلى تنويع السندات بتقويمها بالين واليوان.

وأضاف "سننوع الأسواق.. سننوع العملات.. كما سننوع المنتجات".

ويهدف التنويع في مصادر الاقتراض إلى تخفيف تكلفة الاقتراض، بما لا يزيد أعباء الدين على الحكومة.

ويقول عمرو عدلي "ما دام لدينا قدرة على الاقتراض من الأسواق العالمية وما دامت تقارير صندوق النقد الدولي التي يصدرها عن مصر تخفض من الخطورة بالنسبة للمستثمرين في إقراض الحكومة، فالأمر ليس به مشكلة".

ويضيف عدلي "بالطبع الأمر ليس إيجابيًا أن تقترض لتسدد خدمة ديونك، وقد يجعلنا عرضة لمطبات أو أحداث مثلما حدث في تركيا بسبب زيادة ديونها، لكن في مصر على الأقل خلال 4 أو 5 سنوات القادمين لا أظن أن يحدث شيء".

وينصح هاني فرحات، الخبير الاقتصادي في بنك استثمار سي.آي كابيتال، الحكومة "بالمضي قدمًا لضبط عجز الموازنة"، حسب قوله وهو ما سيساهم في خفض نسبة الدين ووضعه على اتجاه نزولي.

"لدينا مخطط لخفض عجز الموازنة العامة ولدينا مخطط لخفض مستويات الدين"، كما يؤكد وزير المالية لبلومبرج.

وتخطط الحكومة لخفض عجز الموازنة الكلي خلال العام المالي الجاري إلى 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 9.8% العام المالي الماضي.

كما تهدف الحكومة لتحقيق فائض أولي بنسبة 2% خلال العام المالي الجاري مقابل 0.2% خلال العام المالي الماضي.

والفائض الأولي للموازنة هو الفارق بين الإيرادات والمصروفات بدون فوائد الديون ويساهم تحقيقه في وضع البلاد على مسار مستدام لتخفيض مستويات الدين العام.

كل هذه الخطوات ستعمل على خفض رصيد الدين إلى 79.4% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2021- 2022، وفقًا لمنشور إعداد الموازنة للعام المالي الجديد.

فيديو قد يعجبك: