هل ينبغي فرض منطقة حظر للطيران فوق سوريا؟
(بي بي سي):
طلب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من طاقمه الدبلوماسي الأسبوع الماضي إعادة النظر في خطط لإقامة منطقة لحظر الطيران فوق سوريا، حسبما ذكرت تقارير.
ومنذ فترة طويلة، أيدت شخصيات بارزة، من بينها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، إقامة منطقة لحظر الطيران، لكن البيت الأبيض كان متحفظا.
بيد أن التعليقات الأخيرة لكيري تعيد للسطح مرة أخرى واحدا من النقاشات السياسية الأطول أمدا بشأن الحرب الأهلية في سوريا وأكثرها صعوبة.
ما هو الفرق بين منطقة حظر الطيران والمنطقة العازلة؟
تضمن منطقة حظر الطيران عدم السماح بدخول الطائرات المقاتلة الخاصة بالأطراف المتحاربة المجال الجوي المحدد. غير أن منطقة حظر الطيران لا تحول دون استمرار الأعمال العدائية على الأرض.
تتطلب المنطقة العازلة أو الملاذ الآمن تدخلا لضمان إنهاء مثل هذا القتال. بالإضافة إلى هذا، فإن تحديد منطقة عازلة تعترف بها الأمم المتحدة يتطلب قرارا من مجلس الأمن التابع للمنظمة الدولية. لكن ذلك غير مرجح، إذ ان من شبه المؤكد أن تعرقل روسيا أو الصين صدور مثل هذا القرار.
ما هي منطلقات الآراء المؤيدة والرافضة لفرض هذه المنطقة؟
سيقت مبررات عديدة وراء هذه السياسة من بينها حماية المدنيين ودعم مسلحي المعارضة وهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية".
وفي يوليو الماضي، أبرم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اتفاقا يسمح لسلاح الجو الأمريكي باستخدام قاعدة انجرليك الجوية لشن غارات ضد مسلحي تنظيم الدولة.
وأشارت تقارير في تركيا إلى أن هذا الاتفاق ينسجم مع اتفاق آخر جرى التوصل إليه لإنشاء منطقة لحظر الطيران بين مدينتي مارع وجرابلس شمالي سوريا، وهي منطقة تمتد تقريبا إلى 90 كيلومترا، لكن هذا لم يتحقق مطلقا.
وكانت هناك أهداف سياسية مختلفة للدولتين. أيدت تركيا إقامة منطقة عازلة على أساس أن ذلك سيدعم مسلحي المعارضة للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، لكن المعارضين قالوا إنها تهدف على الأرجح إلى تقويض طموحات القوات الكردية السورية.
ودفع تركيز الولايات المتحدة على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى الحديث عن إنشاء "منطقة خالية من تنظيم الدولة"، لكن في ظل عدم وجود اتفاق بشأن من سيشكل القوة على الأرض، تلاشت هذه المبادرة سريعا.
ويشار دائما إلى الاعتبارات الإنسانية كدافع لتأييد فرض مناطق لحظر الطيران ومناطق عازلة والتي تعرف في الغالب بـ"الممرات الإنسانية" أو "المناطق الآمنة".
وطرحت فكرة إقامة مناطق لحظر الطيران بشكل خاص كخيار يمكن أن ينهي حملة النظام السوري لاستخدام البراميل المتفجرة التي تقتل 200 مدني أسبوعيا.
لكن لا يوجد حاليا احتمال لفرض منطقة حظر للطيران في المناطق التي تتركز فيها هذه التفجيرات.
وفي كل الأحوال، فإنها لن توفر الحماية للمدنيين من الأطراف المتحاربة التي لا تزال تقاتل على الأرض. ومثال على ذلك، فإن المذبحة التي ارتكبت بحق أكثر من ثمانية آلاف بوسني في سربرنيتسا وقعت في منطقة لحظر الطيران فرضها حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وأكدت تركيا أن من شأن إقامة منطقة عازلة السماح للسوريين بالعودة إلى بلدهم، لكن خبراء حذروا من أن الوضع ليس بهذه السهولة، وأن هذا قد يصبح غطاء لإعادة اللاجئين قسريا إلى مناطق ليست في الواقع "آمنة".
ما هي احتمالية حدوث ذلك؟
دون التوصل إلى اتفاق الأطراف المختلفة على وجود قوة لمنع الأعمال العدائية، فإن أي نقاش بشأن فرض منطقة عازلة سيكون في الأساس معيبا.
وبالنظر إلى رفض الحكومات الغربية الدفع بـ"قوات على الأرض"، فإن خيار فرض منطقة عازلة سينظر إليه باعتباره فكرة سياسية فاشلة للولايات المتحدة وبريطانيا وشركائهما في التحالف.
وأيضا لا يوجد اتفاق بشأن أي الشركاء السوريين الذين يمكن أن يقبل الغرب قيامهم بفرض منطقة عازلة على الأرض.
وزاد الدفع بقوات روسية إلى سوريا من تعقيدات إقامة أي منطقة لحظر الطيران. وبالإضافة إلى مشاركة روسيا في الغارات الجوية ضد قوات المعارضة، فإنها تستعد لإمداد سوريا بنظام صاروخي متقدم مضاد للطائرات، حسبما ذكرت تقارير. وهذا من شأنه أن يزيد من مخاطر فرض منطقة لحظر الطيران من جانب طائرات التحالف ويفاقم من خطورة احتمال حدوث تصادم بين الطائرات الروسية وطائرات التحالف.
لا يمكن لتركيز كيري مجددا على هذه القضية أن يُغفل حقيقة أن الولايات المتحدة وحلفاءها شعروا بعدم قدرتهم على توفير الموارد اللازمة لإقامة منطقة لحظر الطيران قبيل التدخل الروسي. وبالإضافة إلى هذا، فإن الإجراءات الروسية على ما يبدو تجعل هذا الاحتمال بعيد المنال بصورة أكبر.
كاتب المقال هو مدير مشروع "المبادرة السياسية بخصوص سوريا وجيرانها" بمؤسسة تشاتام هاوس البحثية.
فيديو قد يعجبك: