"هذا ليس دونالد ترامب الذي انتخبته أمريكا"
دونالد ترامب
بي بي سي
كيف تؤثر سياسة ترامب في مكانة أمريكا على الساحة الدولية؟ وهل تصبح خطة تهجير الفلسطينيين من غزة واقعاً؟ وماذا عن الرؤية السياسية للرئيس الأمريكي بالنسبة للأجانب؟
هذه أسئلة تطرقت إليها الصحف العالمية في مقالاتها اليوم، إذ ناقش الكتّاب تأثير سياسات ترامب ليس فقط في سياق الحرب في غزة، بل أيضاً في تهديداته المتعلقة بغرينلاند، وحرب الرسوم الجمركية، وغيرها من القضايا التي تشغل الرأي العام الدولي.
البداية من صحيفة "ذا نيويورك تايمز" الأمريكية، التي كتب فيها بين رودس مقالاً بعنوان "هذا ليس دونالد ترامب الذي انتخبته أمريكا".
يقول رودس، وهو نائب مستشار الأمن القومي في عهد أوباما، إن سياسة ترامب الخارجية تعكس تراجعاً في ثقة أمريكا بنفسها، ما يهدد بإضعاف مكانتها العالمية.
يتذكر الكاتب تأسيس الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو إس إيد)، حين كانت السياسة الخارجية تركز على الدفاع عن الحرية وتعزيز المؤسسات الدولية. لكن في الوقت الحالي، يرى الكاتب أن السياسة الأمريكية تختلف تماماً، حيث تهدد بغزو الدول الصغيرة، والانسحاب من المؤسسات الدولية، وتقترح بشكل غير رسمي تنفيذ التطهير العرقي في غزة.
هذا التحول في السياسة الخارجية يعكس تراجعاً في مفاهيم مثل الحرية وتقرير المصير والأمن الجماعي، التي تعد قيماً أساسيةً في أمريكا بعد خوضها حربين عالميتين، بحسب رودس.
ويضيف الكاتب أن ترامب ترشح لإعادة انتخابه مع وعد بتحويل مكانة أمريكا في العالم، ووعود بتغيير سياسات الأمن القومي والتجارة الدولية، وسعى لتعزيز سلطته عبر ملء المناصب الفيدرالية بشخصيات موالية له.
لكن الكاتب يرى أن سياسة ترامب الخارجية تفقد أمريكا الثقة والاحترام الدولي، ولا تعكس القوة. ويشير إلى أن ترامب في سعيه لتوسيع نفوذه، يبدو أقرب إلى القادة المستبدين الذين يسعون للتوسع الإقليمي لترسيخ سلطتهم.
ويعتقد الكاتب أن خطط ترامب قد تكون مناورة لفتح مفاوضات حول قضايا قد لا تكون أولوية للأمريكيين، مثل تقليل الرسوم على السفن العابرة لقناة بنما، أو الوصول إلى الموارد في غرينلاند. لكنه يشير أيضاً إلى احتمال آخر، وهو أن ترامب قد يعني فعلاً ما يقوله بشأن التوسع الإقليمي.
ويرى رودس أن أهداف ترامب لا تعكس القوة، بل تعكس تصرفات "صبيانية". فتهديداته بغزو بنما وغرينلاند أو الحروب التجارية مع كندا والمكسيك تُظهر "عدوانية" تقوّض مكانة الولايات المتحدة دولياً.
ويلاحظ الكاتب أن اقتراح ترامب بامتلاك الولايات المتحدة لغزة وتحويلها إلى "ريفييرا" الشرق الأوسط كان مفاجئاً للغاية، مشيراً إلى أن "هذه المقترحات قد لا تتحقق، لكنها تعزز فكرة إجبار الفلسطينيين في غزة على التخلي عن أرضهم، مع تجاهل أمن الدول المجاورة مثل مصر والأردن".
وفي سياق حديثه عن غزة، يقول الكاتب إنه لو كان ترامب يهتم بالفعل بمعاناة أهل غزة، لما سعى إلى تدمير وكالة التنمية الدولية المسؤولة عن دعم إعادة الإعمار، وتقديم المساعدة الإنسانية هناك.
ويختتم رودس مقاله بالقول إن أمريكا أصبحت قوة عظمى متراجعة تسعى لاستعادة مكانتها المفقودة، معتبراً أن تحالف ترامب مع ماسك يشير إلى مستقبل قد يفتقر إلى القواعد التي تحكم استخدام السلطة ويعرض البلاد لتحديات كبيرة عالمياً.
"خطة ترامب بشأن إخلاء غزة قد تهز واقع إسرائيل"
إلى صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، التي يقول فيها الكاتب دان بيري إنه منذ بداية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كان هناك يهود يرفضون وجود العرب، وكذلك الحال مع العرب تجاه اليهود.
ولم يكن من الضروري أن يكون الشخص متطرفاً على أي من الجانبين ليشعر أن الأرض ضيقة على شعبين مختلفين وعنيدين. ومع ذلك، فإن الفكرة الوحيدة التي تبناها "المجانين" هي فكرة الطرد، بحسب بيري.
يعرض ترامب خطة "غير مكتملة" لتهجير مليوني فلسطيني من غزة، ويطرح الكاتب في هذا السياق عدة تساؤلات إذا أخذنا تصريحات ترامب على محمل الجد، مثل: هل ستبقى حماس في غزة بعد انسحاب إسرائيل؟ وهل سيرسل ترامب قوات أمريكية لمحاربتها؟ وهل تتحقق خطة التهجير من غزة؟
يرى الكاتب أنه لا حاجة لتحليل مقترحات ترامب بشكل مفرط، مشيراً إلى أن المقترح هو "قضية ميتة"، وذلك بسبب رفضه من بعض الدول العربية والقيادة الفلسطينية.
من جانب آخر، يعتقد الكاتب أن الاستراتيجية قد تكون مزدوجة وأكثر ذكاءً مما يبدو، ويقول: "في الأجل القصير، قد تساعد تصريحات ترامب في حل مشاكل الائتلاف لحكومة نتنياهو، حيث يجد اليمين المتطرف مبرراً للبقاء في الحكومة حتى وإن انتهت الحرب وبقيت حماس في غزة".
يعتقد الكاتب أن ترامب قد يحقق نجاحاً "غير متوقع" إذا ساعد في تحفيز اللاعبين الإقليميين لاتخاذ خطوات واقعية في غزة بعد الحرب عبر ضغط الدول العربية، بما في ذلك قطر، على حماس للتنحي كشرط لتقديم المساعدات لإعادة بناء غزة دون وجودها.
ويشير الكاتب إلى أنه في حال كان هناك دعم حقيقي من الدول العربية والغرب لتشكيل حكومة مدنية من التكنوقراط في غزة، فإن هذه الحكومة يجب أن تعمل بالتوازي مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بما يتماشى مع مصر ودول الخليج وبالتنسيق مع دعم غربي هادئ.
وبالنسبة لمقترح ترامب بجعل غزة غير صالحة للسكن، يوافق الكاتب على أنه لا يجب حشر سكان غزة في مكان غير قابل للعيش. ويشير إلى أن الأوضاع قبل الحرب كانت "سيئة للغاية بسبب حكم حماس الذي زاد من فقر السكان، بالإضافة إلى الكثافة السكانية التي شكلت ضغطاً نفسياً هائلاً".
ويختم الكاتب بأن المقترحات الحالية قد تعقد الوضع، لكنها قد تكون بداية لتحفيز اللاعبين الإقليميين نحو ترتيب واقعي بعد الحرب.
"ترامب ليس نرجسياً، بل أنانيّ"
ونختم جولتنا بصحيفة "الغارديان" البريطانية، ومقال للكاتب جون ماكرثر الذي يتساءل فيه عن سبب استمرار الأجانب، وخاصة الفرنسيين والبريطانيين، في طرح سؤال حول "الرؤية السياسية" للرئيس ترامب، رغم تصرفاته المتناقضة وغير العقلانية، بحسب وصفه.
ويستعرض الكاتب وصفاً للطابع "السلبي" لترامب الذي يختلف عن النرجسية، إذ يُعتبر ترامب "أنانياً" يرى نفسه فقط، ولا يُظهر أي اهتمام حقيقي بالآخرين، ما يظهر جلياً في سلوكياته وتصريحاته؛ مثل مزاحه حول مواعدته لابنته أو إهانته لبايدن أثناء حفل التنصيب.
ثم يبرز الكاتب كيف أن ترامب يثير الهجوم عليه من مختلف الأطياف السياسية، ليبقى مركز الاهتمام. ويذكر أيضاً أن ترامب يفضل أن يتعرض للهجوم بدلاً من تجاهله، ما يظهر عدم اهتمامه بالعواقب الحقيقية لسياساته، مثل التهديدات بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك.
وعلى الرغم من "السياسات المثيرة للقلق" التي يتبناها ترامب، مثل الإيقاف المؤقت للمساعدات الفيدرالية، يرى الكاتب أن ترامب ليس مهتماً إذا فشلت هذه السياسات في تحسين الوضع.
"الأهم بالنسبة له هو التأثير الإعلامي والاحتفاظ بالاهتمام، بينما يستمتع بمعركة سياسية يراها تُعزز من مكانته"، بحسب ماكرثر.
وفي الختام، يحذر الكاتب من أن هذه النزعة الذاتية لترامب يمكن أن تؤدي إلى تأثيرات ضارة على المدى القصير، خصوصاً إذا خضع له الآخرون دون تفكير طويل، مشيراً إلى أن التهديدات القصيرة الأمد قد تضر أكثر من أي شيء آخر.
فيديو قد يعجبك: