الشغف بالتعلم "جعلني الفتاة الوحيدة في مدرسة البنين"
لندن – (بي بي سي):
عندما كانت طفلة صغيرة، كان يحلو لخديجة إسماعيل قضاء الساعات في مشاهدة الطائرات عبر نافذة غرفة نومها الصغيرة التي تشاركها فيها أختها، في منطقة قريبة من مطار مانشستر.
حتى كتبت الطفلة للمطار رسائل "خيالية" أوضحت فيها عنوانها، تسأل القائمين على أمر المطار أن يزيدوا عدد الطائرات التي تمر على منزلها.
كانت خديجة تحب مادة الرياضيات وحصلت على منحة دراسية في مدرسة خاصة متميزة.
وعلق أبواها الآمال على أن تكون ابنتهما الكبرى هي أول من يحصل على درجة جامعية في العائلة.
وفي عامها السادس عشر، حصلت خديجة على منحة أركرايت الهندسية، وخصصت قيمة الجائزة التي بلغت بضع مئات من الجنيهات، لشراء روبوت لمدرستها.
لكن خياراتها في امتحان دخول الجامعة ترك أبويها في حيرة.
بالنسبة لخديجة، كانت مادتا الرياضيات والفيزياء سهلتين للغاية، لكنها أرادت خوض امتحان الأنظمة الإلكترونية، وهو ما لم يكن متاحا في مدرسة البنات التي كانت مقيدة بها.
وكان الخيار الوحيد هو أن تكون خديجة الفتاة الوحيدة التي تلتحق بمدرسة للبنين قريبة.
وخشي أبواها أن لا تنجح ابنتهما في بيئة كلها من الذكور، لكنها أقنعتهما، موضحة أنها لا ترغب في أداء امتحان مادة أخرى سوى مادة الأنظمة الإلكترونية.
ولا يخوض امتحان الأنظمة الإلكترونية كل عام سوى بضع مئات قليلة من الطلاب، عادة لا تتجاوز نسبة الفتيات بينهم خمسة في المئة.
"رائحة الإبط عند البنين"
تقول خديجة إن مدرسة البنين كانت صادمة: "صراحة، أول ما أتذكره من تلك الأيام هو رائحة الإبط عند البنين ... كانوا يحدقون فيّ لأنني مختلفة. أنتِ لست ولدا. أنت ترتدين وشاحا".
اهتزت ثقة خديجة بنفسها: "كنت أتساءل: هل أقول ذلك؟ أم لا؟ هل أبدو غبية؟ لم أكن أمتلك الثقة في البداية لكي أتحدث في حجرة الدرس وأشارك بشكل فاعل، أو حتى لكي أستوضح ما أراه غامضا بالنسبة لي.. لكن مع مرور الوقت واندماجي، كان الأمر ممتعا".
وقادها حماسها على الطريق، وأتيحت لها أماكن في أرقى الجامعات، لكنها اختارت تدريبا مهنيا في هندسة الطيران والفضاء مدته خمس سنوات برعاية شركة بي آي إي سيستمز.
وخاضت خديجة المزيد من النقاش مع أبويها.
وفي النهاية وافقتها أمها على التقديم، ولكن بعد أن أخفقت خديجة في الحصول على رخصة قيادة مرتين، كانت أمها توّصلها ذهابا وإيابا إلى مركز التدريب في منطقة سامزبوري في لانكشير على مسافة 50 دقيقة من منزلهم.
وكانت خديجة في ذلك العام هي البنت الوحيدة في مدرستها التي حصلت على تدريب.
كسْر النمط
إجمالا، لا تتعدى نسبة الفتيات المتدربات في مجال الهندسة في المملكة المتحدة ثمانية في المئة.
وتسعى شركة بي آي إي سيستمز إلى تدريب المزيد من ذوي البشرة السوداء والأقليات العرقية ممن لا يمثلون حتى الآن سوى نسبة أربعة في المئة من إجمالي متدربيها.
تقول خديجة: "تريدني أمي أن أكون رائدة - أن أكون قادرة على ارتداء وشاح وأن أبدو واثقة وأنا أرتديه، وأن أكون نموذجا يحتذى لكل فتاة مسلمة تخشى اقتحام مجال الهندسة".
والآن، وقد بلغت خديجة العشرين ربيعا، وهي في السنة الثانية، اجتازت اختبار القيادة.
وعادة ما تجلب معها وشاحها إلى مركز التدريب، لكنها لا ترتديه في الغالب، وإن كان "جزءا من هويتي"، كما تقول.
وتعتقد خديجة أن تعزيز التنوّع في مجال الهندسة سيثمر عن مزايا ضخمة: "تختلف طرق التفكير باختلاف مشارب الناس ... هذا الاختلاف في الأسلوب هو أمر مفيد".
لقد أصبحت خديجة تضطلع بحملات توعية في هذا الصدد في المدارس وبين التلاميذ الواعدين في مجال الهندسة.
يقول كيفين ستِنسون، الرئيس التنفيذي لشركة سمولبيس تراست التي تدير منحة أركرايت الهندسية: "أمثال خديجة مهمون جدا لكسْر النمط القائل إن الهندسة مجال ذكوري... ثمة عجز هائل في المهندسين في المملكة المتحدة ... ومن ثم فنحن بحاجة إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من الناس وليكن 100 في المئة من السكان".
ويضيف: "الفتيات، وتلاميذ المدارس الحكومية، والتلاميذ من ذوي البشرة السوداء والأقليات العرقية، كل هؤلاء لا يحظون بالتمثيل الكافي في قطاع الهندسة الذي هو متطلب من الجميع في المملكة المتحدة، ومن ثم فنحن نحرص على ذلك في برامجنا".
وانتُدبت خديجة على مدى الشهور الأربعة الماضية لشركة بريسماتيك في منطقة هامشير، على مسافة مئات الأميال من منزلها، ضمن فريق مشارك مع شركة بي آي إي سيستمز للعمل على طائرة مسيرة تعمل بالطاقة الشمسية ومجهزة للاتصالات وقادرة على التحمل وتحلق على ارتفاع عال.
تقول خديجة إن هذه الطائرة "قادرة على البقاء في الغلاف الجوي لمدة عام كامل بلا هبوط".
وتضيف: "المهم في الأمر، أنها أرخص ثمنا من غيرها من الطائرات وأرخص من القمر الصناعي، كما أنها خفيفة جدا، وفي ذلك تكمن أهميتها وهي مستقبل المركبات الفضائية المسيرة".
وفي شركة بريسماتك، التي لا يتعدى طاقمها 30 فردا، حظيت خديجة بفرصة العمل في جميع أوجه الطائرة المسيرة، وتقول: "كل شيء ... التصميم، وجميع مراحل بناء الطائرة حتى تطير".
وخلال العام الماضي، وفي بداية عمل خديجة في موقع شركة بي آي إي سيستمز، كان مكتبها يطلّ على مدرج مطار، وهو موقع مثالي لمشاهدة طائرات تايفون المقاتلة أثناء إقلاعها وهبوطها.
تقول خديجة: "مثير جدا أن أشارك في ذلك المشهد، حتى ولو بجزء بالغ الصغر".
وعندما تتم خديجة فترة تدريبها، ستحصل على درجة البكالوريوس في هندسة الطيران والفضاء من جامعة لانكستر، وعلى دبلومة في التصنيع.
ولربما قادها مسارها المهني إلى عالم الفضاء، وإن كانت تستبعد أن تصبح رائدة فضاء لأنها تفتقر إلى مقومات مثل طول القامة.
تقول خديجة إنها تسعى إلى أن تكون خبيرة بما يكفي حتى يقصدها الناس لتقديم حلول لمشاكل تقنية معقدة.
وتضيف: "أريد أن أكون نموذجا تحتذي به الفتيات المسلمات أو الآسيويات أو غيرهن ممن يخشين اقتحام مجال الهندسة، وأن يعرفن أن الأمر ممكن وأن يقدمن عليه".
فيديو قد يعجبك: