لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

القصة الحقيقية وراء ولع الشعب الإنجليزي بتناول الشاي

12:47 م الخميس 26 أكتوبر 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

لندن (بي بي سي)
اشتهر الشعب الإنجليزي برباطة الجأش وبعشق يكاد يكون وراثيا للشاي. لكن في الحقيقة يرجع الفضل في ولع الشعب الإنجليزي بالشاي إلى سيدة برتغالية.

فكر في أي شخص ينحدر من أصول إنجليزية خالصة. فمهما اختلفت الصور التي تستحضرها في ذهنك، ستلاحظ أن هذا الشخص ذو وجه جامد القسمات، لا يبدي أي انفعالات، وفي يده قدح من الشاي. وهذا بالضبط ما يفعله الشعب الإنجليزي، الذي لا يكف عن احتساء الشاي.

وفي الواقع، إن الشاي إنجليزي بامتياز. ويعد جزءا أصيلا من الثقافة الإنجليزية، إلى حد أنه قد ارتبط في أذهان العالم بالشعب الإنجليزي.

ومن المعلوم أن الغرب ينسبون الفضل في اكتشاف نبتة الشاي وزراعتها للمرة الأولى للصينيين، ولكن ربما ليس من المعروف أن البرتغاليين هم الذين روّجوا لهذا المشروب المحتوي على مادة التانين في إنجلترا، وعلى وجه الدقة، هي امرأة برتغالية.

وتعود القصة إلى عام 1662، عندما وافق تشارلز الثاني على الزواج من الأميرة كاثرين أوف براغانزا، ابنة جون الرابع ملك البرتغال. ومهدت هذه الزيجة لكاثرين الطريق لتصبح ملكة إنجلترا واسكتلندا وأيرلندا.

ويحكى أن كاثرين عندما انتقلت إلى زوجها الملك تشارلز الثاني في إنجلترا، جلبت معها أوراق الشاي، ضمن مملتكاتها الشخصية، وربما كانت جزءا أيضا من تجهيزات العروس.

ويقال إن صندوق الشحن كتبت عليه الحروف الأولى لعبارة "نقل الأعشاب العطرية" باللغة البرتغالية، "T.E.A."، التي تعني شاي بالإنجليزية.
وهذه المعلومة من المرجح أن تكون غير حقيقية، لأن علماء اللغة يقولون إن أصل كلمة "شاي" هو ترجمة حرفية لأحد الحروف الصينية، ولكن المعلومة الأكيدة أن الشاي كان رائجا وقتذاك بين النبلاء والأشراف في البرتغال، بسبب العلاقات التجارية المباشرة التي كانت تربطها بالصين عبر مستعمرتها في ماكاو، التي استقر فيها البرتغاليون منذ منتصف القرن الخامس عشر.

وعندما وصلت كاثرين إلى إنجلترا، كان الشاي آنذاك يستخدم كعلاج، إذ كان الإنجليز يعتقدون أنه ينشط الجسم وينقي الطحال. ولكن الملكة الشابة لم تتخل عن عادة احتساء الشاي يوميا التي بدأتها في بلادها، ومنذ ذلك الحين انتشر الشاي كمشروب يتجمع الناس لاحتسائه، ولم يعد علاجا فقط.

تقول سارة بيث واتكينز، مؤلفة كتاب "كاثرين أوف براغانزا: زوجة الملك تشارلز الثاني بعد استعادة النظام الملكي في إنجلترا": "عندما تزوجت كاثرين من تشارلز، كانت محطا للأنظار، وكل شيء يخصها من ملابسها إلى أثاثها بات مثار حديث البلاط الملكي. وبمواظبتها على شرب الشاي، شجعت الآخرين على احتسائه، وطفقت السيدات الأرستقراطيات يقلدنها ويتوددن إليها ليصبحن من خاصتها".

وكتب إيدموند والر، أحد أبرز شعراء العصر، قصيدة بمناسبة عيد ميلادها بعد وصولها بفترة وجيزة، ساهمت في تخليد ارتباط الملكة والبرتغال بعادة احتساء الشاي في إنجلترا. أشاد فيها بمملكة البرتغال التي أنجبت أفضل الملكات وعرّفت الشعب الإنجليزي بأفضل الأعشاب.
صحيح أن إنجلترا قد عرفت الشاي قبل قدوم كاثرين، ولكنه لم يكن يحظى بهذه الشعبية.

ويقول ماركمان إيليس، أستاذ دراسات القرن الثامن عشر، بجامعة كوين ماري بلندن، وساهم في تأليف كتاب "مملكة الشاي: الأوراق الأسيوية التي غزت العالم": "تشير الوثائق إلى أن إيدموند كان يشرب الشاي منذ عام 1657، أي قبل قدوم كاثرين بستة أعوام، واشتهر بشغفه بالشاي، رغم أنه لم يكن رائجا آنذاك نظرا لارتفاع ثمنه، وكانت القهوة أكثر منه انتشارا".

ويعزى ارتفاع سعر الشاي إلى ثلاثة أسباب، أولا أن إنجلترا لم تربطها آنذاك علاقات تجارية مباشرة مع الصين، وثانيا أن الهند لم تكن قد عرفت الشاي بعد، وأخيرا أن الكميات القليلة التي كان الهولنديون يستوردونها من الشاي كانت تباع بأسعار مُغالى فيها.

تقول جين بيتيغرو، مؤلفة كتاب "التاريخ الاجتماعي للشاي"، ومديرة الدراسات بأكاديمية الشاي بالمملكة المتحدة: "كانت أسعار الشاي باهظة للغاية لأنها كانت تأتي من الصين، وتُفرض عليها ضرائب كبيرة".

وكان سعر رطل من الشاي يعادل دخل المواطن من الطبقة العاملة على مدار عام. ويقول إيليس: "وبسبب غلائه المفرط، كان الشاي مقتصرا على صفوة المجتمع. ولهذا ارتبط الشاي بالمناسبات الاجتماعية التي تحضرها سيدات البلاط الملكي، اللائي كن يعتبرن كاثرين مثلهن الأعلى".

وكما جرت العادة، ينظر العامة للمشاهير ويقتدون بهم. وتقول بيتريغرو: "كان الجميع يحتذي بالملكة في كل شيء، وشيئا فشيئا أخذ أفراد الطبقة الأرستقراطية يحتسون الشاي بكميات قليلة مع نهاية القرن السابع عشر".

ومما لا شك فيه أن النبلاء والأعيان في بريطانيا لم يبتدعوا عادة شرب الشاي من تلقاء أنفسهم، إنما كانوا مقلدين لغيرهم.

وتقول بيتيغرو: "قبل أن يُدخل الهولنديون الشاي إلى إنجلترا، لم نكن نحن (الإنجليز) نعرف عنه شيئا. لم يكن لدينا ملاعق سكر ولا أقداح ولا أباريق الشاي، ولكننا نقلنا عن الصين طقوس الشاي بحذافيرها. واستوردنا منها أقداح الشاي الخزفية الصغيرة، والأطباق التي توضع تحتها، وأطباق السكر، وأباريق الشاي الصغيرة".

وكان للبرتغال دور كبير في الترويج للأواني الخزفية والرسميات المصاحبة لاحتساء الشاي في إنجلترا. ويقول إيليس: "كانت البرتغال إحدى المداخل التي وصل من خلالها الخزف الصيني إلى أوروبا. وكانت الأواني الخزفية آنذاك باهظة الثمن ورائعة، وساهمت الأدوات والأواني المستخدمة في شرب الشاي في جذب الناس إليه، وكان اقتناء الثمين منها يضاهي اقتناء أحدث الهواتف المحمولة في وقتنا هذا".

ونظرا لقيمته الخاصة، ربما تكون كاثرين قد حملت معها في جهازها الأواني الخزفية، وبالتأكيد كان لديها، كحال غيرها من السيدات الأرستقراطيات، الكثير من المقتنيات المبهرة والرائعة التي زينت بها جلسات الشاي منذ انتقالها إلى إنجلترا.

وتقول بيتيغرو: "أضفت كاثرين على عادة شرب الشاي طابعا أرستقراطيا في قصورها، وبات مقتصرا على الطبقة العليا، وسرعان ما ارتبط طقس شرب الشاي المستوحى من الصين في الأذهان بمظاهر السعة والدعة".

وتتابع: "أزعم أن كاثرين كانت السبب في ارتباط الشاي بالنساء والبيوتات العريقة، لأن الخزف الصيني كان مكلفا للغاية. لكن الطبقات الفقيرة وجدت أن الأواني الفخارية تفي بالغرض".

وأصبح شرب الشاي وسط الطبقات الفقيرة تعبيرا عن المساواة بين أفراد المجتمع. والأن يستمتع السواح في لندن بتجربة شاي ما بعد الظهيرة وسط أجواء الفخامة الأرستقراطية في الفنادق الفاخرة، ولا سيما فندق لانغام في لندن، الذي يدعي أنه أول من ابتدع شاي ما بعد الظهيرة، وفندق ريتز الشهير وكلاريدجز.

ولا تخلو البرتغال أيضا من جلسات الشاي الفخمة، ولكن أغلب البرتغاليين لا يربطونها بالملكة كاثرين. بيد أن مدير فندق "تيفولي بالاسيو دي سيتييس" بمنطقة سينترا التاريخية، ماريو كوستوديو يعتزم تقديم خدمات شاي ما بعد الظهيرة الخاصة المستوحاة من جلسات شاي كاثرين في شهر أكتوبر.

يقول كوستوديو: "لم ندرس هذه الروابط التاريخية بالملكة كاثرين في المدرسة، ولم يكن لدي أدنى فكرة عن تأثيرها. وكذلك البرتغاليون لا يعرفون ذلك".

وأدرجت منطقة سينترا التي تمتد وسط جبال خضراء، على بعد نحو 30 دقيقة من العاصمة البرتغالية لشبونة، ضمن قائمة اليونيسكو للتراث، نظرا لما تحويه من معالم مصممة على الطراز المعماري للحركة الرومانسية التي انتشرت في أوروبا في القرن التاسع عشر.

ويعد قصر سيتييس، الذي شيده القنصل الهولندي دانييل غيلدميستر في ثمانينيات القرن الثامن عشر، واحدا من القصور المنيفة التاريخية، المزدانة بالزخارف والنقوش الدقيقة، والمنتشرة في مختلف أنحاء سينترا. وتطل الأبراج ذات السلالم الحلزونية على الحدائق والمتنزهات الشاسعة والمنسقة بدقة.

ورغم أن الملكة كاثرين لم تعش في هذه المنطقة، فإن القصور الأخاذة ومظاهر الثراء الفاحش تكشف عن طبيعة حياة الأشراف والنبلاء الذي كانوا يستحوذون على معظم ثروات البرتغال.

فإذا وقفت هناك ستتخيل النساء الأرستقراطيات بملابسهن الفاخرة يجتمعن في غرف الاستقبال المزينة بالستائر الفخمة، ويرشفن الشاي ويتبادلن الأخبار والشائعات.

ويرى كوستوديو أن هذه اللمسات التاريخية ستضفي على تجربة جلسات الشاي في الفندق خصوصية وتميز. ويقول: "أحاول أن أعيد هذه الرسميات والأجواء الفخمة، التي يكاد يطويها النسيان اليوم بعد أن أصبحت تعد من مظاهر البذخ".

ويبرز كوستوديو تأثير البرتغاليين على جلسات الشاي الباذخة، إذ يستعين على سبيل المثال بمؤرخ لمعرفة نوع الشاي الذي كانت تشربه كاثرين، ويظن إيليس أنها كانت تشرب الشاي الأخضر، لأن الهند لم تنتج الشاي إلا بعد سنوات طويلة من وفاتها.

وسيُقدم مع الشاي مربى البرتقال، التي تعد واحدة من الأشياء التي يقال إن كاثرين أدخلتها إلى إنجلترا أيضا. إذ يُحكى أن كاثرين دأبت على شحن البرتقال عبر البحار من البرتغال إلى إنجلترا، وكانت الثمار التي لا تصل إلى إنجلترا في أفضل حال تستخدم في صناعة المربى.

ومن خلال التفاعل مع الزوار أثناء حفل الشاي وإهدائهم كتيبات تتضمن روابط للاطلاع على المزيد من الصور والحقائق التاريخية والقصص الطريفة، يأمل كوستوديو أن يقدم لمحات من الثقافة البرتغالية ويبرز تأثير هذه الملكة غير المشهورة الذي دام لسنوات طويلة.

ويقول كوستوديو: "نريد نحن البرتغاليون أن نعرّف الناس بفضل كاثرين في نشر حفلات الشاي. لا أريد أن تُطوى هذه الصفحة من التاريخ".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: