هل السعودية مسؤولة عن ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"؟
لندن (بي بي سي)
هل السعودية مسؤولة عن ظهور التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم "الدولة الإسلامية"، أو ما يعرف باسم (داعش)؟
من الشائع لدى كثيرين أن الوهابية، وهي الصيغة المتشددة من الإسلام التي نشأت في المملكة، وترويج الدولة السعودية لها بقوة، يغذي الإرهاب.
وتتهم السعودية ايضا بتمويل داعش سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، عن طريق تقاعسها في منع المتبرعين الأفراد من إرسال المال إلى التنظيم.
لكن السعودية تنفي كلا الاتهامين، وأعلنت مؤخرا عن تشكيل تحالف عسكري للدول الإسلامية لمكافحة الإرهاب.
شارك خمس خبراء وجهات نظرهم مع بي بي سي
البروفيسور برنارد هيكل: عقيدة داعش مرتبطة مباشرة بالوهابية
يعمل البروفيسور برنارد هيكل مديرا لمعهد دراسات الشرق الأوسط المعاصر وشمال أفريقيا، في جامعة برينستون.
ويقول: "جذورتنظيم الدولة تأتي من السلفية الجهادية، وهي تيار ديني قديم جدا في الإسلام، ويلتزم تماما بحرفية النصوص. ويكون اتباع هذا المذهب متشددون جدا ويدينون المسلمين الآخرين الذين لا يشاركونهم الرأي. وهذا هو سبب قسوتهم في اعمال العنف، لأنهم يستطيعون تبرير هذه القسوة دينيا."
"كان محمد بن عبدالوهاب من معتنقي التراث السلفي. لقد كان مصلحا دينيا في أراضي شبه الجزيرة العربية، واستطاع إنشاء حركة دينية انتهت بإنشاء الدولة السعودية".
"رأى بن عبدالوهاب أن المسلمين انحرفوا عن الرسالة الصحيحة للإسلام، وانخرطوا في ممارسات ضد العقيدة الصحيحة، وبدأ الكثير من رجال الدين في عصره في كتابة أطروحات ضد أفكاره، معتبرين أنه لم يتعلم بالقدر الكافي لكي يعلم غيره".
"وفي النهاية استطاع بن عبدالوهاب الاتصال بزعيم عائلة آل سعود عام 1744، وكان لهذا التحالف بينهما آثار قوية ومستمرة".
"واعتقد عبدالوهاب أن هناك صورة نقية من الاسلام، إذا عاد الشخص إليها سيضمن ذلك له النجاة في الآخرة، ولكن في الحياة الدنيا أيضا فإن الله سيعطيه كل ما وعده به".
"الدولة السعودية الأولى، التي تأسست على هذه العقيدة الوهابية، بدت تؤكد رسالته بسبب النجاح السياسي والعسكري، الذي حققته خلال القرنين 18 و19، وسيطرتها عبره على معظم شبه الجزيرة العربية".
"وبمجرد سقوط أي مدينة في قبضة الدولة السعودية كان محمد بن عبدالوهاب يعين فيها خطباء، يعلمون الناس منهجه في العقيدة. وكتب بن عبدالوهاب عددا من الكتب القصيرة التي اصبحت اساسا لتعليم مذهبه - وهي الكتب ذاتها التي تستخدمها داعش اليوم."
"لكن تنظيم الدولة يرى أن الدولة السعودية انحرفت عن المعتقدات الصحيحة لمحمد بن عبدالوهاب، وأنهم هم الممثلون الحقيقيون للدعوة السلفية أو الوهابية".
الأستاذة مضاوي الرشيد: الوهابية أدت إلى صحوة إسلامية
ولدت مضاوي الرشيد في السعودية، وتعمل أستاذا زائرا في معهد الشرق الأوسط، بكلية لندن للاقتصاد.
وتقول الرشيد: "لقد مُنح الفكرالوهابي السيطرة الكاملة على الحياة الدينية والاجتماعية والثقافية في المملكة، وطالما أن الخطباء الوهابيين كانوا يدعون المواطنين السعوديين إلى طاعة حكامهم، فإن أسرة آل سعود كانت سعيدة بذلك".
"وخلال عقدي الستينات والسبعينيات امتلأ العالم العربي بأفكار ثورية، ووجدت الحكومة السعودية أن العقيدة الوهابية هي الترياق المناسب، لأنها تقدم رواية بديلة عن كيفية طاعة الحكام، وعدم التدخل في السياسة".
"وفي الثمانينيات أسس الملك فهد مجمعا لطباعة القرآن، وتوزيعه مجانا في أنحاء العالم، وأسس جامعة المدينة المنورة، لتعليم الدين الإسلامي للطلاب من أنحاء العالم".
"مما لا شك فيه أن الوهابية نسخة متشددة وغير متسامحة من الإسلام. فهي تقليد ديني محلي انتشر (او نشر) على نطاق العالم ولما ينضج بعد. ونرى الآن أنها يمكن أن تكون أسلوبا ثوريا، يلهم شخصا ما لارتكاب أعمال وحشية باسم الإسلام".
"وحينما غزا الاتحاد السوفيتي السابق أفغانستان، استغلت السعودية الفكر الوهابي لدفع الشباب للذهاب إلى أفغانستان، والجهاد ضد الكفار الروس".
"واستفاد الفكر الوهابي من قدوم الإخوان المسلمين، الذين طردوا من دول مثل مصر وسوريا والعراق، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماض، ورحبت بهم المملكة".
"وأصبح الكثير من هؤلاء دعاة دينين، ولذلك فإن الاندماج بين الفكر الوهابي والمهارات التنظيمية للحركات الإسلامية الأخرى أدى إلى بزوغ تيار جديد في السعودية، هو التيار الإسلامي والذي يشار إليه بالصحوة الإسلامية".
أيمن دين: السلفية أسيئ فهمها بشكل كبير
أيمن دين ولد في السعودية، وغادر المدرسة للجهاد في البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، ثم انضم لاحقا للقاعدة، وبعد أن اكتشف انخداعه فيها، بدأ العمل بشكل سري كعميل للاستخبارات البريطانية.
ويقول دين: "السلفية التقليدية تمارس بالأساس في السعودية، وخاصة من جانب المؤسسة الدينية التي ربما ليس لديها انطباع جيد عن التيارات الاسلامية الاخرى، لكنها مع ذلك نشطة جدا في محاربة العنف السياسي، لأنها تعتقد بقداسة الحكم، إنها تفضل أن تحافظ على القانون والنظام والاستقرار، أكثر من السعي لتحقيق العدالة والمثل السياسية الأخرى".
ومضى للقول "ولم يعرف عن المؤسسة الدينية في السعودية انها تميز بعنف ضد الاشكال الاخرى للإسلام."
"أنا دائما أسمع الناس يقولون: لانسمع كثيرا من المسلمين يدينون داعش، ويقاومون الإرهاب".
"كم فرد من قوات الأمن السعودية قتل في معارك ضد القاعدة وداعش؟ كم فرد من من القاعدة وداعش في سجون السعودية؟ في هذا العام فقط قبض على 1850 شخص بالسعودية، للاشتباه في ارتباطهم بداعش".
"إن مجرد تعبير بسيط عن التعاطف مع داعش كفيل بأن يضعك بالسجن في السعودية"
"السجون السعودية مليئة بالمتطرفين الإسلاميين، لكن على الضفة الأخرى من الخليج تجد السجون الإيرانية مليئة بالليبراليين، ونشطاء حقوق الإنسان. من إذن المعتدل ومن المتشدد؟"
"إذا نظرت إلى عدد السعوديين الذين انضموا لداعش ستجد 180 شخصا إلى كل مليون نسمة".
"وفي تونس، وهي دولة علمانية للغاية وليس لديها تعليم ديني من أي نوع منذ أكثر من نصف قرن، ستجد العدد 212 شخص إلى كل مليون نسمة".
ماثيو ليفيت: هل تنظيم الدولة الإسلامية مكتف ذاتيا من الناحية المالية؟
ماثيو ليفيت: يدير برنامج مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
ويقول: "على عكس ما يعتقده الكثيرون، يحصل تنظيم الدولة على حصة صغيرة نسبيا من تمويله من متبرعين أثرياء. وفيما كان تمويل الارهاب من السعودية يشكل يوما ما مشكلة كبيرة، نجحت الرياض في تحقيق مكاسب، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتمويل التنظيم".
"اكتفى التنظيم ذاتيا من الناحية المالية لسنوات، بما في ذلك أيامه الأولى مثل تنظيم القاعدة في العراق. وذكر تقييم للولايات المتحدة عام 2006 أن تنظيم القاعدة في العراق أسس تمردا معتمدا على نفسه، ليمكنه ذلك من جمع ما بين 70 مليون إلى 200 مليون دولار سنويا، من النشاطات غير المشروعة وحدها".
"تشير وثائق تنظيم القاعدة في العراق المستولى عليها إلى أن التبرعات الخارجية لم تبلغ سوى نسبة ضئيلة، لم تزد عن 5 في المئة، من ميزانيات الجماعة في الفترة من 2005 إلى 2010."
"والآن، تأتي الموارد الرئيسية للتمويل في تنظيم الدولة من أعمال النهب والابتزاز، كتهريب النفط، ونشاطات إجرامية أخرى. وصُنف عدد صغير من الجهات المانحة الكبرى كممولين إرهابيين من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، لكنها كانت استثناءات".
"وألقت السلطات السعودية القبض على المئات من المشتبه في ارتباطهم بداعش، وذكرت تقارير إن من بين المعتقلين بعض ممولي التنظيم، لكن الرياض لم تكشف عن أي تفاصيل حول العدد الحقيقي."
"وتشير بيانات استطلاع حديث للرأي إلى أن دعم تنظيم الدولة داخل السعودية يقدر بنحو 5 في المئة. لكن تلك النتائج تشير إلى أن السعوديين لديهم من الأسباب الكافية، التي تجعلهم يشعرون بالقلق: فنسبة الـ 5 في المئة تمثل ما يربو على نصف مليون متبرع محتمل."
"وتعرب السلطات عن قلقها، بشأن قدرة المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية على جمع الأموال، وتحريكها من خلال جهات تحويل نقدية يصعب مراقبتها، وهي طريقة نموذجية بين الممولين السعوديين."
"أمر آخر يبعث على القلق، وهو جمع تنظيم الدولة الأموال عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وغيرها من وسائل الاتصال. وكشفت السلطات السعودية عن أن مسؤولي جمع الأموال بالتنظيم يناشدون المتبرعين عبر تويتر، ويطلبون منهم إنشاء وسيلة اتصال عبر سكايب. ويُطلب من المتبرعين بعد ذلك شراء البطاقات الدولية مسبقة الدفع وإرسال أرقام البطاقات عبر سكايب، ثم تباع تلك الأرقام للحصول على الأموال".
"وفي مارس، رأست المملكة العربية السعودية، بالمشاركة مع الولايات المتحدة وإيطاليا، الجلسة الافتتاحية للمجموعة المالية لمكافحة تنظيم الدولة. وستحصل هذه المجموعة على تأييد كبير هذا الأسبوع، في قمة وزراء مالية الدول الأعضاء بمجلس الأمن، التي تركز على مكافحة تمويل التنظيم.
محمد يحيى: المملكة العربية السعودية تشكل تهديدا كبيرا لتنظيم الدولة
يعمل محمد يحيى مستشارا سياسيا بالسفارة السعودية في لندن.
ويقول: "الاتهامات الموجهة للمملكة السعودية بتمويل تلك الجماعات ودعمها أيديولوجيا ليست سوى اتهامات لا أساس لها من الصحة، فهي تمثل إساءة كبيرة لمكافحة الإرهاب، سواء في السعودية أو على المستوى الدولي."
"فالسعودية لديها بعض أكثر الإجراءات ووسائل المراقبة المالية صرامة، لإيقاف أي تمويل موجه للمنظمات الإرهابية."
"ثمة مراقبة صارمة على حركة الأموال خارج البلاد. وفي الماضي، تمكن بعض الأشخاص من الإفلات من العقاب، لكن النظام الحالي واحد من أكثر الأنظمة صرامة في العالم."
"الكثير من هؤلاء (الذين قد دعم بعضهم تنظيم الدولة ماليا) يقبعون في السجن الآن. ويقبع الآن 800 شخص في السجن لأن لديهم علاقات مباشرة بتنظيم الدولة."
"نفذ تنظيم داعش هجمات عديدة على الأراضي السعودية. وتعتبر برامج المملكة لمكافحة الإرهاب والاستخبارات أكبر تهديد للتنظيم، على المستويين الإيديولوجي والميداني."
"فالسعودية مجتمع متنوع للغاية. ويقطنها الكثير من المسلمين ذوي الخلفيات المتنوعة، إضافة إلى 18 مليون مسلم يزورونها سنويا لأداء الحج والعمرة. وسنت المملكة قوانين عدة تمنع تماما التحريض الديني، والدعوة إلى قتل الأبرياء."
"والحقيقة أن هناك خطابا غير متسامح أو مثيرا للجدل في السعودية، لكنه لا يعكس سياسية الحكومة."
"فالكثير من التعاليم الإسلامية يساء فهمها."
"ولا يعني استخدام تنظيم الدولة نصا إسلاميا واحدا لمحمد بن عبد الوهاب أن تعاليمه هي كل ما يؤمن به التنظيم. فهم سيستخدمون كل شيء يناسب رؤيتهم، أيا كان مصدره."
"وإلقاء اللوم بشأن ما يجري اليوم في سوريا والعراق وأماكن أخرى على تعاليم رجل عاش منذ 270 عاما هو محض تضليل."
فيديو قد يعجبك: