لماذا لن ينهي اتفاق تجاري التنافس بين الصين والولايات المتحدة؟
لندن – (بي بي سي):
من المستبعد أن ينهي أي اتفاق تجاري بين الصين والولايات المتحدة - إذا أبرم فعلا - التنافس بين هذين العملاقين الاقتصاديين.
وكان البلدان قد خاضا في العام الماضي حربا تجارية أدت إلى الإضرار بالاقتصاد العالمي.
ولكن كثيرين يعتقدون بأن الخلافات بين البلدين تتجاوز النطاق التجاري، بل تمثل صراعا على الهيمنة بين نظرتين مختلفتين للعالم.
فإذا توصل الطرفان إلى اتفاق تجاري أم لم يتوصلا إليه، من المرجح أن يتفاقم الصراع بين الطرفين ويصبح أكثر تعقيدا واستعصاء عن الحل.
يقول مايكل هيرسون، مدير الشأن الآسيوي في شركة "أوراسيا غروب" الاستشارية، "ولجنا واقعا جديدا تفاقم فيه التنافس الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة وأصبح أكثر جلاء".
ويمضي للقول "قد يخفف اتفاق تجاري جانبا واحدا من الصراع بين الصين والولايات المتحدة، ولكن لفترة محدودة فقط وبتأثير محدود".
يقول محللون إن المرحلة القادمة من التنافس بين الصين والولايات المتحدة ستخاض في قطاع التكنولوجيا الحيوي، إذ سيحاول الطرفان تثبيت موقفهما على أنهما القوة الرائدة في هذا المجال.
وكانت القضايا المتعلقة بنقل التكنولوجيا أخذت حيزا كبيرا في المفاوضات التجارية التي جرت بين أكبر اقتصادين في العالم في الأشهر الأخيرة.
يقول ستيفن أولسون، الباحث لدى مؤسسة هينريش الاستشارية التجارية العالمية، "تقر كل الدول - وهي محقة في ذلك - بأن ازدهارها وثرائها وأمنها الاقتصادي وأمنها العسكري ستكون كلها مرتبطة باحتفاظها على الغلبة التكنولوجية".
المعركة التكنولوجية
يقول عديدون إن المعركة التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة قد بدأت فعلا، وأن عملاق التكنولوجيا الصينية - شركة هواوي - تقع في قلب هذه المعركة.
تتعرض هواوي للكثير من التمحيص الدولي في الآونة الأخيرة، إذ اثارت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية مخاوف أمنية حول منتجاتها.
فقد منع الأمريكيون وكالاتهم الاتحادية من استخدام منتجات هواوي، وحضوا حلفائهم على الحذو حذوهم.
ومنعت استراليا ونيوزيلندا استخدام معدات هواوي في تأسيس شبكات الجيل الخامس للاتصالات المحمولة لديهما.
ولكن هواوي تصر على أنها مستقلة تماما عن الحكومة الصينية. وقال مؤسسها رين رينغفي لبي بي سي في فبراير الماضي إن شركته لن تتورط أبدا في نشاطات تجسسية.
ووصل النزاع ذروته في ديسمبر الماضي، عندما ألقي القبض في كندا على ابنة رين وعندما رفعت هواوي دعوى قضائية ضد الحكومة الأمريكية.
وشنت هواوي حملة علاقات عامة في الولايات المتحدة، إذ نشرت اعلانا في صحيفة وول ستريت جورنال قالت فيه إن على الأمريكيين "عدم تصديق كل ما يسمعون".
يقول هيرسون إن "عبارة الحرب الباردة تستخدم أكثر مما ينبغي فيما يتعلق بالتوتر بين الصين والولايات المتحدة، ولكنها عبارة دقيقة لوصف التنافس التكنولوجي بين الجانبين".
ويضيف أن الخلاف حول شركو هواوي "يعد تعبيرا عن هذا التنافس الجيوسياسي المتصاعد".
ويقول، "إن حل هذا التنافس أكثر تعقيدا من حل الخلافات التجارية البحتة".
كيف وصلنا إلى هنا؟
ما لبث قلق الأمريكيين يزداد إزاء الصين في السنوات الأخيرة، جنبا إلى جنب مع تصاعد نفوذ الصين حول العالم.
وساهمت مبادرة الحزام والطريق الصينية ومبادرة "صنع في الصين 2025"، علاوة على نمو نفوذ شركات صينية مثل هواوي وعلي بابا، في تعزيز هذا القلق.
ولخص نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس مشاعر ادارته في خطاب ألقاه في تشرين الأول / أكتوبر الماضي قال فيه إن الصين اختارت طريق "العدوان الاقتصادي" عوضا عن "الشراكة".
وكانت الآمال الغربية بأن الصين ستعتنق النموذج الغربي قد خابت واستبدلت باعتراف بأن الاقتصاد الصيني تمكن من الازدهار جنبا إلى جنب مع النظام المدار من قبل الحكومة وليس العكس.
يقول أندرو غيلهولم، مدير شعبة تحليل الصين لدى معهد "كونترول ريسكس" الاستشاري، "أصبحت الصين أكثر وضوحا بكثير فيما يتعلق بطموحاتها في السنوات الأخيرة".
"ولذا لم يعد أحد يتوقع أن تتبع الصين النموذج الليبرالي الديمقراطي الغربي أو أن تنحو نحو اقتصاد السوق كما كان كثيرون يأملون قبل بضعة سنوات".
يعتقد بعض المحللين أن المواجهة بين الجانبين كانت حتمية.
فنظاماهما السياسيان المختلفان جعلهما شريكان لا يمكن التوافق معهما في النظام الاقتصادي العالمي.
يقول أولسن، "ما نراه الآن هو احتكاك بين اقتصاديات السوق الحرة ومبادئ واشنطن واقتصاد جبار متطور تكنولوجيا ومدار مركزيا ويدير اللعبة بشروط مختلفة تماما".
ما الذي سيحدث الآن؟
بينما يزداد سباق التكنولوجيا سرعة، يتوقع محللون أن تواصل الولايات المتحدة تطبيق اجراءات لا علاقة لها بالتعريفات التجارية لمواجهة الصين.
ويقول هؤلاء إن تقييد الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة وتحديد قدرة الشركات الأمريكية على تصدير التقنيات إلى الصين ومواصلة الضغط على الشركات الصينية كلها أساليب قد تؤتي أكلها.
ويقول هيرسون، "الاجراءات الخالية من التعرفات لا تسترع انتباه الأسواق، ربما لأن تأثيرها صعب التقدير، ولكن يمكن أن يكون لها تأثير بعيد المدى".
قد يكون من شأن قانون أصدرته الولايات المتحدة في العام الماضي تسهيل هذه العملية.
فقد عزز هذا القانون سلطات الحكومة الأمريكية لإعادة النظر - ومنع - الصفقات التجارية المتعلقة بالشركات الأجنبية عن طريق توسيع نماذج الصفقات التي يمكن للجنة الاستثمارات الأمريكية مراجعتها.
يذكر أن مهمة هذه اللجنة تدقيق الاستثمارات الأجنبية للتحقق من احتمال تشكيلها تهديد للأمن الوطني الأمريكي.
وكانت صفقة كبيرة تتعلق ببيع ببيع شركة مونيغرام الأمريكية لتحويل الأموال إلى شركة أنت فينانشيال التابعة لشركة علي بابا الصينية قد انهارت بعد أن أخفقت الشركتان في الحصول على موافقة لجنة تدقيق الاستثمارات الأجنبية - وذلك قبل صدور القانون الأخير.
هل يؤشر هذا إلى مسار العلاقات الصينية الأمريكية في المستقبل؟
بينما تزداد حمى السباق التكنولوجي، يتوقع محللون أن تواصل الولايات المتحدة اجراءات خالية من التعرفات لمواجهة الصين.
ويقول هؤلاء إن الأمريكيين قد يستخدمون عددا من الأدوات في هذا المجال، منها تقييد الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة وتحديد قابلية الشركات الأمريكية على تصدير التكنولوجيا إلى الصين ومضاعفة الضغوط على الشركات الصينية.
ويقول هيرسون، "الإجراءات التي لا تتضمن تعرفات لا تسترع الانتباه في أسواق المال كالتي تسترعيها الاجراءات التي تتضمن تعرفات، ربما لأن تأثيراتها ليست يسيرة التقدير، ولكن قد يكون لهذه الاجراءات تأثيرات بعيدة المدى".
فيديو قد يعجبك: