لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

شيخ المنصر استعاد ذاكرته.. مغامرة الأيام الستة لإعادة 12 مليونًا سرقتها "عصابة هايبر"​

10:00 ص الخميس 09 مايو 2019

المتهمون

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - محمد شعبان:

"ايه رأيك نجيب حبايبنا ونخلص من الفقر اللي تعبنا منه؟" سؤال طرحه أب على نجله خلال جلسة جمعتهما بعد عناء يوم عمل طويل يقضيه الابن على مقعد القيادة يجوب الشوارع سائقًا لسيارة نقل أموال شركة يملكها رجل أعمال شهير.

التحق "سعيد" بوظيفته الجديدة منذ شهرين، ولكن للرضا بما قسمه الله له من رزق حلال نصيب بوجدانه، وتعبيرات وجهه التي طالما ارتسمت بملامح التذمر وعدم القناعة، وشكواه المستمرة من الفقر وويلاته خلال جلساته مع المقربين كانت خير فاضح للسان حاله.

يخرج "سعيد" كل صباح في طريقه إلى محل الشركة، يتلقى خط السير الموضوع من مسؤولي التحركات، ثم يقود السيارة رفقة اثنين آخرين، ينطلقون لتغزية ماكينات الصرافة الآلية "ATM" بالأموال.

مطلع الأسبوع قبل الماضي داخل منزل بسيط بشارع السيد البدوي في منطقة شبرا الخيمة في محافظة القليوبية جلس "سعيد" مع والده "م. إ" يبحثان سويًا كيف السبيل للخروج من عنق زجاجة أزمة مالية ألمت بهما. يشكو الابن ضيق الحال وحاجته للمال إلى جانب راتبه الشهري الذي لا يكفي احتياجات المنزل.

لحظات صمت تبدلت معها ملامح الأب انتهت بخروج كلمات من فمه كالرصاص: "إيه رأيك نجيب طقم من حبايبنا في البلد ونسرق عربية الشركة بتاعتك؟" أصيب الابن بوجوم محاولاً استيعاب مع وقع على مسامعه للتو لكنه استعاد وعيه بتكرار نفس الكلمات من فم أبيه بشئ من التفصيل.

استعاد الأب ذاكرة الإجرام -فهو مسجل خطر له سجل جنائي مكتظ بالقضايا- بدأ يفند أوراقه لاختيار شركائه بمساعدة نجله الذي كان يتحسس أولى خطواته في عالم الجريمة، وخلصا إلى الخطوط العريضة لخطتهما وتحديد "ساعة الصفر" قبل أن يلفت الابن نظر والده إلى أن الخزينة مغلقة برقم سري فجاء رده سريعًا "ماتقلقش هنكسرها بعتلة".

صبيحة أحد أيام الأسبوع الماضي انطلق "سعيد" بسيارة الشركة رفقة اثنين آخرين في طريقهم لصرف مبلغ 22 مليون جنيه من أحد البنوك الواقعة بالقرية الذكية انطلقوا بعدها لتغزية ماكينات الصرافة الآلية بمول "هايبر" في مدينة الشيخ زايد. ترجل العاملان يحملان حقائب الأموال ومع عودتهما فوجئا بمغادرة السيارة.

داخل مكتبه كان العميد محمد رسلان مأمور قسم شرطة أول الشيخ زايد يراجع خطة تأمين ساحات المساجد وأماكن التجمع قبيل ساعات من استقبال شهر رمضان الكريم، يقطع تركيزه صوت اللاسلكي بوجود إشارة باختفاء سيارة نقل أموال تابعة لإحدى الشركات يملكها رجل الأعمال "ج. ر".

انطلقت قوة من القسم بقيادة الرائد كريم سمير رئيس المباحث إلى آخر مكان شوهدت فيه السيارة وبتفريغ الكاميرات توالت المفاجآت؛ أولها عدم اقتراب أحد من السيارة، وأن السائق فر بعد لحظات من نزول مرافقيه بالإضافة إلى رصد سيارتين ملاكي "نيسان واسبرانزا" تلاحقان سيارة الشركة لدى توقفها على بعد أمتار من "هايبر".

تتبع رجال المباحث خط سير السيارات الثلاثة فجاءت المفاجأة الأكبر، عُثر على سيارة الشركة بطريق الياسمين في مدخل الحي الـ16 وكسر باب الخزينة واختفى عدد من حقائب الأموال بقيمة 12 مليونًا و800 ألف جنيه، فأيقن الضابط الشاب أنه أمام عمل كبير، ليبلغ مدير المباحث الذي وجه بتشكيل فرق بحث رفيع المستوى يترأسه اللواء مدحت فارس.

بالعودة إلى القسم حديث النشأة، كانت الأوضاع على غير عادتها، حركة الضباط والأفراد في الطابق الذي يحوي وحدة المباحث تشبه خلية النحل، يتوافد عناصر فريق البحث من الأقسام القريبة، يجتمعون لبحث محاور خطة العمل لاسيما وعد قطعه مدير المباحث لصاحب الشركة "ماحدش هيقعد في مكتبه إلا لما فلوسك ترجع".

قسم العميد عاصم أبو الخير رئيس قطاع أكتوبر الضباط إلى مجموعات العمل يترأس كل منها العقداء عمرو حجازي وعلاء فتحي وطه فودة تنوعت مهامهم ما بين تفريغ كاميرات المراقبة وتتبع خط السير والهروب المحتمل، وسماع أقوال العاملين وفحص السائق وعلاقاته.

أسئلة عدة طُرحت على مائدة نقاش فريق البحث عكف رجال الشرطة على حلها بدءًا من الطريقة الغريبة التي غادر بها السائق وسر السيارتين اللاتين لاحقتاه وأخيرًا ترك عدد من الحقائب بالسيارة دون سرقتها.

ساعات قليلة احتاجها رجال المباحث لكشف ملابسات الواقعة، صدقت شكوك الرائد كريم سمير التي اتجهت بأصابع الاتهام إلى السائق "سعيد.إ" لاسيما رصد توقفه بسيارة الشركة بمكان العثور عليها، ومساعدته آخرين كانوا يستقلون السيارتين الملاكي في نقل حقائب الأموال ومغادرته معهم.

جاء الدور على قسم المساعدات الفنية والاستعانة بالتقنيات الحديثة وتتبع هاتف السائق وفحص سجل مكالماته في توقيت ارتكاب الحادث، الأمر الذي كشف هوية شركائه وأضحت الأمور أكثر وضوحًا لدى رجال المباحث بعد تهديد هوية 8 متهمين متورطين في الحادث بينهم العقل المدبر "سعيد" ووالده.

6 أيام من أعمال البحث والمطاردة والمداهمة بحثًا عن الجناة الذين فضلوا الاختباء بعيدًا عن محل إقامتهم المعروف.

جهود الرائد معتصم رزق معاون أول قسم ثالث أكتوبر والنقباء طارق الحمزاوي ومحمد طارق ومحمد فريد، معاونو مباحث قسم أول الشيخ زايد، أسفرت عن ضبط 6 متهمين بحوزتهم جزءًا من المبلغ بعد مطاردتهم في 4 محافظات.

القبض على العقل المدبر ووالده بات الشغل الشاغل لرجال الشرطة، إذ وردت معلومات من مصادر سرية باختبائهما بشقة شقيقة السائق في منطقة المطرية بالقاهرة، حيث تمكنت مأمورية قادها الرائد محمد المسلمي والرائد إبراهيم حسن معاونا مباحث قسم شرطة ثان الشيخ زايد وأفراد المباحث وليد فاروق، إسلام مصطفى، وديع الصافي وحماده محمود من ضبطهما وبحوزتهما 7 ملايين جنيه.

10 ملايين جنيه وعقود تمليك وحدات سكنية وسيارات ملاكي كانت حصيلة المضبوطات التي عُثر عليها بحوزة المتهمين، كما تم ضبط 3 من عملائهم الذين ساعدوهم في تغيير بعض المبالغ بالعملات الأجنبية.

"الحاجة بتاعتك رجعت.. تعالى القسم استلمها" لم يصدق مالك شركة نقل الأموال نص المكالمة التي تلقها من أحد القيادات الأمنية رفيعة المستوى، جُن جنونه من الفرحة بعدما فقد الأمل في استعادة "شقى عمره" لكنه ألح في معرفة إجابة سؤال يدور في ذهنه "هما ليه سابوا باقي الفلوس في العربية؟" فأخبره أحد أعضاء فريق البحث بما جاء على لسان أحد المتهمين "خدوا اللي قدروا عليه لأنهم مقدروش يشيلوا باقي الشنط".

مع شروق الثالث من رمضان أسدل رجال المباحث الستار على واحدة من أهم القضايا التي وقعت خلال الآونة الأخيرة، وسط إشادة من مدير أمن الجيزة بالجهود المبذولة موجها الشكر لعناصر فريق البحث الذين أوفوا بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم منذ اللحظة الأولى لتلقي البلاغ.

فيديو قد يعجبك: