"مصراوي" عند منزل الشاب المنتحر بالجيزة.. الفقر والاكتئاب مهّدا الطريق
كتب - صابر المحلاوي وطارق سمير:
داخل شارع صغير مطل على طريق المحور، بمدينة الأمل في إمبابة، الإضاءة خافتة، البيوت متشابهة، جدرانها جديدة، الأبواب مغلقة، الشارع خالٍ من المارة، أمام منزل سكني صغير يخيّم عليه الحزن، أحبال ضوئية تنير موقع الجالسين أسفالها بالرداء الأسود، غارقين في دموعهم، لفراق شاب عمره 29 عاما، بعدما أقدم على الانتحار لظروفه النفسية البائسة.
"مصراوي" انتقل إلى موقع الجريمة التي ذاع صيتها بمساكن شارع أبو بكر الصديق، للوقوف على دوافع الشاب المنتحر.
تناثرت الأسباب حول انتحار محمد بين " "فقره وحالته النفسية ومرضه"، وهو ما نفاه شقيقه في حديثه لمصراوي، حيث يرى أحمد محمود أن السبب الرئيسي وراء تلك الواقعة هو حزنه الشديد على وفاة والده ووالدته، بسبب تعلقه الشديد بهما، ما أصابه بحالة من اضطرابات الشخصية، وأصبح "انطوائي" وكثير الشكوى لأضعف الأسباب.
شقيقي "محمود" كان حاصلًا على بكالوريوس خدمة اجتماعية، ويبلغ من العمر 29 عامًا، التحق بالعمل بشركة "تي داتا"، بعدما ترك عدة مناصب بشركات أخرى، يقولها "أحمد" وعيناه حزينتان، موضحًا أن شقيقه عقد قرانه منذ 3 أسابيع من ابنة خالته، القاطنة في سوهاج.
وأكمل أحمد حديثه "أبونا مات في 2005، وأمنا ماتت في 2013، ومن وقتها وهو في حالة نفسية سيئة، ترك الحياة خلفه، ولا يعد يهمه شيئا، ولم يكن مستقرا في حياته، مرض جسده، وكان دائم الشكوى من ألم بقدميه".
يتذكر "محمود" يوم الواقعة وجبينه منكمشًا: قبل الحادثة بيوم قال لي محمود أنه سيذهب لطبيب من أجل معالجة قدمه، لأجاوبه بأنها ليست مصابة، وأن ما به "هلاوس" وأنه بخير، ولدينا موعد مع الطبيب المتابع معه يوم الأربعاء".
في صباح اليوم التالي، الثلاثاء، ذهبت لعملي، وحاولت الاتصال به لكنه لم يجب، وبعد الانتهاء من العمل هرولت إلى المنزل، خاصة أنني تركته في حالة مٌزرية، ترجلت إلى شقته طارقًا الباب لكنه لم يجب، استخدمت نسخة المفتاح الخاصة بي من أجل الاطمئنان عليه، وأثناء دخولي لغرفته، وجدته معلقًا بالسقف بملاية السرير، صرخت قائلًا "حرام عليك عملت كده ليه"، محاولًا إنزاله لكنني لم أستطع، جاءت زوجتي بعدما سمعت صراخي وساعدتني في إنزاله، وكان صوتنا يملأ الحي بأكمله حتى تجمع الجيران، وأبلغوا الشرطة".
وقال عادل مطاوع، عامل بإحدى الورش المجاورة لمنزل الواقعة، إنه رغم أن المدينة منطقة شعبية وصغيرة لكن لا أحد يعرف الآخر هنا، ولا يوجد اختلاط بين الجيران "الناس هنا ما تعرفش بعض وكل واحد في حاله، الكل بيقفل بابه على نفسه، وماحدش بيتدخل في حياة التاني".
وأشار الجار الأربعيني، خلال حديثه، إلى أن أسرة المنتحر جاءت لحي الأمل منذ عامين، وبنوا المنزل وسكنوا به منذ عام تقريبا "الناس دي في حالها ومحدش سمع عنهم حاجة وحشه ومحترمين وملتزمين".
"الدنيا مليانة مصايب يا بيه، والفقر بيضيع حلم شباب كتير، أنا مش مندهش إني أسمع بانتحار شاب، لأني مريت بالأصعب منها بعدما فقدت أختي وأخويا بنفس الموقف والسبب الفقر"، يقولها عادل بغضب.
لم يكن حال عادل مطاوع بأفضل من شقيق الشاب المنتحر بأي حال من الأحوال، وبمحض الصدفة يتذكر حياته البائسة وسط أسرته التي كانت تتكون من 5 أفراد، شابان وشقيقاته ووالدته، موضحًا أنهم كانوا يقطنون داخل حجرة من الطابق السفلي بأحد البيوت بشبرا، وبسبب ظروف الحياة أقدم شقيقه الأكبر بشنق نفسه لصعوبة الحياة وقلة المال "أخويا موّت نفسه بعد يأسه من الحياة".
وبعد زواج شقيقته وصعوبة الحياة معها ومع زوجها، كثرت الديون بين الجيران والمحلات وسكن المنزل أقدمت الأخرى بالانتحار بحرق نفسها "الحياة صعبة ومعرفتش تعيش مديونة للناس"، يقولها "مطاوع" بحزن.
تلقى قسم شرطة إمبابة بلاغًا من الأهالي يفيد انتحار شخص شنقا في شقته بإمبابة، وبالانتقال والفحص عثر على جثة "محمد محمود، موظف بخدمة العملاء بشركة "تي داتا"، مسجاة بأرضية غرفة نومه، وبه آثار إحمرار حول الرقبة، ولا توجد ثمة إصابات ظاهرية، وأمر اللواء هشام العراقي بتحرير محضر بالواقعة والعرض على النيابة، ثم قررت دفن الجثة.
فيديو قد يعجبك: