شهادات مروعة حول "الاغتصاب الجماعي" والنقص الحاد في الغذاء في إقليم دارفور
السودان
بي بي سي
"تعرضت ابنتي التي تبلغ من العمر 23 عاماً لاغتصاب جماعي أمام أعيننا، وفقدت طفلتي الأخرى ذات الأربع سنوات، وابني الذي يبلغ 28 عاماً، خلال القصف العشوائي"، هكذا روت الأم ريهام، وهو اسم مستعار، لبي بي سي عربي، جانباً من شهادتها حول الأوضاع في إقليم دارفور، منذ تجدد القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023.
لم يكن التواصل مع أهالي دارفور أمراً يسيراً، وخاصة في ظل انقطاع شبه كامل للاتصالات، وشبكات الإنترنت، باستثناء شبكات قليلة جداً تعمل عبر الأقمار الاصطناعية، وتتوفر بالكاد في بعض مناطق الإقليم، وفي أوقات محدودة جداً.
وقد رفض بعض الأهالي الذين تواصلنا معهم الحديث إلى بي بي سي، خوفاً على حياتهم، واشترط البعض الآخر عدم الكشف عن هويته.
وحدثتنا ريهام بعد أن اضطرت للنزوح من مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، إلى أحد معسكرات النزوح، قائلة: "جاء شخصان مسلحان، يرتديان ملابس الدعم السريع، واقتحما منزلنا، وتناوبا على اغتصاب ابنتي الكبرى".
واستطردت الأم قائلةً وهي تحبس دموعها: "مع الأسف، لم يتمكن أحد من إنقاذها، لأنهما كانا يحملان السلاح، ويهددان بقتل أي شخص يحاول أن يصرخ".
وأضافت الأم بصوت حزين: "عندما غادر الرجلان المنزل، أخذت بناتي الأربع، وهربنا على الفور. كنا نخاف بشدة من عودة المسلحين لاقتحام منزلنا مرة أخرى. ولم نتمكن من حمل أي شيء معنا".
وروت ريهام المزيد عن رحلة هروبها المحفوفة بالمخاطر: "اضطررنا للمشي على أقدامنا لنحو خمس ساعات متواصلة طوال الليل، وفي طريق غير آمنة بالمرة، وكنا نشعر بخوف شديد من أن نسقط في أيدي المسلحين، حتى وصلنا إلى معسكر النزوح في الساعة الثانية صباحاً. كنت أصطحب معي بناتي اللاتي تبلغ أعمارهن 7 أعوام، و12، و19، و23 عاماً".
وتابعت الأم بعد أن توقفت عن البكاء: "اصطحبت ابنتي التي تعرضت للاغتصاب إلى الطبيب، للتأكد أنها ليست حاملاً، وذلك فور وصولنا إلى معسكر النزوح".
وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول عام 2024، نشر موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة تقريراً للجنة تقصي الحقائق الأممية بشأن العنف في السودان، جاء فيه: "إن قوات الدعم السريع في السودان... مسؤولة عن ارتكاب عنف جنسي على نطاق واسع أثناء تقدّمها في المناطق التي تسيطر عليها، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، وخطف واحتجاز ضحايا في ظروف ترقى إلى مستوى الاستعباد الجنسي".
وقال محمد شاندي عثمان، رئيس البعثة الأممية لتقصي الحقائق: "لقد أذهلنا النطاق المهول للعنف الجنسي الذي نقوم بتوثيقه في السودان. إن وضع المدنييّن الأكثر حاجة، ولا سيما النساء والفتيات من جميع الأعمار، يبعث على القلق الشديد ويتطلّب معالجة عاجلة".
ورغم أن التقرير "وجد أن معظم حالات الاغتصاب والعنف الجنسي ارتكبتها قوات الدعم السريع، بالتحديد في ولايات الخرطوم الكبرى، ودارفور، والجزيرة"، وفقا لموقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
وتنفي قوات الدعم السريع باستمرار ارتكاب مثل هذه الجرائم.
"ذبح المواطنين، والاغتصاب الجماعي"
أحمد عاصم، وهو اسم مستعار لأحد الناشطين في تقديم المساعدات في معسكرات النزوح في دارفور، تحدث إلينا عن الاعتداءات التي وثقها بنفسه، ويقول: "كان أصعب ما شهدته بنفسي هو ذبح المواطنين المدنيين، وتمزيق أحشائهم على الملأ، والاغتصاب الجماعي للفتيات، واستعبادهن جنسياً".
وأضاف عاصم أنه وثق بنفسه ثلاث حالات اغتصاب جماعي مروعة وقعت على بعد خمسة كيلو مترات من معسكر "كلمة" للنازحين، جنوبي دارفور، وأنه لم يستطع توثيق جميع الحالات "لحساسية الوضع من الناحية الاجتماعية، ولطبيعة الجريمة وتفاصيلها المروعة من ناحية أخرى".
وأوضح أن وثق حالتين لامرأتين تبلغ إحداهما 31 عاماً، والأخرى 36 عاماً، مضيفاً أنهما خرجتا مع مجموعة من النساء لجمع القش من خارج المعسكر، كوسيلة لكسب الرزق، وعادة ما ينمو القش في المناطق النائية أو البعيدة، لذلك ذهبت النساء إلى منطقة تقع غرب معسكر "كلمة" للنازحين، لكنهن تعرضن لهجوم من مسلحين على ظهور الإبل والدواب، "وتمكنت بعض النساء من الفرار، بينما وقعت هاتان السيدتان في أيدي المسلحين، وتعرضتا للضرب، والاغتصاب الجماعي".
وأضاف أن الحالة الثالثة كانت لسيدة تبلغ 27 عاماً، كانت قد ذهبت مع أطفالها للعمل في إحدى المزارع شمالي معسكر "كلمة"، إلا أن "ثلاثة أشخاص، بينهم مسلحان، كانوا يستقلون دراجات نارية، هاجموها وتناوبوا على اغتصابها".
كما يقول عاصم إنه وثق أيضا "هجوماً لمسلحين على قرى في منطقتي بروش، وجبل حلة شمالي دارفور، والذي أدى لمقتل 77 شخصاً قبل نحو ثلاثة أسابيع". وأشار إلى أن ذلك الهجوم وقع "عندما رفض سكان المنطقة السماح لقوات الدعم السريع بالعبور من خلالها، فاُعتبرت تلك المنطقة موالية للجيش السوداني".
وأضاف أنه وثق "جرائم قتل جماعي، واغتصاب، ارتكبها مسلحون ضد أفراد من قبيلة المساليت في ولاية غرب دارفور"، وأن الاعتداءات "استمرت على مدى أكثر من شهرين، حتى خرج سكان قبيلة المساليت وأصبحوا مشردين ولاجئين في دولة تشاد ودول أخرى".
ويتهم عاصم طرفي النزاع في السودان، وهما الجيش وقوات الدعم السريع، بالمسؤولية عن استهداف المدنيين "لأن كل منهما يعتبر المناطق التي يسيطر عليها الطرف الآخر أهدافاً مشروعة".
وينفي الطرفان باستمرار ضلوعهما في أي جرائم أو انتهاكات.
لكن منظمة هيومان رايتس ووتش اتهمت قوات الدعم السريع في مايو/ أيار الماضي بارتكاب "إبادة جماعية في مدينة الجنينة"، عاصمة ولاية غرب دارفور. وجاء ذلك في تقرير شامل للمنظمة في 186 صفحة بعنوان "المساليت لن يعودوا إلى ديارهم: التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية في الجنينة".
وأوضحت المنظمة في تقريرها أن استهداف سكان المساليت، وغيرهم من المجتمعات غير العربية، بهدف دفعهم إلى مغادرة المنطقة بشكل دائم، "يشكّل تطهيراً عرقياً"، داعيةً إلى "ضرورة فرض عقوبات على قادة قوات الدعم السريع".
وتنفي قوات الدعم السريع، والقوات المسلحة السودانية، الاتهامات باستهداف المدنيين، أو ارتكاب جرائم حرب، ويوجه كل منهما أصابع الاتهام نحو الآخر.
"نأكل علف الحيوانات"
وقالت الأم النازحة ريهام: "الحياة داخل معسكر النزوح قاسية للغاية، فنحن نتعرض للقصف العشوائي، ومعظم النازحين الآن هربوا إلى خارج المعسكر بحثا عن الأمان".
وأضافت قائلة: "نضطر إلى تناول علف الأمباز، وهو عبارة عن علف نباتي للحيوانات يصنع من قشور الفول السوداني". وأشارت إلى أن بعض المنظمات وأصحاب العمل الخيري قد يقدمون وجبة طعام واحدة في اليوم للنازحين في بعض الأحيان، ولكنها "غير كافية، ولا تُقدم كل يوم"، وأوضحت أن تلك الوجبة قد تتكون من المكرونة أو العصيدة.
وقالت: "نحصل على المياه من خزان أو حفرة تُستخدم لجمع مياه الأمطار، وربما تكون ملوثة، خاصة أن الحيوانات تشرب منها". وأضافت: "لذلك، نضطر أنا أو ابنتي الكبرى إلى حمل المياه والسير بها لمسافة طويلة، حتى ننقلها إلى المعسكر". وأضافت أن الكثير من النازحين "أصيبوا بجرثومة المعدة" بسبب الطعام أو المياه غير الصالحة للشرب.
وتابعت: "نقيم داخل خيام مهترئة من القماش، ونرتدي ملابس قديمة أو بالية نحصل عليها من خلال التبرعات. كما أننا نعاني بشدة بسبب برودة الطقس".
ووفقا لخبراء معينين من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في بيان صادر عنهم في 17 من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، "يعاني نحو 4.7 ملايين طفل دون الخامسة، ونساء حوامل أو مرضعات، من سوء التغذية الحاد".
وأضاف البيان أنه "لم يسبق في التاريخ الحديث أن واجه هذا العدد الكبير من الناس المجاعة كما هو الحال في السودان اليوم".
وتقول قسمة خميس، وهي متطوعة لتقديم الدعم النفسي والمعنوي في معسكرات النزوح في دارفور، في حديثها لبي بي سي عربي، إن "نساءً كثيرات فقدن أطفالهن بسبب القصف الذي تتعرض له المعسكرات، وبعض النساء فقدن عائلاتهن بالكامل، بالإضافة إلى فقدان كل ما يملكن".
وأضافت أن إحدى السيدات، على سبيل المثال، لديها ثمانية أطفال، ولا تمتلك قوت يومها لإطعامهم، مشيرة إلى أن النساء "قد يضطررن إلى قطع الحطب، وبيع الخضروات في السوق، حتى يتمكن فقط من إطعام أطفالهن".
وقالت: "النساء يحملن المياه على رؤوسهن لمسافات تصل إلى ثلاثة كيلومترات، وهناك أطفال كثيرون أصبحوا مشردين بعد أن فقدوا آباءهم، وأمهاتهم، وبات عليهم أن يبحثوا بأنفسهم عن الطعام والمياه".
كما تحدث عاصم، الناشط بمعسكرات النزوح، عن حجم الوفيات بين الأطفال نتيجة الجوع الشديد، وقال: "وثقتُ 1700 حالة لأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد، داخل مراكز الرعاية المكثفة في أحد معسكرات النزوح في الفترة بين مايو /أيار، وأكتوبر /تشرين الأول من عام 2023".
وأوضح أن هذا العدد لا يشمل الوفيات، أو الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية المتوسط، وأن عدداً كبيراً من الحالات لم يتمكن من الوصول إلى المستشفيات.
وأضاف أن الأطفال أيضا "يتعرضون للاختطاف والتجنيد الإجباري، ويُدفعون إلى القتال في دارفور".
أعداد الضحايا "لا حصر لها"
يقول عقاد بن كوني، مسؤول الإعلام في مكتب حاكم إقليم دارفور، لبي بي سي عربي، إن أعداد الضحايا "لا حصر لها"، وإنه لا يمكن لأحد أن يعرف عدد الضحايا الذين قُتلوا منذ بداية الحرب "لأن هناك من يُقتل ويُدفن في منزله، ثم يهرب أهله إلى أقرب منطقة آمنة، ولكن آخر إحصاء للضحايا يقدر عددهم بنحو 6877 قتيلاً في دارفور منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان عام 2023، وحتى أكتوبر/تشرين الأول"، مضيفاً أن هذا العدد لا يشمل "الضحايا الذين توفوا نتيجة ظروف الحياة القاسية، مثل نقص الغذاء والمياه، وتفشي الأمراض، والافتقار إلى الرعاية الصحية".
وأوضح أن ولاية شمال دارفور "محاصرة، بينما يُحرم المواطنون من المياه والغذاء، ودخول البضائع، وقد يضطر البعض إلى الهرب بحثاً عن الطعام والمياه". وأضاف أن المسلحين "قطعوا عدداً من خطوط المياه عن مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بينما يحصل الناس على المياه من خلال محاولة حجز أمطار الخريف، وتخزينها".
وتحدث بن كوني عن "خروج 90 في المئة من المستشفيات في دارفور عن الخدمة"، مشيراً إلى "قصف المستشفيات والمرافق الصحية والمراكز الخدمية بدانات المدافع والمسيّرات".
وأضاف أن مدينة الفاشر بالتحديد "لم يعد بها أي مستشفى أو أدوية أو أطباء"، بالإضافة إلى "انقطاع الكهرباء عن إقليم دارفور بسبب تدمير محطات الكهرباء، فضلاً عن المرافق الحكومية الأخرى".
واستنكرت إحدى النازحات في حديثها لبي بي سي، وقد رفضت الكشف عن اسمها، استهداف معسكرات نزوح المدنيين، "رغم أن جميع النازحين فيها هم أناس عزل، وهربوا إلى هذه المعسكرات بحثاً عن الأمان". وأضافت وهي تبكي: "النازحون يضطرون لحمل آبائهم وأمهاتهم وذويهم من كبار السن، والسير بهم لمسافات طويلة أملا في النجاة".
وتحدث عادل عثمان - اسم مستعار- وهو أحد الناشطين الحقوقيين في معسكرات النازحين في درافور، لبي بي سي عربي، عن "وفيات يومية بين النساء والأطفال وكبار السن، بسبب استمرار القصف، وغياب الأدوية والرعاية الصحية". وأضاف أن معسكرات النزوح "تتعرض لقصف عشوائي، يستهدف المنازل والأسواق، والمؤسسات، والأماكن المكتظة بالنازحين".
وقال محمد خميس دودة، الناطق الإعلامي باسم معسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور، في حديثه لبي بي سي عربي، إن "الإحصاء الأخير لمنظمة الهجرة الدولية يظهر أن عدد النازحين في المعسكر ارتفع ليصل إلى مليون و342 ألف نسمة منذ 15 أبريل/نيسان 2023، بعد أن كان 458 ألف نسمة قبل الحرب".
وأكد أن النازحين "جاءوا من أكثر من تسع ولايات سودانية، تشمل دارفور، والمناطق الريفية التي تسيطر عليها ميليشيات الدعم السريع".
وأضاف أن النازحين قد يحصلون على القليل من الطعام والمياه "عبر مبادرات شبابية في دول المهجر، أو من خلال منظمة الغذاء العالمي، والمجلس النرويجي للاجئين". وأوضح أن هذه المساعدات "لا تغطي حتى 15 في المئة من احتياجات مواطني دارفور".
كما أشار إلى انسحاب عدد كبير من المنظمات الإنسانية من الإقليم بسبب استهداف مقارها، مطالباً بالتدخل العاجل لإنقاذ الأهالي.
"المجاعة قائمة، والصراع يتفاقم"
كان كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، قال في 27 يناير/كانون الثاني، "إن الأشهر الستة الماضية شهدت مزيداً من الانحدار نحو المعاناة والبؤس لسكان دارفور". وأضاف أن "المجاعة قائمة، والصراع يتفاقم، والأطفال يستهدفون، والفتيات والنساء يتعرضن للاغتصاب".
وأضاف كريم خان، خلال إحاطة قدمها لمجلس الأمن الدولي، أن "هذا الانحدار يتسارع اليوم وأمس في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور"، مشيراً إلى وجود "مزاعم خطيرة عن استهداف مزيد من المدنيين الأبرياء، وشن هجمات على أهداف مدنية حيوية مثل المستشفيات".
وأضاف أن تصريحاته هذه ليست مجرد تحليل للوضع، ولكنها "تستند إلى أدلة ومعلومات".
وزار توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ في السودان، منطقة الجنينة غربي دارفور في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2024، في أول زيارة لمسؤول بارز في الأمم المتحدة لهذه المنطقة منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023.
ووصف فليتشر الوضع في المنطقة بالقول: "لقد شهدت دارفور الأسوأ من بين كل المآسي".
وأضاف: "إنها تعاني من أزمة حماية، بما في ذلك وباء العنف الجنسي، فضلاً عن شبح المجاعة".
ورغم المخاطر التي تهدد أهالي دارفور، كان بعضهم حريصاً على إيصال صوتهم إلى العالم، وإمدادنا بالصور ومقاطع الفيديو، أملا في التوصل إلى حل ينهي معاناتهم، ومعاناة أطفالهم، والضعفاء، وكبار السن.
فيديو قد يعجبك: