إعلان

أحمد الشرع: من ماضٍ غامض، إلى مستقبل سوريا خلال المرحلة الانتقالية

11:08 ص الخميس 30 يناير 2025

بي بي سي

أعلنت إدارة العمليات العسكرية في سوريا يوم الأربعاء، أن أحمد الشرع سيتولى منصب رئيس البلاد خلال المرحلة الانتقالية، وأصبح "ممثل الجمهورية السورية في المحافل الدولية".

وتمّ تفويض الشرع بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية، ضمن مجموعة من القرارات صدرت خلال "مؤتمر انتصار الثورة السورية" في دمشق بحضور قادة الفصائل المسلحة لإدارة العمليات العسكرية.

ولم تحدد القرارات الصادرة عن المؤتمر موعدًا لتشكيل الهيئة التشريعية الجديدة، ولم تتضمن أي تفاصيل عن الجدول الزمني للفترة الانتقالية.

كما نصت القرارات على حل مجلس الشعب الذي انتخب في عهد الأسد، وأن يقوم المجلس التشريعي المؤقت بتولي مهامه لحين إقرار دستور دائم ودخوله حيز التنفيذ، بالإضافة إلى "حل حزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان"، وحل جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية ودمجها في مؤسسات الدولة.

ومع وصول قوات المعارضة السورية إلى العاصمة دمشق وإعلانها سقوط حكم الأسد، زاد الحديث عن الرجل الملتحي الذي قاد هذا الهجوم الذي بدأ من إدلب، ووصل إلى دمشق صباح الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول. هذا الرجل هو أحمد الشرع الذي كان يُلقّب بـ "أبو محمد الجولاني" زعيم هيئة تحرير الشام.

شكّل الشرع جدلًا داخل سوريا وخارجها، خاصة وأنه كان يتولى قيادة جماعة مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل دول غربية وإسلامية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وبالنسبة لهذا الرجل كان الهجوم المفاجئ الأخير الذي بدأ الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني وانتهى بإسقاط حكم الأسد، الفصل الأكثر إثارة حتى الآن في حياته المهنية كواحد من أهم قادة الحرب الأهلية السورية، ولكن أيضًا الأكثر إثارة للجدل والغموض.

f9081910-af1b-11ef-bdf5-b7cb2fa86e10_11zon

فمن هو أحمد الشرع؟

لفترة من الزمن تباينت التقارير حول هوية الشرع الحقيقية، وتاريخ ومكان ميلاده وسيرته وحتى جنسيته، بحسب قسم المتابعة في بي بي سي، وهو ما يضفي الكثير من الغموض حول شخصيته، وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإنه وُلد بين عامي 1975 و1979، فيما تفيد تقارير الإنتربول أنه ولد عام 1975.

وحسم الشرع ذلك التباين في مقابلة مع شبكة بي بي إس الأمريكية إذ أعلن لأول مرة أن اسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع، وأما لقبه الذي يشير إلى مرتفعات الجولان فإنه يعكس روابط عائلته بتلك المنطقة.

وقال في تلك المقابلة إنه وُلد في عام 1982 في العاصمة السعودية الرياض حيث عمل والده مهندسًا للنفط حتى عام 1989، وفي ذلك العام عادت عائلة الشرع إلى سوريا، حيث نشأ وعاش في حي المزة بدمشق.

وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن الشرع ولد في دير الزور بسوريا عام 1981، ويقال إنه درس الطب في دمشق لمدة عامين، قبل أن يترك سنته الدراسية الثالثة للانضمام إلى تنظيم القاعدة المتشدد في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.

ويُعتقد أنه ارتقى بسرعة في صفوف المنظمة الجهادية، حتى أصبح من المقربين لأبو مصعب الزرقاوي، ثم انتقل إلى لبنان في عام 2006 بعد مقتل الزرقاوي حيث قيل إنه أشرف على تدريب الجماعة المسلحة اللبنانية جند الشام، ويُعتقد أنه سافر بعد ذلك إلى العراق مرة أخرى، حيث سُجن من قبل القوات الأمريكية لفترة من الوقت، وانضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بعد إطلاق سراحه عام 2008.

ووفقًا لمراقبين فقد عاد الشرع إلى موطنه سوريا في أغسطس/آب من عام 2011 حيث قام بإنشاء فرع لتنظيم القاعدة للانضمام إلى القتال ضد الرئيس السوري بشار الأسد.

لكن صحيفة السفير اللبنانية كانت قد أشارت إلى أن "البعض يقول إنه عراقي وكان يُدعى الجولاني نسبة إلى حي الجولان في الفلوجة الذي جاء منه".

ولدى توليه قيادة جبهة النصرة، ذكرت مؤسسة كويليام البحثية البريطانية أن الشرع لديه "خبرة في العراق"، مما يجعل قيادته لجبهة النصرة "غير متنازع عليها"، كما جاء في التقرير أن التفاصيل المتعلقة بالشرع "سر محفوظ بعناية، لدرجة أن معظم أعضاء جبهة النصرة لا يعرفون زعيمهم".

وقد اختلفت التقارير أيضًا حول موعد ذهابه للعراق، فبينما هناك تقارير تفيد بأن الشرع أُطلق سراحه من السجن في سوريا عام 2008 وبعد إطلاق سراحه ذهب إلى العراق وعاد إلى سوريا بعد بدء الانتفاضة في عام 2011، بصفته قائدًا لجبهة النصرة، إلا أن تقارير أخرى تشير إلى أنه توجه للعراق في عام 2003 مع الغزو الأمريكي للبلاد حيث انضم هناك إلى تنظيم القاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي.

وبرز الشرع خلال فترة نشاطه في العراق تحت إشراف أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس تنظيم القاعدة في العراق حيث لعب دورًا محوريًا في تسهيل العمليات عبر الحدود، مستفيدًا من أصوله السورية ليكون حلقة وصل بين المقاتلين الأجانب والمتمردين المحليين الذين نفذوا هجمات وعمليات انتحارية.

وفي عام 2010، اعتقلته القوات الأمريكية في العراق واحتجزته في معسكر بوكا، الذي اشتهر بكونه مكانًا خصبًا لتطور الأيديولوجيات المتطرفة.

وعززت هذه الفترة اتصالاته بشبكات الجهاديين، بما في ذلك قادة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المستقبليين، وقد أمضى عدة سنوات في السجون العسكرية الأمريكية.

وهكذا تتضارب التقارير حول كل ما يتعلق بالشرع إلا أنه من المؤكد أن سنواته الأولى تزامنت مع حكم نظام البعث في سوريا في فترة تم فيها كبح أي معارضة سياسية حقيقية وشهدت مواجهات بين الحكومة والمتمردين الإسلاميين.

8f67e2f0-af1c-11ef-bdf5-b7cb2fa86e10.jpg_11zon

سوريا والانفصال عن القاعدة

مع تحول الانتفاضة السورية إلى نزاع مسلح في عام 2011، عاد الشرع إلى سوريا بتكليف من أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية لإنشاء فرع سوري للتنظيم حيث أسس جبهة النصرة في يناير من عام 2012. وهكذا بدأت جبهة النصرة في التشكل كفرع لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق.

ولكن عندما أعلن زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق أبو بكر البغدادي الاندماج مع جبهة النصرة في عام 2013، رفض الشرع ذلك وأعلن الولاء لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.

وسرعان ما اكتسبت جبهة النصرة زخمًا عسكريًا مع تحقيقها مكاسب ميدانية.

وفي يوليو 2016، أعلن الشرع أن مجموعته قطعت علاقاتها بتنظيم القاعدة، وستُعرف من الآن فصاعدًا باسم جبهة فتح الشام.

وفي 2017، أعاد هيكلة التنظيم ليصبح هيئة تحرير الشام، وهي ائتلاف من الفصائل الإسلامية بقيادة الشرع. وعلى الرغم من الحفاظ على الأيديولوجيا الإسلامية المتشددة، سعت الهيئة لتقديم صورة أكثر براغماتية تركز على الحكم المحلي والدبلوماسية بدلًا من الجهاد العابر للحدود.

في عام 2021، قال الشرع لشبكة بي بي إس الأمريكية إنه تخلى عن أهداف القاعدة في الجهاد العالمي، ويركز الآن فقط على الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وإرساء الحكم الإسلامي في سوريا.

وأكد قائلا: "كانت شراكتنا مع القاعدة أمرًا من الماضي، كانت حقبة وانتهت".

وأضاف قائلًا: "إنه حتى في ذلك الوقت عندما كنا مع القاعدة، كنا ضد الهجمات الخارجية وكان من المخالف تمامًا لسياساتنا تنفيذ عمليات خارجية من سوريا لاستهداف الأوروبيين أو الأمريكيين، لم يكن هذا جزءًا من حساباتنا على الإطلاق، ولم نفعل ذلك على الإطلاق".

وفي المقابلة، قال إن تصنيف هيئة تحرير الشام كجماعة إرهابية أمر "غير عادل" و"سياسي".

إدلب

ويتسم أسلوب الشرع القيادي بالقدرة على التكيف مع الظروف. ففي البداية، كان متجذرًا في أيديولوجيا القاعدة، لكنه تحول تدريجيًا نحو أجندة أكثر محلية.

وتحت قيادته، أقامت هيئة تحرير الشام حكمًا مستندًا إلى تفسير متشدد للشريعة الإسلامية في إدلب، وأسست محاكم وقوات شرطة وهيئات إدارية.

وبصفته زعيم هيئة تحرير الشام، تمتع الشرع بنفوذ كبير في إدلب، آخر معقل رئيسي للمعارضة في سوريا، وتُعد إدلب منطقة ذات أهمية استراتيجية بسبب قربها من الحدود التركية، مما يجعلها نقطة تركيز للقوى الإقليمية والدولية.

وأثبت الشرع قدرته على الموازنة بين العمليات العسكرية والمفاوضات الدبلوماسية والإدارة المحلية، ما جعله شخصية محورية في الصراع السوري.

وخلال ما يقرب من عقد من الانقسامات والاندماجات وإعادة التسمية، حاول تصوير نفسه على أنه براغماتي باتت علاقته بتنظيم القاعدة شيئا من الماضي.

027abae0-b555-11ef-b362-951b2ebdc897_11zon

وفي المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، كانت المجموعة تدير ذراعًا إدارية تُعرف باسم حكومة الإنقاذ، تتولى مسؤولية إدارة الخدمات العامة مثل الاقتصاد والصحة والتعليم والأمن الداخلي، وقد صرّح الشرع حينها أن الحكم في هذه المناطق يجب أن يكون إسلاميًا، "ولكن ليس وفقًا لمعايير الدولة الإسلامية".

ورغم أن تقارير صحفية تحدثت عن نسخة أقل تشددًا من الحكم طبقتها هيئة تحرير الشام، إلا أن الجماعة السلفية أظهرت صرامة في تأكيد هيمنتها وممارسة ضغوط على المعارضين لها، وفقًا لما يقوله المحللون. كما أفادت تقارير من شمال سوريا بأن الهيئة قمعت مظاهرات شعبية نددت بحكمها حينها.

ووردت تقارير واسعة النطاق تتهم هيئة تحرير الشام بممارسة التعذيب ضد المعتقلين لديها، وهو ما نفاه الشرع الذي كان يتزعّم الهيئة، داعيًا منظمات حقوق الإنسان لزيارة السجون وتفقد الأوضاع بنفسها.

وعلى مر السنين، انتشرت عدة تقارير عن وفاة الشرع، لكن جميعها ثبت أنها غير صحيحة.

وبعد الإطاحة بحكم الأسد في سوريا، سعى الشرع إلى إعادة تقديم نفسه كزعيم مدني، محاولًا الابتعاد عن الصورة المرتبطة بجماعات مصنفة كجماعات إرهابية.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان