لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"شيماء" ارتاحت على "شريط القطر".. حكاية ضحية مترو ساقية مكي

08:31 ص الأحد 03 فبراير 2019

منزل أسرة شيماء

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد شعبان:

"يلّا نلحق نصلي العشاء الدنيا هادية".. حوار مقتضب دار بين مجندي شرطة مُكلفين بخدمة محطة مترو ساقية مكي مساء الجمعة، طالب أحدهما الآخر بانتهاز فرصة استقرار الحالة الأمنية على الرصيف المتجه إلى شبرا الخيمة، ثم تنامى إلى مسامعهما صوت صراخ تزامنا مع دخول القطار رقم 308 المحطة ليقطع المجندان صلاتهما؛ إذ اكتشفا جثة سيدة مبتورة الذراع تحت عجلات القطار.

منذ 11 عامًا، نشأت علاقة عاطفية بين "شيماء" وجارها "رمضان"، تعلق قلب الفتاة بـ"ابن الجيران" الذي اتخذ وعائلته عقارا بمنطقة ساقية مكي كمحل إقامة جديد بعدما غادروا مسقط رأسهم بمركز الصف جنوب محافظة الجيزة.

لم يتردد سائق السيارة النقل في التقدم لخطبة جارته، الطلب قوبل بترحاب شديد من أسرتها، وسرعان مع عُقد قرانهما في حفل عائلي اتسم بالبساطة بحضور الأهل والأصدقاء المقربين، واستقر الحال بالزوجين في شقة مستأجرة بنفس المنطقة.

رُزق الزوجان بـ"حبيبة" تلتها بعامين "تقى" وبعد نفس المدة ارتفع عدد أفراد الأسرة إلى 6 بميلاد "محمد" وتوأمه "شروق"، وكان "رمضان" يعمل ليل نهار لتوفير احتياجات أطفاله لكن ثمة أزمة دبت في عائلته مع أخرى، عصفت باستقرار حالته المادية وأسرته على حد سواء.

رويدا رويدا، عرفت المشكلات طريقها إلى عش الزوجية وعادة ما تنتهي بتدخل الأهل أو الجيران أملا في الحفاظ على عقد الأسرة قبل أن تنفرط حباته، إلا أن تغير طباع الزوج مثلت ضغوطا كبيرة على "شيماء" لاسيما مع تحملها مسؤولية تربية أطفالها الأربعة مع تواجد "رمضان" خارج المنزل لساعات طويلة.

منذ نحو عامين، وصل قطار حياة الزوجية لمحطته الأخيرة، لم تحتمل "أم العيال" سوء معاملة الزوج لها التي تصل للإهانة أحيانا، لتنتهي قصة حبهما بالطلاق مع استمرار إقامتها وأطفالها في نفس الشقة وتحملها 700 جنيه قيمة الإيجار الشهري.

قررت الأم البحث عن عمل تجني من ورائه مبلغا ماليا يعينها على تلبية احتياجات أبنائها، فراحت تعمل بـ"نصبة شاي" في ميدان المنيب، قبل أن يستقر بها الحال في مشغل لأعمال الخياطة في المنطقة ذاتها مقابل 800 جنيه شهريا لكن غلاء الأسعار أثقل كاهلها بالديون ما دفع مالك الشقة لطردها بسبب عدم دفعها الإيجار أشهر متتالية.

"تعالي يا بنتي اقعدي معانا وسط إخواتك" امتثلت ابنة الـ32 سنة لحديث والدها "حمدان فرج" الذي يعمل بكافتيريا، وعادت إلى منزل أسرتها في شارع أحمد سليم لتزداد مسؤولياتها، في ظل تردي الحالة الاقتصادية للأسرة حتى إن شقيقها "محمود" يعمل كسائق توك توك رغم إصابته بعجز في القدمين للمساهمة في توفير احتياجات المنزل.

صبيحة كل يوم، تتوجه "شيماء" إلى محل عملها بمنطقة المنيب، تقضي ساعات النهار أمام ماكينة الخياطة لتعود في تمام الثامنة مساء، إلا أنها تلك الليلة "خرجت ولم تعد".

مساء أول أمس الجمعة، شعر عم "حمدان" بانقباض في صدره أثناء مباشرته عمله، تلقى بعدها اتصالا من رقم ابنته الكبرى "شيماء" لكن المتحدث كان شخصًا آخر: "إنت والد شيماء.. لازم تيجي محطة مترو ساقية مكي بسرعة علشان هي تعبانة"، فاتصل بزوج ابنته "هاني" طالبه بسرعة التوجه إلى محطة المترو.

طوال الطريق من محل عمله إلى منطقة ساقية مكي، أجرى الأب عدة اتصالات محاولًا الوقوف على ملابسات الأمر، والاطمئنان على ابنته حتى أخبره أحد الجيران: "البقاء لله.. بيقولوا إنها وقعت قدام القطر" ليفقد معها الرجل الخمسيني النطق للحظات حاول خلالها استيعاب ما تلقاه للتو.

على بعد أمتار من مجرى نهر النيل بشارع البحر الأعظم، كان المقدم مصطفى كمال، رئيس مباحث قسم الجيزة، يطمئن على انتظام الخدمات المعينة على الكنائس والمنشآت الحيوية ليبدأ بعدها في فحص أوراق قضية قيد التحقيق، يقطع تركيزه صوت جهاز اللاسلكي بورود بلاغ بسقوط سيدة أمام قطار المترو بمحطة ساقية مكي.

في توقيت متزامن، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، صورة بجودة ضعيفة التقطت لجثة سيدة مبتورة الذراع مسجاة على ظهرها برصيف محطة مترو الساقية.

دقائق قليلة مرت على انتشار الصورة عبر صفحات السوشيال ميديا، حتى خرج أحمد عبد الهادي بكير المتحدث باسم الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو ببيان صحفي، ذكر فيه أنه أثناء قدوم القطار رقم (308) بالخط الثاني بمحطة ساقية مكي، فوجئ قائده بإلقاء سيدة عشرينية نفسها أمام القطار، ما تسبب في بتر ذراعها ومصرعها في الحال، لافتا بأنه تم رفع الجثة وتحرير محضر بالانتحار لعرضه على النيابة العامة.

وجاء في تحريات مباحث الجيزة أن الجثة لسيدة مطلقة تدعى "شيماء حمدان" 32 سنة، وأنها أقدمت على الانتحار بسبب مرورها بضائقة مالية، ولا توجد شبهة جنائية في الوفاة، وتم نقل الجثة إلى مشرحة مستشفى أم المصريين.

بالعودة إلى شارع أحمد سليم -محل إقامة المتوفاة- الذي اتشح بالسواد حزنا خاصة أنها كانت تتمتع بحب واحترام الجميع ليؤكد صاحب محل بقالة: "دي ست بـ100 راجل شافت كتير.. الله يرحمها" وتلتقط منه جارة طرف الحديث مشيدة بدماثة خلقها: "عمرها ما عملت مشكلة.. صوتها ما كنش بنسمعه"، مناشدة المسؤولين مساعدة تلك الأسرة ماديا.

لم يقوَ والد شيماء على مغادرة منزله، آثار الصدمة التي تلقاها لا تزال حاضرة، يجلس شارد الذهن متنقلا ببصره بين أرجاء الشقة بينما يمر أمام عينيه شريط الذكريات منذ مولد ابنته الكبرى وطفولتها والتحاقها بالمدرسة حتى زواجها، بينما التزم أطفال المتوفاة الصمت في محاولة لاستيعاب الفاجعة التي ألمت بهم.

ويرى "محمود" أن شقيقته لم تقدم على الانتحار، وزوج شقيقتهما "هاني" الذي روى تفاصيل مختلفة عما جاء في تحريات المباحث وبيان المتحدث باسم المترو بالتأكيد على أنها أصيبت بحالة إعياء شديدة بسبب الإرهاق، وسقطت مغشيا عليها بالرصيف بقوله: "موضوع الإغماء حصلها قبل كده"، مطالبا بانتظار نتيجة تقرير الطبيب الشرعي، بعدما أمرت النيابة بتشريح الجثة؛ إذ حضر العشرات من أقاربها لتسلم الجثمان لدفنه.

فيديو قد يعجبك: