القرار الذي أنقذ طاقم رحلة أبوللو 13 من الموت
لندن (بي بي سي)
عندما كانت وكالة ناسا تخطط للهبوط على سطح القمر كان عليها ان تقرر ما هي الطريقة التي يجب أن تسلكها للوصول إلى القمر. كان ذلك واحداً من عدة قرارات لا بد من اتخاذها، لكن لو كان لديها قليل من المعرفة بطبيعة هذه القرارات وقتها لكان لذلك أثر مهم على نجاة طاقم أبوللو 13 غير المحظوظين.
يصادف السابع عشر من أبريل ذكرى عودة جيمس لوفيل "جاك" وسويغارت وفريد هايس بعد 88 ساعة متوترة على متن مركبتهم المصابة إصابة خطيرة بفضل ضربة حظ.
بدأت الدراما تتكشف في الساعة 56 من بداية المهمة الفضائية، وهو ما يعني أن الوقت كان على الأرض مساء 13 أبريل في مدينة هيوستن الأمريكية. وبعد بث تلفزيوني مباشر بوقت قصير، طلب مركز المراقبة والتحكم من أبوللو 13 الخضوع لبعض الفحوصات المعتادة.
قال جاك لوسما، المسؤول عن التواصل مع المركبة في محطة التحكم: "13 لدينا مهمة أخرى لكم، عندما تحين لكم الفرصة. نريدكم أن تحركوا خزانات الكريو". ويتمثل الغرض من تحريك خزانات الكريوجينيك التي تحتوي على هيدروجين وأكسجين في إعطاء قراءات أكثر دقة لكمية الغاز المتبقية. لكن بسبب عطل كهربائي، انفجر أحد خزانات الأكسجين. في البداية اعتقد أفراد الطاقم أن نيزكاً ارتطم بهم، لكن سرعان ما اكتشفوا أنهم يفقدون الأكسجين. رد جاك سويغارت: "يبدو لي أن هناك تنفيس ما، إنه غاز من نوع ما". كان الوقت يمر سريعا.
شكل الانفجار على متن أبوللو 13 بداية لواحدة من أعظم مهمات الإنقاذ في تاريخ الاستكشاف البشري، لكن ثلاثة من أعضاء الطاقم مدينون بحياتهم لقرار تم اتخاذه قبل سنوات خلت.
مبدأ الوصول المباشر
هناك ثلاث طرق يمكنك أن تصل إلى القمر عن طريقها. "الوصول المباشر" يعني الإقلاع من الأرض محمولاً على صاروخ يتجه مباشرة إلى القمر، والهبوط بشكل عمودي ومن ثم العودة إلى الأرض في نفس المركبة.
كان ذلك يتطلب صاروخاً هائلاً. في ذلك الوقت، طُرح اقتراح لحمل المركبة على صاروخين، هما ساتورن ونوفا.
في بداية الأمر، كان حجم نوفا أكبر بكثير من حجم ساتورن وربما كان قادراً على الوصول المباشر. وكان ذلك خياراً مفضلاً لدى كثير من المهندسين الكبار، من أمثال ويرنر فون براون والمستشار العلمي للرئيس كينيدي، كما يقول جيري وودفيل، مهندس جهاز الإنذار للمركبة الفضائية أبوللو 11 وأبوللو 13 (والمهندس الوحيد الذي تولى هذه المسؤولية).
لكن الحجم الهائل للصواريخ المطلوب منها الذهاب مباشرة إلى القمر كان يعني الحاجة إلى استخدام كميات هائلة من الوقود مما يجعل الرحلة باهظة التكاليف. نتيجة لذلك، تم التخلي عن مبدأ الوصول المباشر، ولكن بعد سجالات حامية الوطيس.
من حسن الحظ أن الوصول المباشر تم التخلي عنه. فلو انفجر خزان الأكسجين الثاني في نفس الوقت أثناء الرحلة لتسبب ذلك في موت أفراد الطاقم بالتأكيد.
كانت أنظمة المركبة مماثلةً لنموذج القيادة والخدمة، لذا تم استخدام خلايا الطاقة الكهربائية مع حافظات عادية للبطاريات لحمايتها أثناء دخول الغلاف الجوي أثناء العودة إلى الأرض والهبوط في الماء.
عرفنا أن فقد أكسجين الكريوجينيك الناتج عن انفجار الخزان سيترك مدة تتراوح بين 12 و15 ساعة من الكهرباء الناتجة عن البطاريات لإبقاء السفينة على قيد الحياة، كما يقول وودفيل الذي كان في مركز التحكم يراقب أنظمة الإنذار ليلة وقوع الانفجار.
ويضيف وودفيل: "الأكسجين المتبقي في جو القمرة وحقائب الظهر الخاصة ببدلات رجال الفضاء (إيفا) كان يمكن أن يطيل حياة أفراد الطاقم ولكن بدون خلايا الوقود، التي تعتبر المصدر الرئيسي للأكسجين، فإن الجميع كانوا على حافة الموت".
التحام في مدار الأرض
كان البديل للوصول المباشر هو القيام بواحد من اثنين من أشكال الالتحام.
في الالتحام المداري الأرضي تكون المركبة مصممة على شكل وحدات. هذه الوحدات تنتقل لمدار حول الأرض أو القمر، تنفصل، ثم تهبط مركبة صغيرة منها على سطح القمر. تكمن الميزة في ذلك في أنك تحتاج صاروخاً أصغر لحمل المركبة عبر الغلاف الجوي للأرض، والمركبة الأصغر التي تهبط على القمر ستكون أقدر على استغلال جاذبية القمر الخفيفة موفرة بذلك كثيراً من الوقود.
لكن في طريقة الالتحام المداري سيتعين إكمال معظم الرحلة في مركبة واحدة. وينبغي أن ينتقل الطاقم من وحدة القيادة إلى وحدة القمر في مدار الأرض، ومن ثم يسافروا من هناك مباشرة إلى القمر.
يقول وودفيل: "لأن وحدات المدار الأرضي لها عربة واحدة للسفر إلى القمر ومغادرة القمر والعودة للأرض عبر الغلاف الجوي بكبسولة عودة، فإن النتائج هي ذاتها كما في طريقة الوصول المباشر: الموت لأفراد الطاقم".
يشتمل تصميم وحدات مدار الأرض على صاروخ منفصل أو فترة احتراق، مما يبطئ من المركبة عندما تهبط على سطح القمر. على الساعة 58 جي إي تي سيكون هذا الصاروخ غير منطلق بعد، مما يمنح الطاقم ميزة بسيطة تتمثل في إمكانية استخدامه في تسريع عودتهم إلى الأرض.
يقول وودفيل: "لكن جميع العوامل القاتلة تبقى قائمة، القليل جداً من الطاقة الكهربائية، لا خلايا وقود تنتج الأكسجين للتنفس، لا طاقة متوفرة لنظام التوجيه، أو للدفاعات. العودة إلى الأرض ما تزال تحتاج إلى وقت أطول من الوقت الذي يختصره اشتعال وانطلاق صاروخ إضافي".
التحام المدار القمري
آخر وسيلة تم اختيارها كانت السفر إلى القمر في مركبة صغيرة مكونة من وحدات تنفصل عندما تكون في مدار القمر، ثم تعود للالتحام مع بعضها مرة أخرى، ومن ثم تعود إلى الأرض. في مراحل التخطيط لبرنامج أبوللو لم يكن ذلك هو الخيار الأبرز لكنه أنقذ حياة الطاقم.
وقع انفجار بعد مضي 56 ساعة على الرحلة قبل أن تنفصل وحدتا القيادة ووحدة الهبوط على القمر، لذا كان باستطاعة الطاقم استخدام وحدة الهبوط على القمر كقارب نجاة مستفيدين مما هو متوفر فيها من مصادر الطاقة والصواريخ وإمدادات الأكسجين.
وكانت هناك حاجة لأجهزة الكمبيوتر في وحدة القيادة للعودة الآمنة إلى الأرض ودخول الغلاف الجوي، لكن في ظل عدم توفر أي طاقة كانت تلك الأجهزة بحاجة إلى أن يعاد شحنها باستخدام خلايا الوقود في الوحدة القمرية، وهو أمر ممكن فقط بوجود مركبة منفصلة.
وبينما نفكر في الهبوط على سطح المريخ، فمن المرجح أننا سنواجه نفس السجالات حول طريقة الهبوط كما فعل المسؤولون عن ناسا في الستينات.
ويخلص وودفيل إلى القول: "المخططون لرحلات الفضاء عبر مختلف العصور سينخرطون في هذه السجالات، وهو الأمر الذي يعتبر جيداً. بالنسبة لإنقاذ أبوللو 13 كانت هذه السجالات تدور في وقت وقوع الانفجار. الآن تعتبر الرحلة إلى المريخ أكثر تحدياً بكثير من إنقاذ أبوللو 13. إنه موضوع لأسئلة كثيرة قابلة للنقاش يستحيل معها الوصول إلى إجابة بسيطة عليها جميعاً في الوقت الحاضر".
لكن من غير المرجح استخدام مركبة تشبه أبوللو في شكلها المعروف.
يقول وودفيل: "عدد قليل يتبنى استخدام مركبة تشبه أبوللو، ووضع كل شيء معاً في قافلة فضائية. لكن الأكثر ترجيحاً هو استخدام موارد المريخ عن طريق رحلات تنقب فيها أجهزة إنذار آلية".
وبعث الرئيس نيكسون برسالة لطاقم أبوللو 13 بعد عودتهم الآمنة، يقول فيها: "بالنسبة لمعظم البشر، كان الوصول إلى الفضاء يعتبر أمراً مستبعداً بلا حدود عندما حلقت أبوللو 13 على بعد حوالي ربع مليون ميل من الأرض، متجهة إلى القمر. بالنسبة لكم وبالنسبة لمن هم على الأرض، الذين قاموا بعمل رائع في توجيه وإعادة أبوللو 13 بأمان، تقول الأمة التي تحمل لكم الشكر والعرفان: أحسنتم صنعاً".
كان يمكنه أيضاً أن يتوجه بالشكر إلى أولئك المهندسين الذين دافعوا بشراسة عن مبدأ ووسيلة الالتحام في مدار القمر عندما لم يحظ ذلك بقبول وموافقة الكثيرين.
فيديو قد يعجبك: