لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"الإدارية العليا" تقضي بفصل فنان نشر مسرحية تضمنت ازدراءً للدين الإسلامي والمسيحي

01:55 م السبت 05 ديسمبر 2020

المحكمة الإدارية العليا

كتب- محمود الشوربجي:

قضت المحكمة الإدارية العليا، بتوقيع عقوبة الفصل للفنان "ش. م. ص" فنان أول بالبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية التابع لوزارة الثقافة، لأنه في غضون عام 2017 بوصفه السابق نشر على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي مسرحية من تأليفه تحت اسم "ألم المعلم يعلم" تضمنت ألفاظًا وعبارات تنطوي على ازدراء الدين الإسلامي والمسيحي على السواء والإساءة إلى رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم، بازدراء زوجتين من زوجاته أمهات المؤمنين زينب وعائشة كما أساء إلى الرسول عيسى عليه السلام والسيدة مريم.

صدر الحكم برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين صلاح هلال والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي ونبيل عطالله وأحمد ماهر نواب رئيس مجلس الدولة.

وكشفت المحكمة أن الثابت بالأوراق أن الفنان أحمد ماهر والفنان أحمد الكحلاوي أبطال العرض المسرحي "البيت الكبير" تقدما بشكواهما إلى رئيس الإدارة المركزية للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية ضد الطاعن "ش. م. ص" عضو الفرقة الغنائية الذى يعمل ممثل في العرض المسرحي "البيت الكبير" بسبب التجاوزات المسيئة الصادرة منه التي وصلت إلى ازدراء الأديان والهجوم على شخص النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، طالبين استبعاده من المشاركة في العمل المسرحي المذكور حيث نشر على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك مسرحية من تأليفه بعنوان "ألم المعلم يعلم"، وعلى الصفحة الخاصة بنقابة المهن التمثيلية تتضمن تجاوزات دينية في حق الرسول الكريم, ثم تلا ذلك تقدم (26) فنانًا من أعضاء نقابة المهن التمثيلية بشكوى مماثلة عن ذات الموضوع إلى نقيب المهن التمثيلية ضد الطاعن باعتباره عضوا بالنقابة لما ارتكبه من ازدراء الأديان يستهزئ فيها باَل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدين المسيحي، من خلال مشهد نشره على الصفحة الرسمية للنقابة مما يحدث فتنة بين الممثلين المسلمين والمسحيين وغيرهم من فئات الشعب.

وقالت المحكمة إن الدستور كفل للمواطنين حرية إبداء الرأي والفكر سواء كان ذلك بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غيرها من وسائل التعبير والنشر مثل التمثيل والموسيقى والرسم والنحت وغيرها من ضروب الإبداع الإنساني الذي كفله الدستور أيضاً سواء كان فنياً أو أدبياً بحسبان أن ذلك تعبيرًا عما تجيش به النفس وتتوق له الروح وتهفو إليه وهو ما لا يجوز الحجر عليه أو تقييده، على أن يكون ذلك في إطار ما ينظمه القانون وتجيزه الأخلاق ويسمح به العرف السائد في البلاد.

وأضافت المحكمة أن الإبداع الفني أو الثقافي هو عبارة عن موقف حر واع من الفنان أو المبدع يتناول فيه ألوانًا من الفنون والثقافات تتعدد أشكالها وصورها، وتتباين طرائق التعبير عنها، فلا يتناول ما هو نقل كامل عن آخرين، ولا ترديد لآراء وأفكار يتداولها غيره بل يتعين أن يكون بعيدًا عن التقليد والمحاكاة، وأن ينحلّ عملاً ذهنيًا وجهدًا خلاّقًا، ولو لم يكـن ابتكارًا كاملاً جديدًا كل الجدة، وأن يتخـذ كذلك ثوبًا ماديًا فعمل الفنان المبدع لا ينغلق به استئثارًا، بل يتعداه إلى الناس انتشارًا ليصبح مؤثرًا فيهم برسالته نحو قيم الحق والخير والجمال وتكامل الشخصية الإنسانية لا تراجعها، وبنواحي التقدم ومناحي القصور وبألوان الإبداع وأشكال الفنون إطلالًا عليها وتزودا بها، وبالمعايير التي التزمتها الأمم المتحضرة تأمينا لرسالة الفن, فحرية الفن والإبداع صار تشجيعها مطلوبًا عملاً بالدستور الذى يكفل لكل مواطن مبدع بحرية الإبداع الأدبي والفني والثقافي مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكداً بذلك أن لكل فرد مجالاً حرًا لتطوير ملكاته وقدراته، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود جائرة تحد منها، ذلك أن حرية الإبداع تمثل جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها، وصقل عناصر الخلق فيها، وإذكاؤها كافل لحيويتها، فلا تكون هامدة دون حراك.

وذكرت المحكمة أن البين من الأحكام التي انتظامها القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، تغييها صون حرية الإبداع من خلال أدواتها في قطاع المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، بما يؤدي إلى النهوض بفنون المسرح والسينما والموسيقى والمحافظة على التراث الإنساني والقومي بوجه خاص المصري والعربي في هذه الفنون وتطويرها وفقا لمقتضيات التقدم العالمي بما يجمع بين الأصالة والمعاصرة, وعلى هذا النحو فإن الفن بما يحمله من إبداع لا ينفصل عن حرية التعبير، بل هو من روافدها، يتدفق عطاءً عن طريق قنواتها، يجب أن يتمخض عن قيم وآراء ومعان يؤمن الفنانون والمبدعون بها ويدعون إليها، ليكون مجتمعهم أكثر وعيًا بالحقائق والقيم التي تحتضنها, وإذا كان القضاء يؤمن بأن قهر الإبداع هو عدوان مباشر عليه، فإنه وبذات القدر يؤمن بأن حريـة التعبير عن الآراء ونشرها بكل الوسائل المنصـوص عليهـا قانونًا يجب أن يظل الإبداع الفني والثقافي خلالها في إطار قيم المجتمع وتقاليده وألا يمس عقائد الناس ومقدساتهم الدينية التي تحوط لها الدستور وكفل حمايتها.

وأشارت المحكمة إلى أن المشرع أضفى حماية واجبة للأديان السماوية فجعل ازداء الأديان جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات فجَرم كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد اثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي.

وعلى هذا النحو فإن ازدراء الأديان يكون عند العدوان على قدسية الاعتقاد الديني والإساءة للأديان السماوية أو النيل من سيرة الأنبياء والصحابة واَل البيت, وأنه ولئن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بموجب الدستور إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل عقائد الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه, فإذا ما تبين أنه إنما كان يبتغي من تعرضه للعقائد والأديان المساس بحرمة الدين والسخرية منه فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد فحينئذ يكون مرتكبا لجريمة استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة قوامها المادي الترويج أو التحبيذ بأية وسيلة لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين تحقيقا لواقعة غير مشروعة هي إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية، ولا يمكن الاحتماء بحرية الرأي والتعبير ذلك أن حرية الرأي ليست طليقة ولها حدود بعدم المساس بالنظام العام أو الآداب العامة أو المصالح العليا للوطن ولا ريب أن على القمة من تلك الحدود احترام الأديان والطوائف المنتمية إليها فلا يتعداها.

وأوضحت المحكمة أن الثابت بالأوراق أن الطاعن بصفته فنان أول بالبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية التابع لوزارة الثقافة أنه في غضون عام 2017 بوصفه السابق نشر على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي مسرحية من تأليفه تحت اسم "ألم المعلم يعلم" تضمنت ألفاظا وعبارات تنتطوي على ازدراء الإسلام والحث على الفتنة الطائفية والإساءة زوجات النبي عليه الصلاة والسلام فهي ثابتة في حقه ثبوتا يقينيا من اعترافه في التحقيقات, وبالاطلاع على نصوص تلك المسرحية فإن الطاعن سلك مسلكًا خطرًا تمثل في أنه أجرى مقابلة ومواجهة بين الديانة الإسلامية والديانة المسيحية وصولا منه أيهما الأصح في الجدال النفسي من خلال بطل المسرحية على النحو ما ورد بها من ألفاظ تعف المحكمة عن تكرارها ويكون ما أرتكبه الطاعن يمثل ازدراء بالدين الإسلامي والمسيحي على السواء بأفكار متطرفة بقصد اثارة الفتنة و التحقير والإساءة لسيدنا عيسى عليه السلام والسيدة مريم البتول، ثم بلغ به الشطط والانحراف بالتجرأ والإساءة إلى رسول الإنسانية وخاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم من خلال التهكم والإساءة إلى أم زينب بنت جحش إحدى زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وابنة عمته أميمه، ثم تناول بالازدراء والاساءة والتجريح أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصّدِّيق رضي الله عنهما وهو ما يضر بالوحدة الوطنية و السلام الاجتماعي.

واستطردت المحكمة أن قرير الفحص العلمي المعد من مجمع البحوث الإسلامية الإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة التابعة للأزهر الشريف أكد بأن المسرحية تشتمل على مخالفات شرعية وحث على الفتنة الطائفية وتتضمن ازدراءاً للإسلام مما يتعين بتره من وظيفته بالفصل من الخدمة خاصة وأن الطاعن سبق أن جوزي بالقرار رقم 252 لسنة 2017 بخصم خمسة عشر يما من راتبه لخروجه عن النص والتلفظ بألفاظ خادشة للحياء، وبهذه المثابة فإن ما اقترفه الطاعن من إثم وثبت في حقه من جرم وهو يتبوأ مركزاً فنياً يحمل فيه رسالة الفن وتقديم الصورة الصالحة للتقدم بهذا المُجتمع يُعد جريمة أخلاقية بالغة الخطورة وعظيمة الأثر، وتُمثل إنحرافاً أخلاقياً يمس السلوك القويم وحُسن السُمعة مما يفقده ليس فقط الاحترام الواجب بين زملائه الفنانين وجمهوره ولكن يفقده أيضاً الصلاحية لأداء واجبات وظيفته فنيا وأخلاقياً، وهذا الفعل ليس له جزاء إلا الفصل من الخدمة، فكان جزاء الفصل جزاءً وفاقاً وعدلاً وقسطاساً ليذوق وبال أمره، وليكون عبرة لمن تسول له نفسُه ارتكاب ما نُسب إليه من مُخالفات.

واختتمت المحكمة أنه لا يغير من ذلك ما ذكره الطاعن بأن ما كتبه ونشره من قبيل حرية الفكر والرأي وأن حرية الفن هي أساس الإبداع, ذلك مردود بأن الفن رسالة ترتقى بالمجتمع وتنهض به وترتقي بوجدان الناس يتناول قضاياهم ومشكلاتهم فيؤثر في وجدانهم بالإيجاب, وعلى عاتق كل فنان مبدع مسئولية كبيرة تجاه وطنه من خلال نوعية ما يقدمه من ابداعات فيكون فنه أداة تأخذ بيد المتلقي إلى آفاق سامية بعيدا عن الابتذال والإسفاف وازدراء المعتقدات والأديان والسخرية من الرموز الدينية والمقدسات, ويجب على الفنانين الموهوبين المبدعين ألا يتخلوا عن مواقعهم تاركين الساحة الفنية لمن حولوا الفن إلى وسيلة لتخريب العقول والطعن في المعتقدات ومخاطبة الشهوات والغرائز لتدمير قيم وأخلاقيات المجتمع.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان