لهذه الأسباب.. قضت المحكمة بحبس فاطمة ناعوت 6 أشهر مع إيقاف التنفيذ
كتب – محمود السعيد:
أودعت محكمة جنح مستأنف قصر النيل، اليوم السبت، حيثيات حكمها القاضي بتخفيف حبس فاطمة ناعوت من 3 سنوات إلى 6 أشهر مع إيقاف التنفيذ بتهمة "ازدراء الأديان".
صدر الحكم برئاسة المستشار حسين جهاد وعضوية المستشارين محمود شعبان وعصام عمار.
وقالت المحكمة، إنه بعد الاطلاع على أوراق وقائع الدعوى والتي تبين أن المتهمة فاطمة ناعوت، دونت عبارات تحتوي مجملها ازدراءًا للدين الإسلامي، فهي حقرت من سنة مؤكدة وهى شعيرة الأضحية معتبره إياها شهوة دموية كشهوة القتل عند بعض المجرمين، وأنها استنكرت حدوثها من الأساس، كما أنها تقولت على الله كذباً من خلال إنكارها أن ما وقع لنبي الله ابراهيم من رؤيا صالحة بتوصيفها أنه "كابوس"، وقالت أن الأضحية تعتبر شهوة نحر وسلخ.
وأضافت المحكمة، أن حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى الدستور، إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه.
فإذا ما تبين أنه كان يبتغي بالجدل الذي أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد، مشيرة إلى أن جريمة استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة المنصوص عليها في المادة (98 و) من قانون العقوبات تتطلب لتوافرها ركناً مادياً هو الترويج أو التحبيذ بأية وسيلة لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين وآخر معنوياً بأن تتجه إرادة الجاني لا إلى مباشرة النشاط الإجرامي وهو الترويج أو التحبيذ فحسب ، وإنما يجب أن تتوافر لديه أيضاً إرادة تحقيق واقعة غير مشروعة وهى إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية.
واستدلت المحكمة في اسباب حكمها علي العبارات التى نسب فيها للمتهمة طعناً وازدراء لإحدى شعائر الدين الإسلامي "شعيرة الأضحية" إنما جاءت فى سياق التدوينة فلا يجوز انتزاعها من موضعها والنظر إليها منفصلة وإنما الواجب النظر اليها في مجمل السياق بتقديرها بشكل سليم وبذلك يمكن الوقوف على قصد المتهمة منها وتقدير مسئوليتها تقديراً صحيحًا.
ولما كانت المتهمة قد أقرت بتسطير التدوينة محل الاتهام وأنها تقدمت ببيان عما بدر منها لتبرر ما كتبته، إلا أن ما جاء بالتدوينة وما تلاه من بيان يحملا بين طياتهما التأكيد على أفكارها المتطرفة والإصرار عليها، وبدا ذلك واضحًا بأن المتهمة قد تناولت سنة الأضحية بشيء من الاستخفاف، وفي أحيان أخرى بنوع من التعالي لإبراز فكرتها بأنها شخصيًا لا تطيق قتل أي كائن.
واستندت المحكمة في أسبابها على أن المتهمة كاتبة صحفية وشاعرة، تمتلك ناصية الكلام وبلاغته، وجب عليها أن تتحسب وتتحسس مواضع ألفاظها أكثر، حين يتعلق الأمر بإحدى الشعائر الدينية، وذلك ليس منعًا لها من التعرض لمثل هذا الأمر، أو الحجر علي إبداء كامل رأيها بحرية في أي شأن من شئون دينها.
وأكدت المحكمة الدين الإسلامي ليس حكراً على أحد، ولا على طائفة محددة، إنما وجب على أي إنسان يتعرض لشيء من الشريعة الإسلامية، أن يتناولها بشيء من الجدية، وبألفاظ واضحة منتظمة لا لبس فيها، ولا يُضمنها إلي ممازحة أو أي شئ من هذا القبيل احتراماً لجلال قدسيَته، فقد وصفت المتهمة ذبح الأضاحي، بأكبر مذبحة يرتكبها الإنسان.
وفي تلك اللفظة وما جاء في سياقها ما يوحي بتجبر الإنسان وظلمه وتخليه عن الرحمة في مواجهة كائنات أدنى منه، وذلك بقتلها، وأن ذلك يحدث سنوياً بسبب كابوس باغت أحد الصالحين فهنا شبهت رؤيا نبى الله إبراهيم عليه السلام بالكابوس مما يدل على أن ذبح الأضحية هى عادة يباشرها المسلمون بسبب "كابوس" وهو عندما يذكر فى سياق التدوينة فالمعنى المقصود منه أنه أمر سوء.
فكيف يثني الله على سيدنا إبراهيم عليه السلام في تصديقها عندما قال تعالى "وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا" فهى رؤيا من الله عز وجل اختص بها نبي الله إبراهيم ليبتليه ويختبره وهنا صورتها المتهمة بالكابوس، ثم أعقبتها بعبارات تؤكد ذلك المعنى "كون تلك المخلوقات بريئة لا ذنب لها"، أي أن الإنسان يظلمها ويعذبها بذبحها.
واستندت المحكمة كذلك إلى أن المتهمة استرسلت بأن المضحي يهرق دماؤها دون جريرة، إرضاءً لشهوته في النحر والسلخ أي أن المسلمين فى اتباعهم لملة أبيهم إبراهيم عليه السلام مروراً بسيد الخلق سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – إنما ينحرون الأضاحي إرضاءً لشهوتهم فى النحر والسلخ، مؤكدة على ذات المعاني وتسير في نفس السياق، واصفة مدى تجبر الإنسان ودمويته.
وجعلت مجرد رؤية الدماء وقتل الأنعام هو هدف للإنسان المضحي يسعى إليه، وواصلت تهكمها لقرائها، بألفاظ مضمونها "هيا أيها الشجعان المقدامين الذين لا يزعجكم مشاهدة الدماء تابعوا ذبح تلك الكائنات الضعيفة، ولا تنتظروني على مقاصلكم" وهنا تأكيد على ذات المعنى من تجبر الإنسان وكأنه يقوم بإعدام أضحيته كما يُعدم القتلة والمجرمين على المقصلة واختتمت ذلك بقولها أنها لن تشاركهم ذلك وستكتفي بصحن من السلاطة وقد اختلطت ولامست تلك المعاني والألفاظ والمداعبة، شعائر استقرت في صميم صحيح شريعة الدين الإسلامي.
وتغافلت أن ذبح الأضحية مقصود به شكر الله تعالي علي نعمة الحياة، كما شكر نبي الله إبراهيم ربه بذبح الكبش العظيم لبقاء حياة ابنه إسماعيل، وأنها من السنة المؤكدة في الدين الإسلامي بل هى في الأساس للتعبد بإراقة الدم وإطعام الفقراء باللحم الذي حرموه أكثر أيام العام.
واستخلصت المحكمة أن ما ذهبت إليه المتهمة من عدم إتيانها اللحوم صونًا منها لحقوق الحيوان منعًا لتألمها حال ذبحها، فهذه قناعتها الشخصية لا راد لها أو معقب على ذلك، ولكن عليها أن تحترم حقوق الآخر المخالف لها، ولا تتعرض له بالغمز تارة وباللمز تارة أخرى، خاصة وإن تعلق الأمر بسنة نبوية مؤكدة، قررت هي ذاتها أن تؤمن بها وتحترمها.
وشبهت المحكمة المتهمة مثل اللذين نزلت فيهم الآية الكريم قال تعالى " وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ" فكان لزامًا عليها ألا تنشر تلك الأفكار التى من شأنها احتقار تلك الشعيرة والدعوة إلى ذلك بالترويج لها بالكتابة عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي.
فالمتهمة بذلك قد أباحت لنفسها أن تخلط بين الدين والرأي الشخصي فالأخير قابل للتغيير والنقض والشك والإنكار أما الدين فهو مقدس معصوم من إنكار المنكرين وطعن الطاعنين.
وأبدت المحكمة مدي اطمئنان يقينها من توافر القصد الجنائي للجريمة بشقيه العام والخاص من خلال علم المتهمة بمقاصد العبارات التى ساقتها فى تدوينتها محل المحاكمة لكونها تمتلك ناصية الكلام وبلاغته بحكم مهنتها كأديبة وشاعرة وكاتبة صحفية مما يمكنها من الوقوف على مقاصد العبارات ودلالاتها اللفظية فى سياق التدوينة، فضلاً عن رفضها فكرة القتل عموماً للإنسان والحيوان والنبات ودعماً لهذا الفكر سعت بما اقترفته من جرم إلى تحقيق هدف غير مشروع ألا وهو حث الجمهور من قارئ التدوينة على بغض شعيرة الأضحية والانصراف عن القيام بها، وقد اختارت لتحقيق هذا الهدف الوقت المناسب قبيل عيد الأضحى المبارك والذي يقوم فيه القادر من المسلمين بنحر الأضحية شكراً لله تعالى، كما استخدمت الوسيلة المناسبة التى من خلالها تستطيع نشر تلك الأفكار المتطرفة والوصول بها إلى قطاعٍ عريضٍ من جمهور مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت المحكمة غن المشرع خول لها سلطة تقديرية تمنحها الحق في تعديل العقوبة الملقاة على المتهمة حال استئنافها، وقد رأت ضرورة الإبصار بعين الرأفة والرحمة والنزول بالعقوبة المعارض فيها استئنافياً إلى الحد الذي يتناسب مع ما اقترفته من جرم مما يتعين معه على المحكمة والحال كذلك القضاء بتعديل الحكم المعارض فيه استئنافيًا والاكتفاء بحبس المتهمة ستة أشهر مع الشغل عملاً بنص المادة 98 (و) من قانون العقوبات والمادة 304/2 من قانون الإجراءات الجنائية.
وأشار إلى ان نص المادتين 55 و56 من قانون العقوبات، خولا للمحكمة بأنه عند إصدارها الحكم فى جنحة بغرامة أو حبس مدة لا تزيد عن سنة أن تأمر فى نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة.
فيديو قد يعجبك: