هل "وظيفة الأحلام" موجودة حقا؟
لندن (بي بي سي)
هل فكرة وظيفة الأحلام أمر ممكن حقا، أم مجرد كلام مثالي هدفه أن يجعلك تعمل بجد أكبر وتشكو أقل من ظروف العمل؟
حصلت صوفي براون وهي الرابعة والعشرين من عمرها على وظيفة أحلامها كصحفية في موقع إخباري عالمي شهير. وقد بذلت جهدا كبيرا للوصول إلى تلك الوظيفة بعد أن حصلت على النصيحة من كل من حولها، بدءا من معلميها وحتى والديها. لكن كانت هناك مشكلة صغيرة تتمثل في أنها كرهت تلك الوظيفة بعد الالتحاق بها.
تقول صوفي: "كرهت الوظيفة وكرهت من يعملون بها هناك. الفكرة كانت أن أواصل الصعود في سلم الوظيفة وعندما أحصل على ترقية سأكون أكثر سعادة أو عندما أحصل على زيادة في الراتب ستكون الأمور أسهل". لكن الواقع كان غير ذلك تماما.
وتضيف: "كنت أعمل ليلا وفي الصباح الباكر والعطلات الرسمية، وكنت لا ألتقي بوالدي إلا بصورة عابرة، ولم أقض وقتا مع أسرتي منذ سنوات وأدركت أن وظيفة الأحلام التي عملت بكل قوة للحصول عليها لم تكن في الواقع ما أردته على الإطلاق".
لذلك قررت صوفي ترك الوظيفة.
وفي الوقت الحالي، تتزايد الضغوط المتعلقة بدور العمل في الحياة، فلم يعد كافيا أن تقوم بعملك فحسب، بل يتعين عليك أن تحب هذا العمل أيضا.
وينبغي أن تسعى وراء أحلامك وأن تبلغ عنان السماء، لكن هل فكرة وظيفة الأحلام ممكنة فعلا؟ أم هي مجرد كلام مثالي هدفه أن يجعلك تعمل بجد أكبر وتشكو أقل؟
من بين الأشخاص الذين يؤمنون بالسعي لوظيفة الأحلام مستشارة السعادة سامانثا كلارك، التي تساعد الشركات والمؤسسات على جعل موظفيها سعداء.
تقول كلارك: "يتعين علينا التفكير فيما هو مناسب لنا وما هو غير مناسب. وهذا مهم لكي تبدأ بالتحكم بحياتك الخاصة".
وتحاول كلارك إعادة صياغة الكيفية التي تفكر بها الشركات وموظفوها بالسعادة في مكان العمل، إذ لا يكمن الأمر في بث رسائل عن سعادتك عبر انستغرام، إلى جانب رسم ابتسامات غامضة، وتناول شراب مجاني. تقول كلارك: "إنه التفكير بأن ندير محادثاتنا بطريقة أفضل وأن نخلق بيئات يمكن للأشخاص أن يعملوا فيها بشكل أفضل".
وتطالب كلارك بتعلم فهم كيفية وتوقيت العمل بصورة مثلى، فوجود استراتيجيات، مثل إتاحة المجال للعمل من خارج المكتب، يمكن أن يعطي شعورا بالإدارة الذاتية، إذ يمكن للشخص أن يذهب لممارسة اليوغا في الصباح ثم يعود لتصفح رسائل البريد الإلكتروني إذا كان ذلك هو ما يجعله أكثر إنتاجية.
لكن ما هو المتوقع من صاحب العمل؟ عندما ترسخ الشركة رؤيتها للسعادة يصبح بإمكانها قياس أمور من قبيل الإنتاجية والفعالية. لكن كلارك تعترف بشكل لا لبس فيه أنه بالنسبة لكثير من الشركات التي تعمل لها، فالغاية هي تطبيق القاعدة القائلة: موظفون أكثر سعادة يعني إنتاجية أكثر وبالتالي أرباحا أكثر.
ورغم ذلك، هناك أبحاث تؤيد النظرية القائلة إننا نكون أكثر سعادة عندما نشعر بأننا أكثر تحكما بحياتنا العملية وأقل عبودية للراتب، مثل العمل من المنزل على سبيل المثال.
وأجرى ألان فيلستيد، أستاذ بكلية الدراسات الإجتماعية بجامعة كارديف بالمملكة المتحدة، بحثا توصل من خلاله إلى أن الموظفين الذين يعملون عن بُعد أكثر سعادة في عملهم، فهم أكثر حماسا تجاه وظائفهم وأكثر التزاما بالمؤسسة التي يعملون معها.
يقول فليستيد: "ثمة اعتقاد بأن الذين يعملون من المنزل يتهربون ولا يعملون بجد، لكن الحقيقة هي أنهم يعملون بجدية أكبر."
لكن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ كشف البحث أيضا عن أن العمل من المنزل جعل من الصعب التوقف عن العمل والانصراف إلى أمور الحياة الأخرى، فعدم وجود حدود واضحة بين العمل والمنزل معناه ظهور خطورة العمل الزائد عن الحد. لذا، فما الفائدة من الحصول على تلك السيطرة على حياتك إذا استخدمتها للبدء في العمل مبكرا، والانتهاء متأخرا، والرد على رسائل البريد الإلكتروني الساعة الثالثة فجرا؟
يحذر ستيفن ليفاندوفسكي، أستاذ علم المعرفة في جامعة بريستول، من أنه بينما يؤدي منح الناس تحكما أكبر في حياتهم العملية ويجعلها تبدو أقل توترا وضغطا، فإن ذلك لا يؤدي بالضرورة إلى السعادة من الناحية العملية.
إن منح الموظفين تحكما كاملا بعملهم قد لا يعني بالضرورة أنهم يتخذون قرارات جيدة، فقد تجد شخصا يفتش عن تقرير في منتصف الليل، أو يرسل بريدا إلكترونيا لعملاء خلال عطلة نهاية الأسبوع.
لكن ماذا عن حلم الإبداع؟ يحلم كثيرون بعمل فنون يدوية رائعة أو رسم لوحات جميلة أو النحت أو كتابة مسرحية أو رواية كوميدية، ويحولون ذلك إلى وظيفة لهم. وهذا بالتأكيد هو التعريف الدقيق للمهنة المثالية. لكن إذا أردت القيام بعمل إبداعي فأمامك خياران: إما أن تعمل طوال اليوم في عمل ما وتترك الإبداع لليل، أو أن تعثر على شخص ما يمولك لكي تتفرغ للإبداع طوال الوقت.
وقد قام الكاتب والممثل روس سذرلاند بالأمرين معا، ويقول عن ذلك: "قرأت رواية جنريشن إكس عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري تقريبا، وهو على الأغلب العمر الصحيح لقراءة هذه الرواية" في إشارة إلى الرواية التي كتبها دوغلاس كوبلاند والتي تحدث فيها عن العمل بوظيفة منخفضة الأجر والمستوى من أجل الحصول على الأموال اللازمة لتكاليف الهواية التي يعتزم الشخص القيام بها. وقال سذرلاند: "أتذكر بالتأكيد هذا الشيء الذي يتحدث عن وظيفة تمكنك من دفع فواتيرك ومن ثم القيام بعملك الخاص الذي تستمتع به".
ويمكن أن يقضي الناس حياتهم في مطاردة فكرة وظيفة الأحلام. لكن ربما تكون الوظيفة كاملة الأوصاف مجرد خداع؟ تعمل الصحفية البائسة السابقة صوفي براون الآن كصحفية غير متفرغة وكطاهية للمعجنات، وتعمل من المنزل مع كلبيها، وتأخذ دروسا في العلوم المصرفية خلال الليل.
وتقول: "ألتقي بالأشخاص الذين أحبهم، وأشعر بسعادة أكبر من أي وقت مضى. أدركت الآن أن هناك سبلا للحصول على المال يمكنها أن تجعلك سعيدا".
ويبدو أنها سلكت طريقا مختصرا لشيء لا يتمكن الناس من فعله حتى بلوغهم سن الأربعين أو الخمسين، وهو أن تدرك وهم الحصول على وظيفة الأحلام وتحفر في الصخر طريقها الخاص.
فيديو قد يعجبك: