"نصف الكفالة للقضاة".. تشريع يثير جدلا في ميزان "العدالة" (تقرير)
كتب- محمود السعيد وطارق سمير:
أثارت موافقة اللجنة التشريعية لمجلس النواب على المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية بشأن تخصيص "نصف كفالة" إخلاء السبيل لصالح صندوق رعاية القضاة جدلًا كبيراً؛ ففي الوقت الذي رفض نادي القضاة المادة بصيغتها الحالية، هاجمها عدد من المحامين، فيما أكدت تشريعية النواب موافقة وزارة العدل عليها.. "مصراوي" استطلع آراء أطراف الأزمة في التقرير التالي.
تنص المادة المستحدثة بالقانون على أنه "يجوز تعليق الإفراج أو إنهاء التدبير في غير الأحوال التي يكون فيها واجبًا حتمًا على تقديم كفالة، ويقدر عضو النيابة أو القاضي الجزئي حسب الأحوال مبلغ الكفالة، ويخصص نصف مبلغ الكفالة –حال مصادرتها- لصندوق رعاية القضاة، ليكون جزاء تخلف المتهم عن الحضور في أي إجراء من إجراءات التحقيق والدعوى والتقدم لتنفيذ الحكم والقيام بكافة الواجبات الأخرى التي تفرض عليه، ويخصص النصف الآخر للمصاريف التي صرفتها الحكومة".
بدايةً، أوضح النائب أحمد حلمي الشريف، وكيل اللجنة التشريعية بمجلس النواب، أن المادة 134 إجراءات جنائية، مادة مستحدثة من اللجنة التشريعية للمساهمة في حل معاناة صندوق رعاية القضاة المالية في الآونة الأخيرة، مؤكدا أن المادة تختص بموضع "الكفالة" حال مصادرتها لأسباب قانونية.
وقال "حلمي"، في تصريحات خاصة لمصراوي، إن الكفالة التي تتم مصادرتها من المتهمين كانت تؤول من قبل إلى خزانة الدولة، أمّا بعد إضافة المادة فستؤول نصف الكفالة إلى صندوق رعاية القضاة، ولا يمس ذلك حياد القضاة واستقلالهم.
ولفت إلى أن مجلس النواب خاطب وزارة العدل، وحضر أحد مساعدي وزير العدل أثناء مناقشة المادة، ووافقت عليها الوزارة، كما وجه الأخير الشكر للمجلس على استحداث المادة، واصفًا خطاب رفض نادي القضاة للمادة بقوله "دول بيدوروا على شو إعلامي".
وأرجع النائب نبيل الجمل، وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، مخاطبة المجلس لوزارة العدل للمناقشة بشأن استحداث المادة 134 وليس نادي القضاة، باعتبار الوزارة ممثلة لجميع القضاة، ونوَّه إلى أن المادة قيد "اللمسات الأخيرة" ولم تقر نهائيًا وسيعاد مراجعتها مرة أخرى.
ورفض نادي القضاة برئاسة المستشار محمد عبدالمحسن، في خطاب -حصل مصراوي على نسخة منه- إلى مجلس النواب نص المادة طالبًا منه تدارك هذا النص الذي "يضع بصياغته القضاء المصري في مواطن الشبهات"، معربًا عن أمنيته في أن يحفظ مجلس النواب الحقوق المالية المشروعة الثابتة للقضاة بما لا ينال من هيبة القضاء وكرامته.
وأرجع مصدر قضائي بنادي القضاة، سبب العجز المالي في صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للقضاة، إلى فترة تولي قضاة الإخوان مناصب مجلس إدارة نادي القضاة، حينما سحبوا "الوديعة البنكية" التي كانت فوائدها تغطي حاجات الصندوق، وأرفقوها ضمن ميزانية الدولة، مضيفًا أنه منذ تلك الفترة ظل بدل "علاج القضاة" يُصرف من ميزانية الدولة فزاد من أعبائها.
أضاف المصدر -فضل عدم ذكر اسمه- لمصراوي، أنه حتى بعد انقضاء تولي قضاة الإخوان (قضاة من أجل مصر) مناصب النادي، ظلت تكاليف صندوق "الرعاية الصحية والاجتماعية" للقضاة تنفق من ميزانية الدولة حتى الآن.
ورجَّح المصدر عدم الاستمرار في مناقشة مشروع القانون، بعد الرفض الواضح من قبل نادي القضاة الذي يمثل قضاة مصر، منوهًا إلى أن مجلس النواب في حال إقراره القانون والموافقة عليه نهائيًا في الجلسة العامة، سوف يتناقشون في مشروع قانون جديد لتوفير موارد لـ"صندوق القضاة"، وإنهاء أزمته.
"عبث تشريعي"، هكذا ووصف المحامي الحقوقي، نجاد البرعي، وضع المادة 134 بقانون الإجراءات الجنائية من الأساس، لافتًا إلى أن الكفالة هي ضمان مالي، لإلزام المفرج عنه بأن يحضر جلسات التحقيق والمحاكمة وفي حالة تخلفه دون عذر، تصادر المحكمة الكفالة المالية وتؤول إلى الموازنة العامة للدولة التي تقرر مصادر صرفها.
وقال البرعي في تصريحات لمصراوي، إن قانون الإجراءات الجنائية لا يملك تخصيص الكفالات لصندوق رعاية القضاة ويجب أن تؤول لمصدرها الرئيسي "الموازنة العامة"، أمَّا أن يتم تخصيص نصفها للقضاة فهي بمثابة "رشوة بالقانون"، لافتًا أن الكفالة تُصادر بقرار من المحكمة في منطوق حكمها.
واتفق المحامي ياسر سيد أحمد مع "البرعي" في رفضه لمادة "تخصيص نصف الكفالة لصندوق القضاة"، قائلًا: "يفتح مجالًا للشك في ذمة القضاة، وذلك لا يجوز مطلقًا، باعتبار أن كل متقاضِ (المتهم) يصدر قرار بسداده كفالة مالية، ستكون أمواله تنفق على القضاة وهذا غير جائز".
وأضاف ياسر لمصراوي، أن تخصيص نصف نفقات الكفالة للقضاة سيكون في مصلحتهم، ووفق مبادئ العدالة لا يجوز أن يكون لأي قاضي مصلحة خلال عمله، مشيرًا إلى أن الكفالة ليست عقوبة يقضى بها إنما هي قرار إجرائي للإفراج عن المتهم لحين صدور حكم بحقه
وأكد أنه سواء حصل المتهم على حكم قضائي أو براءة خلال محاكمته لابد أن يسترد كفالته باعتبارها ليست عقوبة من الأساس، موضحًا أن في حالة مصادرتها تُصبح غرامة واجبة النفاذ، وطالب بضرورة إيضاح آليات مصادرة الكفالة لعدم وضوحها في مشروع القانون، لأنه وفق المادة بشكلها الحالي تصبح الكفالة عقوبة دون صدور قانون بذلك.
يذكر أن اللجنة التشريعية لمجلس النواب وافقت في 11 فبراير الماضي على المادة المستحدثة 134 بقانون الإجراءات الجنائية بشأن "تخصيص نصف الكفالة المصادرة إلى صندوق رعاية القضاة"، ومن المقرر أن تحال المادة إلى مجلس الدولة لمراجعتها وإبداء ملاحظاته عليها –غير ملزمة للمجلس- قبل أن تعرض على الجلسة العامة لإقرارها ومن ثمَّ التصديق عليها من رئيس الجمهورية.
فيديو قد يعجبك: