الديمقراطية الفلسطينية في ركود بعد سنوات من حكم عباس
يولاندا نيل، بي بي سي - القدس
أصبحت جامعة الضفة الغربية المرموقة أحدث مشهد معبر عن دراما السياسية الفلسطينية.
لقد أثارت شابة، لا ترتدي الحجاب الإسلامي، ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي عندما أعلنت أن حركة حماس ''أفضل من يحمي حقوق الطلبة''.
وجاءت المفاجأة عندما فازت الحركة الإسلامية، التي تسيطر على قطاع غزة، في الانتخابات التي جرت في جامعة بيرزيت الشهر الماضي، بعد أن ظلت معقلا لحركة فتح، منافس حماس السياسي الذي يدعمه الغرب.
وتعرب ناشطة تابعة لحركة فتح في رام الله تدعى، مادلين مناع، عن حسرتها قائلة :''ليس بسبب تقدم حماس، بل لتراجع فتح''.
وأضافت :''حتى بعض الطلبة الموالين لفتح صوتوا لصالح الفصائل الأخرى كنوع من الاحتجاج''.
وكانت محصلة النتائج علامة أخرى على فرط الاستياء من السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة فتح وزعيمها المسن الرئيس محمود عباس.
وقال جورج غياسمان، أستاذ السياسة في جامعة بيرزيت :''الى درجة ما، تعكس النتيجة حالة الرأي العام''.
وأضاف :''السلطة الفلسطينية تعاني من أزمة شديدة في الشرعية. لقد أخفقت في تحقيق أي شئ جوهري كإنهاء الاحتلال أو اتخاذ خطوات ملموسة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة''.
مفاوضات فاشلة
أنشئت السلطة الوطنية الفلسطينية كإدارة مؤقتة للمدن الفلسطينية الرئيسية في الضفة الغربية وغزة بعد اتفاق أوسلو عام 1993.
وكان من المتصور أن معاهدة شاملة سوف تبرم في غضون خمس سنوات.
لكن بعد مرور أكثر من عقدين من المحادثات مع إسرائيل وفشلها في تحقيق تسوية سلام نهائية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، انهارت الجولة الأخيرة من المفاوضات منذ عام.
ومازالت السلطة تدير الشؤون الفلسطينية في مناطق في الضفة الغربية. لكنها فقدت السيطرة على غزة التي أصبحت في قبضة حماس في معركة دامية عام 2007، بعد عام من فوز الجماعة في الانتخابات التشريعية.
وعلى الرغم من أن حركتي فتح وحماس اتفقتا رسميا على اتفاق وحدة وتشكيل حكومة تكنوقراط، ما زالت هناك انقسامات عميقة تؤدي إلى حالة من الشلل السياسي.
وأصبح ذلك ظاهرا أكثر من أي وقت آخر منذ الحرب المدمرة الصيف الماضي بين متشددي حماس في غزة وإسرائيل، والتي أسفرت عن مقتل ما يزيد على 2100 فلسطيني، من بينهم مئات المدنيين ودمار الآف المنازل. وعلى الجانب الإسرائيلي اسفرت عن مقتل 67 جنديا وستة مدنيين.
وتوسطت الأمم المتحدة في عقد اتفاق مع إسرائيل لكسر الحصار المفروض على الجيب الساحلي(قطلع غزة)، التي قالت إسرائيل إنها تفرضه لدواعي أمنية، وسمح ايضا بتدفق كميات كبيرة من مواد البناء.
لكن حماس لم تسلم السيطرة على المعابر الحدودية للسلطة الفلسطينية كما يقضي الاتفاق.
في الوقت عينه تتهم فتح حركة حماس بالسعي لإقامة دولة إسلامية مستقلة في غزة، وتستفز حماس حركة فتح بقولها إنها تتجنب إجراء انتخابات عامة جديدة خوفا من خسارتها.
تراجع شعبيتها
يواصل الرئيس الفلسطيني عباس، 80 عاما، مهامه كرئيس للسلطة الفلسطينية للعام العاشر في دورة رئاسته التي كان من المفترض أن تكون أربع سنوات.
ووثمة حالة استياء مزمنة في غزة، كما تراجعت شعبيته في الضفة الغربية.
ومنذ بداية العام وحتى الشهر الماضي، لم تستطع السلطة الفلسطينية دفع رواتب موظفي الحكومة كما تفاقمت المخاوف الاقتصادية.
وحدث ذلك بعد أن حجبت إسرائيل إيرادات الضرائب في أعقاب انضمام الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية بهدف تحدي العمل العسكري الإسرائيلي في غزة والتوسع في بناء المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة.
كما حدثت اشتباكات في مخيمات اللاجئين بعد أن شنت قوات الأمن الفلسطينية مداهمات بحثا عن أسلحة. وبينما تصر السلطة الفلسطينية على أن ذلك تصديا للجريمة، يرى البعض أنه جزء من تنسيق أمني مثير للجدل بينها وبين إسرائيل.
ويعبر زعيم محلي في مخيم الدهيشة في بيت لحم ويدعى محمد، عن استيائه بقوله: ''ألقوا القبض على أناس من المخيم لدواع سياسية. وفي الوقت ذاته ذهبنا للانضمام للمحكمة الجنائية الدولي؟''
وأضاف :''تعبنا من هؤلاء القادة. نحتاج إلى قادة جدد. النخبة جعلوا أنفسهم أغنياء، حتى حماس. فبمجرد أن يعتلوا السلطة يتشبثون بها''.
إقتتال مدمر
لم يقم عباس، المتثاقل والسياسي ذي الشعر الرمادي، بتحضير خليفة له بشكل منفتح، إذ ركز على إحكام قبضته على السلطة. وتشوهت صورته دائما بسبب الاقتتال الداخلي في حركة فتح.
ويواصل الثري ورجل غزة القوي محمد دحلان، تحديه العلني للرئيس. لقد طرد من فتح عام 2011 وتبادل الاثنان اتهامات بالفساد.
ومازال الرئيس الفلسطيني، المعروف بأبو مازن، يحصل على دعم من الجهات المانحة الرئيسية في الخارج، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما تقبله إسرائيل ضمنيا.
ويقف التزامه المعلن بعدم اللجوء إلى العنف في تناقض صارخ مع حماس التي تؤمن بالكفاح المسلح و تصنفها الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما كجماعة إرهابية، والتي أدى فوزها في انتخابات عام 2006 إلى عزلها دوليا.
كما يسود اعتقاد إسرائيلي في أنه ضعيف.
وقال أودي سيغال، المراسل الدبلوماسي الإسرائيلي المحنك الذي أجرى حوارا مع عباس مؤخرا للقناة الثانية الإخبارية الإسرائيلية : ''لابد أن أقول إنه (عباس) مخيب للآمال نوعا ما''.
وأضاف :''خلال المفاوضات مع إسرائيل لم تكن لديه الشجاعة الكافية لمواجهة مواطنيه و اخبارهم الحقيقة الأساسية عن الحل الوسط''.
وتضم الحكومة الإسرائيلية الجديدة أحزابا يمينية ويسارية ودينية وقومية غير مهتمة باستئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين.
وفي ذات الوقت ينعي الفلسطينيون ديمقراطيتهم الضائعة.
وبعد مفاجأة جامعة بيرزيت ، أدانت جماعات حقوق الإنسان اعتقال قوات الأمن التابعة لعباس عدد من الطلاب المتعاطفين مع حماس.
وفي ظل مخاوف بشأن حدوث مزيد من الاحتكاك، أرجأت مؤسسات الضفة الغربية الأخرى - جامعة النجاح في نابلس، وجامعة الخليل – إجراء انتخاباتها.
حقائق عن محمود عباس:
- ولد في مدينة صفد لكن أسرته فرت إلى سوريا خلال حرب عام 1948 في الشرق الأوسط.
- تخرج في جامعة دمشق بعد دراسته القانون.
- في منتصف خمسينيات القرن الماضي شارك بشدة في الأنشطة السياسية الفلسطينية سرا وإنضم إلى عدد من الفلسطينيين المنفيين في قطر.
- انضم لعضوية حركة فتح عام 1961.
- وبدعم من المجلس الثوري لحركة فتح عام 2004 أصبح المرشح المفضل للحركة لخوض انتخابات الرئاسة.
- حصل على 62 في المئة من مجموعة الأصوات في الانتخابات وتولى رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 2006.
فيديو قد يعجبك: