كورونا.. تعرف على تأثير إغلاق الدول للحد من انتشار الوباء
(بي بي سي):
أصاب فيروس كورونا المستجد ما يزيد على مليون شخص حتى الآن في شتى أرجاء العالم، بيد أن تأثيره يتجاوز، إلى حد كبير، مجرد إصابة هؤلاء.
وفي ظل تطبيق حكومات في شتى أرجاء العالم تدابير جديدة إلى جانب تقديم إرشادات رسمية، يسلط هذا التقرير الضوء على تأثير تفشي فيروس كورونا على الأشخاص والبيئة المحيطة بهم.
كيف أغلق العالم؟
تفاوتت أساليب التعامل مع أزمة فيروس كورونا في شتى أرجاء العالم من دول إلى دولة على نطاق واسع.
ففي كولومبيا تعتمد فترة السماح للمواطنين بمغادرة المنزل على رقم بطاقة الهوية الوطنية، وفي صربيا، سمحت الحكومة لأصحاب الكلاب بتمشية كلابهم لفترة ساعة واحدة فقط، أما بيلاروسيا فقد عارض رئيس الدولة، ألكسندر لوكاشينكو، التوصيات الطبية، ونصح بشرب الفودكا وعمل جلسات حمام بخار "ساونا" كوسيلة للحماية.
وكانت التوصية بتطبيق التباعد الاجتماعي، أو عدم الاختلاط عن قرب بين الأشخاص، في منطقة داخل الدولة أو جميعها، من بين الطرق الأكثر شيوعا بين حكومات الدول، بينما لجأت بعض الحكومات الأخرى إلى تقييد جميع التحركات الداخلية غير الضرورية، وهذه الطريقة الأخيرة هي التي تسمى "الإغلاق".
عندما ظهر فيروس كورونا أول مرة في الصين في أواخر عام 2019، بدا الإغلاق خطوة مبالغ فيها.
بيد أن تفشي الفيروس في شتى أرجاء العالم، أبرز الصعوبة الشديدة للسيطرة عليه، فاختارت دول اتخاذ تدابير أكثر صرامة لاحتواء الفيروس.
وفرضت ما يزيد على 100 دولة حول العالم حظرا كليا أو جزئيا بحلول نهاية مارس 2020، وهي خطوة أثرت على مليارات الأشخاص.
كما أوصت دول أخرى كثيرة بتقييد تحركات بعض المواطنين أو جميعهم.
ويبدو أن بعض الدول، في المناطق التي تأكد مؤخرا ظهور أولى حالات الإصابة فيها بفيروس كورونا، تتعلم من نظيراتها الآسيوية والأوروبية.
كما يبدو أن الحكومات تتصرف بشكل أسرع وأكثر صرامة كما في أفريقيا.
واستطاعت الصين تخفيف قيود كانت فرضتها سابقا، بعد أن مرت بأسوأ فترة من حيث تسجيل زيادة حالات الإصابة والوفيات، بيد أن الحياة لا تزال بعيدة عن العودة إلى وضعها الطبيعي.
وربما يكون أمامنا شوط طويل يتعين علينا أن نقطعه.
مخاطر الطيران
عندما ظهر فيروس كورونا أول مرة، فرضت دول عديدة قيودا أولية على حركة الرحلات الجوية من الصين، أو طلبت من الزائرين القادمين من المناطق المعرضة للخطر بالخضوع للحجر الصحي عند وصولهم.
وبعد إعلان منظمة الصحة العالمية الفيروس جائحة، في 11 مارس الماضي، اتخذت الدول مزيدا من التدابير الشاملة.
ومنع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 15 مارس الماضي جميع الزائرين القادمين من الاتحاد الأوروبي من دخول الولايات المتحدة، وبعد يوم واحد اتخذ الاتحاد الأوروبي نفس الإجراء مع جميع الزائرين القادمين من خارج منطقة "شينغن".
وبحلول نهاية مارس، تراجعت حركة الملاحة الجوية من بعض أكبر مطارات العالم بشدة مقارنة بما كانت عليه في نفس الوقت العام الماضي، أو حتى ما كانت عليه مقارنة ببداية الشهر.
كما تراجعت عدد الرحلات التجارية الشهر الماضي بما يزيد على الربع على مستوى العالم، وفقا لخدمة تتبع الرحلات " فلايت رادار 24".
وفي الأسبوع الأخير من شهر مارس الماضي، سجلت حركة النقل تراجعا بنسبة 63 في المئة مقارنة بنفس الفترة العام الماضي، في ظل فرض دول المزيد من القيود على السفر في مسعى للحد من تفشي الفيروس.
وسجل مطار "هيثرو" في العاصمة البريطانية لندن، أحد أكثر المطارات ازدحاما في العالم ويخدم نحو 80 مليون مسافر سنويا، ما يزيد على ألف رحلة طيران في 25 مارس، بمعدل أقل مقارنة بنفس اليوم في عام 2019
حركة التنقل
لا يقتصر الأمر على الانتقال من مدينة إلى أخرى، بل توقفت حركة الانتقال داخل المدن الرئيسية في شتى أرجاء العالم مع تطبيق فرض القيود على تحركات المواطنين والتواصل داخل المجتمع.
وبحلول يوم 31 مارس، وجد سكان مدن مثل مدريد وباريس ولندن ونيويورك أنفسهم يقومون بأقل من عُشر الرحلات، وفقا لبيانات تطبيق السفر "سيتي مابر".
وفي مدينة ميلانو في شمالي إيطاليا، المغلقة منذ عدة أسابيع حتى الآن، رُصد 3 في المئة فقط من خطط الرحلات عبر تطبيق الهاتف المحمول "سيتي مابر"، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل تفشي الفيروس.
كما تشير البيانات إلى أن الأشخاص قلّصوا عدد الرحلات خلال الأيام التي سبقت الإغلاق الذي فرضته الحكومة.
وعلى سبيل المثال، طبقت السلطات البرازيلية في 24 مارس إغلاقا جزئيا في مدينة ساو باولو، أكبر مدن البلاد من حيث تعداد السكان، بيد أن الرحلات كانت تراجعت بالفعل بشكل حاد خلال الأسبوع السابق لهذا التاريخ.
حتى في المدن التي أصدرت فيها السلطات توصيات بشأن التباعد الاجتماعي وامتنعت عن فرض حظر صارم، يبدو أن الناس ما زالت حركتهم مقيدة.
وفي العاصمة السويدية ستوكهولم، تجنبت الحكومة اتخاذ تدابير صارمة، ولجأت إلى إصدار إرشادات بدلا من قواعد صارمة، تشير بيانات "سيتي مابر" إلى أن الرحلات التي كان مخطط لها، والتي تشمل ممارسة المشي والتحرك باستخدام وسائل النقل العام، تراجعت بنسبة 70 في المئة.
وذكرت شركة النقل العام في ستوكهولم، في تقرير لها الأسبوع الماضي، أن عدد ركاب قطارات الأنفاق وقطارات الركاب تراجع إلى النصف.
كما سجلت حركة النقل معدلا أقل من المعدلات العادية في بعض المدن الآسيوية التي يجمع تطبيق "سيتي مابر" بيانات عنها، مثل هونغ كونغ وسنغافورة، في ظل عدم فرضهما أي نوع من الإغلاق الذي طُبق في أماكن أخرى.
ولم تصل العاصمة الكورية الجنوبية سيول إلى حالة الجمود التي تعاني منها عواصم دول أوروبية، على الرغم من تسجيل أعداد هائلة من حالات الإصابة بفيروس كورونا، في ظل قرار البلاد الرامي إلى التركيز على إجراء اختبارات واسعة النطاق وتتبع الاتصال بدلا من التباعد الاجتماعي.
ونشهد ممارسة أشخاص نفس السلوك في الطرق والشوارع، إذ تظهر مدن رئيسية في شتى أرجاء العالم أقل ازدحاما بالفعل على نحو مطرد قبل تطبيق تدابير الإغلاق الرسمية، وفقا لبيانات تطبيق " توم توم" المتخصص في تكنولوجيا المواقع.
ولم تطبق العاصمة اليابانية طوكيو إغلاقا حتى الآن، بيد أن السلطات أغلقت المدارس منذ بداية شهر مارس/آذار الماضي.
كما يفسر تراجع أعداد السياح انخفاض حركة المرور بشكل طفيف عن مستويات العام الماضي دون التراجع الحاد الواضح في أماكن أخرى.
وفي العاصمة الإندونيسية جاكرتا لم يُطبق أي إغلاق رسمي، وانخفض الازدحام بالفعل إلى الصفر تقريبا، على غرار مدينتي لوس أنجليس ونيودلهي، حيث جرى إغلاقهما في توقيتين مختلفين.
وتشير درجة الازدحام في الرسم أدناه إلى المدة التي تستغرقها رحلة عبر المدينة مقارنة بالوقت الذي لا توجد فيه حركة مرور على الإطلاق.
ويعني تصنيف 50 أن الرحلة تستغرق وقتا أطول بنسبة 50 في المئة مما لو كانت الطرق خالية تماما، على سبيل المثال، لذا فإن نصف ساعة للقيادة تصبح 45 دقيقة. وتشير النقاط المنخفضة المنتظمة على الرسم البياني إلى توقيت عطلات نهاية الأسبوع.
وهناك مؤشرات في الصين تدل على أن الأمور بدأت تعود إلى طبيعتها. وعادت مستويات حركة المرور إلى حوالي نصف المستويات المسجلة في عام 2019 في مدينتي بكين وشنغهاي، لكنها بدأت تسجل نموا على نحو مطرد منذ بداية شهر فبراير بعد احتفالات رأس السنة الصينية الممتدة من 25 يناير.
أما مدينة ووهان، التي ظهر فيها الفيروس، لا تزال مستويات الحركة فيها قريبة من الصفر مقارنة بالعام الماضي.
التأثير على البيئة
يعد انخفاض التلوث في بعض مناطق العالم، من بين بعض التأثيرات الإيجابية لتطبيق الإغلاق.
وتتذبذب مستويات ثاني أكسيد النيتروجين في الغلاف الجوي بشكل كبير مع عوامل مثل سرعة الرياح، ويمكن أن تعرقل الأقمار الصناعية التي تسعى إلى قياس هذه المستويات بسبب الغطاء السحابي.
ويفسر ذلك بعض الاختلافات التي شوهدت فوق ووهان وشمالي إيطاليا خلال الفترة بين يناير ومارس 2019 في الخرائط أدناه.
ونظرا لتطبيق تدابير الإغلاق على نحو أكثر صرامة في هذه الأماكن، ولفترة أطول من أي مكان آخر، بدت تغيرات مستويات ثاني أكسيد النيتروجين بين عام 2019 وشهور عام 2020 بسبب هذه التدابير كبيرة للغاية.
ولا تظهر بيانات الأقمار الصناعية المتوفرة بشأن بريطانيا، وفي العديد من الأماكن الأخرى، إن كان التراجع المستمر في النشاط الاقتصادي يصاحبه التراجع المماثل في الانبعاثات، على الرغم من أن بعض المصادر الأخرى تشير إلى ذلك.
كيف نمارس أعمالنا؟
اضطر عديد من الموظفين، في ظل إغلاق الدول، إلى مواصلة أنشطة وظائفهم المكتبية من المنزل.
ويعني ذلك أن مكالمات الفيديو والرسائل الفورية أصبحت أدوات لا تقدر بثمن في غرفة العمل.
كما سجل متوسط عدد الرسائل التي يرسلها المستخدمون في نيويورك وباريس ولندن وبرلين زيادة بأكثر من الثُلث في غضون أسابيع قليلة.
وحتى الآن لم يتأقلم الجميع على طرق العمل الجديدة، لكن الوقت قد يتيح ذلك، اعتمادا على مكانك.
فيديو قد يعجبك: