كيف تتم عملية تبادل الأسرى في غزة؟
بي بي سي
تبدأ العملية بمكالمة هاتفية مع تحديد الموقع، وبمجرد الحصول على التفاصيل، ينطلق فريق من اللّجنة الدولية للصليب الأحمر في مركبات تحمل شعار المنظمة الإنسانية لاستلام الأسرى في غزة.
كما يجتمع عناصر من الجيش والطواقم الطبية الإسرائيلية في مواقع متعددة، في انتظار إعادتهم إلى منازلهم.
وتأتي عملية إطلاق سراح الأسرى، التي تحظى بمتابعة عالمية، بعد أشهر من المفاوضات المكثفة التي سعت إلى إنهاء الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد الهجوم الذي قتل فيه 1200 إسرائيلي، واحتجز 251 آخرين كأسرى في غزة بحسب السلطات الإسرائيلية.
وخلال 15 شهراً، استشهد أكثر من 47 ألف فلسطيني في غزة، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، فيما فقد العديدون منازلهم جراء القصف الإسرائيلي.
وفقاً لشروط اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي بدأ في 19 يناير/كانون الثاني، من المقرر أن يتم إطلاق سراح 33 أسيرا إسرائيليا وإعادتهم إلى عائلاتهم خلال المرحلة الأولى التي تمتد مدة ستة أسابيع.
في المقابل، يتم الإفراج عن مئات السجناء والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وفي حال حدوث أي خطأ، فإن ذلك قد يعرض الأسرى للبقاء في غزة، ويؤدي إلى تجدد الحرب.
وتوضح المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، سارة ديفيز، أن "هذه العملية أكثر من مجرد رحلة"، مضيفة أنه "على الرغم من أن هذه العمليات قد تبدو بسيطة، إلا أنها في الواقع معقدة للغاية وتتطلب تدابير أمنية صارمة لتقليل المخاطر على جميع الأطراف المعنية".
وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تعمل كوسيط محايد في عملية التسليم، بتشكيل فريق من المتخصصين، بعضهم لديه خبرة في عمليات مشابهة في السابق، على الرغم من أن هذه العملية تعتبر تحدياً أكبر من أي عملية سابقة.
التخطيط الحاسم
هنالك بعض التفاصيل التي لا يتمّ الإفصاح عنها للعلن خشية أن يعرض ذلك أمن العملية للخطر.
وأوضحت ديفيز أن التخطيط يعد أمراً بالغ الأهمية لضمان سير عملية التبادل بسلاسة، وأشارت إلى أنه يتم تحديد طرق بديلة للوصول إلى مواقع مختلفة في غزة، تحسباً من أن "الطريق الأكثر أماناً قد يتغير في أي لحظة".
من أبرز المخاوف التي يواجهها الصليب الأحمر هي المخاطر الناجمة عن الذخائر غير المنفجرة، والبنية التحتية المدمرة والمتضررة، بالإضافة إلى الحشود الكبيرة التي تحمل "مشاعر متصاعدة".
وتوضح ديفيز أن "فرقنا تستعد وتخطط لأكبر عدد من السيناريوهات الممكنة"، مضيفة أن "الأمر الأهم بالنسبة لنا هو أن نتمكن من إعادة كل شخص تحت رعايتنا بأمان إلى منزله"، ومع ذلك من المستحيل التخطيط لكل التفاصيل.
وتشير ديفيز إلى أنه "من خلال تجاربنا السابقة هنا وفي أماكن أخرى حول العالم، نعلم أن الخدمات اللّوجستية والتفاصيل النهائية قد تتغير في أي لحظة - وخاصة - أثناء تنفيذ العمليات نفسها".
وخلال العملية يرافق فرق الصليب الأحمر، طاقم طبي ومختصون تم تدريبهم على التعرف على مخلفات الحرب والمتفجرات.
وخلال العمليات، يحرص ممثلو الّلجنة الدولية للصليب الأحمر على الحفاظ على اتصالات مباشرة مع المسؤولين الإسرائيليين وحماس، بالإضافة إلى الوسطاء.
وكانت حماس قد وزعت في إصداراتها السابقة أسماء الأسرى المفرج عنهم بشكل مسبق عبر قنواتها على تطبيق "تليغرام"، دون أن تكشف على وجه التحديد عن أين ستتم عمليات التسليم.
وكانت أولى الإشارات العلنية للمواقع هي ظهور عناصر مسلحين وملثمين من الجناح العسكري لحركة حماس.
ويقول صحفي فلسطيني عن أول عملية إطلاق سراح أسرى في مدينة غزة في وقت سابق من هذا الشهر: "علمت من أحد بائعي الأكشاك أن هناك حدثاً ما عند تقاطع الطرق، وأن مقاتلي القسام كانوا ينظمون عرضاً".
وبدأت الحشود بالتجمع لمشاهدة المقاتلين وهم يتجمعون في صفوف، وبدأت الأخبار تتناقل عن ظهور الأسرى الثلاث الأوائل الذين تم إطلاق سراحهم بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
يقول الصحفي إنه "عندما أدرك الناس أن هذا هو المكان الذي سيتم فيه تسليم الأسرى الإسرائيليين، بدأوا يهتفون (للقسام وكبار الشخصيات في حماس)"، مضيفاً أنهم "بدأوا بالتكبير، وهذا أظهر مدى فرحتهم".
كما كان الصحفي حاضراً خلال عملية التسليم الثانية التي جرت في موقع مختلف بمدينة غزة الأسبوع التالي، حيث وصفها بأنها كانت "أكثر تنظيماً".
وقام مقاتلو حماس بتخصيص منطقة صغيرة تضم منصة وكراسي، حيث اصطفوا لفصل الأسرى عن الحشود.
كما استخدمت سيارات بيضاء ذات نوافذ معتمة لنقل الأسرى - وهنّ أربع مجندات - إلى المنطقة.
و تم تصوير الأسيرات وهن يشكرن آسريهن ويتسلمن أكياس الهدايا في مقطع فيديو نشره الجناح العسكري لحركة حماس.
ثم تم نقلهن إلى المنصة، حيث لوحن للحشود المتجمعة قبل أن يتم تسليمهن للجنة الدولية للصليب الأحمر.
وقال المتحدث باسم حركة حماس عبد اللطيف القنوع، في بيان لاحق إن "مشاهد وتفاصيل" عملية التسليم المرحلية "تروي قصة إبداع المقاومة والبطولة، وتُعزز نموذج العزة والكرامة".
من جانبها تقول ديفيز إن هناك بعض الجوانب في عملية التسليم "خارجة عن سيطرتنا"، موضحة أنه "في جميع الأوقات، يبذل موظفو اللجنة الدولية للصليب الأحمر قصارى جهدهم لحماية كرامة الذين يتم الإفراج عنهم، ولكن، من المهم أن يدرك الناس حدود ما يمكننا فعله"، ومضيفة أن "أولويتنا تظل في ضمان الإفراج الآمن والناجح ونقل الذين هم تحت رعايتنا".
ويتم نقل الأسرى إلى قوات الجيش الإسرائيلي على أطراف غزة، إذ يوضح نائب رئيس الهيئة الطبية التابعة للجيش الإسرائيلي آفي بانوف، أنهم "مستعدون على ضواحي غزة والمناطق الأخرى لاستقبال الأسرى"، مضيفاً أنهم "دائماً في حالة استعداد، لأن حماس لا تُبلغنا مسبقاً بمكان إطلاق سراحهم، سواء كان في هذه المنطقة أو تلك".
وعلى الجانب الآخر من الحدود، تم إعداد نقاط استقبال للأسرى، حيث يتواجد في الموقع أفراد من الجيش والطواقم الطبية والمتخصصين الاجتماعيين بالإضافة إلى عائلات الأسرى.
يستذكر مسعف سابق في الجيش الإسرائيلي شارك في أول عملية لإعادة الأسرى خلال وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وهو ينتظر بجوار سيارة إسعاف في قاعدة قرب الحدود، إذ كان جزءاً من فرق عدة مستعدة للتعامل مع أي حالة طبية طارئة قد يتعرض لها أحد الأسرى.
ويقول إن هناك تعليمات صارمة حول كيفية التعامل مع العائدين، مضيفاً: "قيل لنا إنه إذا قمتم بإجلائهم، فلا تطرح عليهم أي أسئلة، ولا تقم بأي تصرفات غير لائقة، فقط كن هادئاً. وإذا سأل الأسرى أو طلبوا شيئاً، بالطبع ستجيبهم وتقدمه لهم، ولكن بهدوء".
ويضيف أن الأجواء في القاعدة كانت مشحونة بالإثارة والتوتر، مستدركاً: "كانت المهمة هامة للغاية".
ويقول العقيد بانوف إن عملية العودة تبدأ بتسليم الأسرى إلى الطاقم الطبي، كما يتم تخصيص طبيب وممرضة واختصاصي اجتماعي لكل أسير عائد "لمرافقتهم طوال الطريق" حتى نقلهم إلى المستشفى.
ويُطلب من العائلات إلى منح الأسرى "بعض الوقت" مع الفرق الطبية قبل استلامهم، للسماح لهم "بالتنفس وفهم أنهم في مكان آمن مرة أخرى".
"حرية التصرف"
ويقول بانوف إن الفرق "تبدأ بتقديم الفيتامينات، وشيء بسيط من الأكل والشرب، ثم يُسمح للعائلات بلقائهم".
ويضيف أنه كجزء من عملية "التوقف"، يتم بذل الجهود لتمكين الأسرى المفرج عنهم من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، مع طرح أسئلة مثل: "هل ترغب في الاستحمام قبل أو بعد مقابلة والديك؟"
ويشير بانوف إلى أن معظم الأسرى السبعة الأوائل الذين تم إطلاق سراحهم كانوا يعانون من "إصابات شظايا" بالإضافة إلى سوء التغذية ومشاكل في التمثيل الغذائي.
ويضيف أنهم "كانوا في حالة صحية سيئة، إنها مسألة معقدة للغاية"، لافتاً إلى أنه في الأسابيع المقبلة، ستصل جثث الأسرى الذين قتلوا، وهناك مخطط لنقلهم إلى مختبر الطب الشرعي قبل إجراء الجنازات في إسرائيل.
وبعد تلقي العلاج الأوّلي في نقطة الاستقبال، يتم نقل الأسرى بواسطة طائرة هليكوبتر "مجهزة خصيصاً" إلى مستشفى في مكان آخر من البلاد.
ويقول بانوف إنهم يخبرونهم أنه "سيتم نقلهم في طائرة هليكوبتر للعودة، وبعد ذلك - إذا كانوا يرغبون في ذلك - سنبدأ في الحديث عما مروا به"، ومن هناك تبدأ عملية الاسترداد الرسمية كما يقول.
فيديو قد يعجبك: