لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كيف تعامل ''المتعطشين للثناء'' في بيئة العمل؟

11:56 ص الإثنين 22 ديسمبر 2014

لندن (بي بي سي)
عندما كان أوستن غرايب طالبا، لم يكن هناك دافعا له أكثر من حصول بحث دراسي أعده على تقدير ممتاز، أو نيله إشادة خطية من قبل معلمه، أو حصوله على ملصق تشجيعي ذي طابع مرح، يفيد بأنه أدى عملا ''ممتازا''.

الآن؛ وبوصفه مديرا للقسم الخاص بمجتمع وسائل التواصل الاجتماعي في مصرف (يو إس) في ولاية مينيابوليس الأمريكية، لا يزال غرايب - الذي بات في السادسة والعشرين من عمره - يتوق للحصول على مثل هذا التقدير والاستحسان لجهوده، ويحصل على ذلك أيضا.

وبفضل برنامج الإثابة والتقدير الذي يطبقه المصرف، يمكن لأي موظف؛ وليس المديرين فقط، حصد ومراكمة عبارات المديح ولفتات الإشادة. ويقول غرايب، الذي يعمل من منزله في جورجيا: ''يسعدني حقا تلقي بطاقة إليكترونية أو تلقي (ما يُعرف) بضغطة زر اعجاب إليكتروني من موظف آخر، كما لو أنه يربت على كتفي أو يشكرني على ما أقوم به من عمل، فذلك يوفر لي رد فعل مشجع أحتاج إليه لكي أعلم أنني أمضي على الطريق الصحيح''.

وبالإضافة إلى البطاقات والأزرار الإليكترونية التي يشكل إرسالها إلى موظف ما لفتة تقدير واستحسان لجهوده، أقام مصرف (يو إس) 17 ''محطة لإبداء التقدير والامتنان'' في 13 مدينة تمتد على أراضي ثلاث دول. وبوسع من يريد من العاملين في المصرف التردد على هذه الأماكن لإرسال بطاقات تتضمن الإعراب عن التقدير لزملاء من الموظفين، أو لإرسال ''أزرار اعجاب (إليكترونية) مرحة'' لهؤلاء أيضا.

إلى جانب ذلك، هناك جوائز أكثر قيمة تُخصص لأصحاب الإنجازات الأكبر، من قبيل منحهم عملات برونزية أو فضية أو ذهبية أو دروعا بلاتينية. علاوة على ذلك، هناك ما يعرف بجوائز ''طوق الخدمة المتميزة''، إحداها تتمثل في منح الموظف المُختار مبلغا ماليا إلى جانب إتاحة الفرصة له لتناول العشاء مع كبار المديرين التنفيذيين للمصرف.
هل هناك ما هو أكثر؟ نعم؛ فبمقدور عملاء المصرف إرسال رسالة تقول ''أشكر مصرفياً'' للموظفين الذين يقدمون لعملائهم خدمة متميزة.

ويقول غرايب إنه تلقى على مدار السنوات القليلة الماضية نحو 44 بطاقة وزر إعجاب إلكترونييّن، بالإضافة إلى حصوله على العديد من الدروع التقديرية، مكافأة له على جهوده في العمل، من قبيل المساعدة على إطلاق مشروعات من بينها استحداث بطاقة ائتمان لأصحاب المشروعات الصغيرة.
وفي هذا السياق يقول: ''بعد تكريس الكثير من الجهود على صعيد العمل، من شأن الحصول على جائزة درع تقديرية أن يجعل الأمر يستحق. إن ذلك يظهر أن لي تأثيرا، حتى وإن كنت أمثل جزءا صغيرا من المشروع ككل''.

الفجوة بين الأجيال
وفي الوقت الذي يصبح فيه ما يُعرف بجيل الألفية، الذي يضم شبانا من أمثال أوستن غرايب، هو الجيل المهيمن على قوة العمل في العديد من المؤسسات، يعكف أرباب الأعمال على توسيع نطاق برامج الإثابة والتقدير التي تتبناها مؤسساتهم.

وعلى الرغم من أن أبواب الاستفادة من مثل هذه البرامج مشروعة للعاملين من مختلف الأجيال، فإن أبناء جيل الألفية يبدون هم الأكثر حاجة للحصول على لفتات الاستحسان تقديرا لعملهم، مقارنة بزملائهم الأكبر سنا.

وفي بعض الأحيان يُطلق على شبان هذا الجيل، والذي وُلد المنتمون إليه في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، اسم ''مدمنو تلقي الثناء والاستحسان''، نظرا لأنه طالما أُغدِق عليهم بالتقدير والتدليل من قبل آبائهم وأمهاتهم ومعلميهم ومدربيهم، وهم الآن يتوقعون الحصول على مثل هذا الدعم الإيجابي من جانب مديريهم وزملائهم في العمل.

ومن جهتها، خلصت شركة (أو سي تانر)، التي تعمل في مجال وضع وتطوير برامج الإثابة والتقدير للموظفين، إلى أنه بينما يُغرم الموظفون الأصغر سنا بحق بتلقي المكافآت والجوائز على نحو دوري وعفوي كذلك، فإن أقرانهم الأكبر سنا يؤمنون بأن إبداء لفتة تقدير واستحسان يجب ألا يُمنح إلا لأصحاب الأداء المتميز حقا.

ويقول غاري بيكستراند، وهو نائب مدير قسم التسويق في شركة (أو سي تانر)، إن ''أبناء جيل الألفية يريدون، كلما كان ذلك ممكنا، الحصول على شهادات توثق إنجازاتهم وغير ذلك من لفتات التقدير والعرفان. ومن الأفضل ألا تكون هذه اللفتات ذات طابع عام''.

ويوضح بيكستراند: ''أبناء الجيل الأصغر سنا يحبون أن تكون المكافأة ذات طابع شخصي، للتباهي بقدراتهم وبالإسهامات التي قدموها. هم بحاجة إلى أن يعلموا أن مديريهم يدركون بالفعل قيمة كل منهم، ويريدون التيقن من أن الآخرين يعلمون ذلك بدورهم''.

يعني ذلك تقديم الجوائز والمكافآت لمثل هؤلاء الموظفين على نحو علني، وكذلك أن يكون هذا التكريم عبر شبكة الإنترنت أيضا. فعلى سبيل المثال، بمقدور أي شركة أو مؤسسة تستعين بخدمات (أو سي تانر)، أن تنشئ ما يعرف بـ''جدار الشهرة'' على الإنترنت، وذلك لتسليط الضوء على الجوائز الممنوحة للموظفين والإنجازات التي يحققونها.

كما تتيح مثل هذه الوسيلة الفرصة للموظفين الآخرين لإغداق المزيد من المديح على زملائهم المكرمين، سواء عبر ضغط زر ''الإعجاب'' أو كتابة تعليقات مفعمة بالثناء.
ويشير بيكستراند في هذا الشأن إلى أن ''لدى بعض أبناء جيل الألفية حاجة قوية لنيل التقدير على نحو عفوي من جانب أقرانهم. مثل هذا التقدير يبدو أكثر صدقا لأنهم يشعرون بأن ذاك الذي يتلقونه من مديريهم، ربما ينجم من كون هؤلاء المديرون ملزمين بذلك،'' أكثر من كونه تقديرا وامتنانا صادقا.

فرصة للتحفيز
بطبيعة الحال، تأمل الشركات والمؤسسات في أن تؤدي مكافأة الموظفين وتقدير جهودهم على نحو أكثر تواترا، إلى تحفيزهم بشكل أكبر، وتدعيم مشاعر الولاء لديهم للمؤسسة التي يعملون فيها؛ خاصة في وقت يشعر فيه الكثيرون بأنهم يعملون أكثر من اللازم ويتقاضون رواتب أقل مما يستحقونه.

وفي عام 2013 أجرت شركة أون هيويت، التي تعمل في مجال تقديم الخدمات الاستشارية بشأن الموارد البشرية، دراسة على مستوى العالم كشفت عن أن 61 في المئة فقط من الموظفين يشعرون بأنهم ملتزمون حيال أعمالهم ومرتبطون بها.

ويحتل الموظفون في أوروبا المركز الأخير على هذه القائمة بنسبة 57 في المئة، بينما يتصدرها نظراؤهم في أمريكا اللاتينية بنسبة 70 في المئة. وإذا ما نظرنا إلى عينة الدراسة على أساس الجيل الذي ينتمي له أفرادها، فسنجد أن العاملين الذين ينتمون لما يُعرف بجيل الطفرة الإنجابية، والذي ولد أبناؤه في الغرب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانوا الأكثر التزاما حيال العمل بنسبة 66 في المئة، تلاهم أقرانهم ممن ينتمون للجيل التالي، وهو الجيل الذي ولد المنتمون إليه بين عامي 1966 و1976، إذ أشارت الدراسة إلى أن نسبة الملتزمين بالعمل من بين هؤلاء تصل إلى 60 في المئة.

وفي النهاية جاء جيل الألفية، الذي أفادت الدراسة بأن نسبة من يشعر بالتزام حيال العمل من بين أبنائه تبلغ 56 في المئة. ومن جهتها تقول ستيفاني هوفمان، إحدى نواب رئيس مصرف (يو إس) إن إدارة المصرف ''ترغب في أن تشيع ثقافة التقدير والاستحسان. موظفونا متعطشون لذلك. الناس لا يزجون الشكر لبعضهم البعض بالقدر الكافي. وهناك حاجة إنسانية لتبادل الشكر''.

اللافت أن المنظومة الخاصة بمنح الجوائز والمكافآت في مصرف (يو إس) تبدو وأنها تمد نفسها بنفسها بالمقومات اللازمة لاستمرارها. فعندما يرى أوستن غرايب موظفا آخر يقتطع جزءا من وقته ليعد له بطاقة إليكترونية من تلك التي ترسل لإبداء التقدير والاستحسان، يحب غرايب بدوره أن يرد على ذلك بالقيام بالمثل حيال شخص آخر، ليشكره على مساعدته إياه بشكل أو بآخر.
وتقول هوفمان إن الأمر ''أصبح أشبه بالإدمان. بمجرد أن تقوم به، تلمس كم هو شعور جيد أن ترسل بطاقة أو ضغطة زر اعجاب إلكتروني.''

وتفيد المعطيات بأن 90 في المئة تقريبا من العاملين في مصرف (يو إس) تلقوا مثل هذا ''الشكر الإليكتروني''، بينما تشير في الوقت نفسه إلى أن نحو نصف هؤلاء العاملين أرسلوا بطاقة أو ضغطة زر اعجاب إلكتروني.

وتقول ستيفاني هوفمان إن إدارة المصرف تسعى حاليا ''لفهم أسباب عدم إقدام عدد أكبر من الموظفين على إرسال مثل هذه الأشياء. ربما يكمن السبب في أن البعض يشعرون بأنه ليس لديهم الحق في القيام بذلك، وبأن إرسال مثل هذه الرسائل منوط بالمديرين.''

في الفترة الأخيرة، بات العديد من المكافآت التي تمنح للموظفين تقديرا لأدائهم تتسم بأنها عينية، أي لا تتمثل في صورة مبالغ نقدية، وهو ما يعني أنها أقل تكلفة بالنسبة للشركات التي تقدمها، وأنها كذلك أكثر جاذبية لغالبية الموظفين من جيل الألفية.

وفي العام الماضي أجرت شركة سريديان، العاملة في مجال تقديم الخدمات الاستشارية المتعلقة بإدارة الموارد البشرية، دراسة على عينة من الموظفين الكنديين.
وخلصت الدراسة إلى أن 75 في المئة من الموظفين من أبناء جيل الألفية يفضلون مثل هذه المكافآت العينية، من قبيل تلك التي تتمثل في منح الموظف أيام عطلة إضافية مدفوعة الأجر، أو منحه وجبات مجانية، أو بطاقات لحضور حفلات موسيقية أو فعاليات رياضية.

المكافآت من هذه الفئة كانت، بحسب الدراسة، محببة لـ 65 في المئة من العاملين من أبناء جيل الوسط؛ الذي أعقب جيل الطفرة الإنجابية. أما العاملون من أبناء جيل الطفرة الإنجابية نفسه، فقد أظهرت الدراسة أن 56 في المئة منهم يفضلون مثل هذا النوع من المكافآت العينية.

ويعتبر دِب لاميري، نائب رئيس (سريديان) لشئون استراتيجيات الموارد البشرية والتواصل مع العاملين، أن ذلك يعكس ''حاجة أبناء جيل الألفية للحصول على رد فعل سريع ومستمر،'' وهو ما لا يمكن أن يتمثل طيلة الوقت في زيادة الرواتب أو منح حوافز نقدية.

الاحتفال بالمحطات الرئيسية
وبالإضافة إلى التنوع الكبير في أنماط الإثابة والتقدير التي باتت توفرها الشركات والمؤسسات، صار هناك أرباب عمل يبدون تقديرهم كذلك لأشكال إضافية من الإنجازات. فعلى سبيل المثال، اعتادت الشركة التي تدير الشبكة الوطنية للكهرباء والغاز (ناشيونال غريد)، والتي تتخذ من لندن مقرا لها، منح مكافآت خدمة للموظفين الذين أكملوا 25 أو 40 عاما من العمل فيها.

الآن، تحتفل هذه الشركة، التي تقوم بأنشطتها في المملكة المتحدة والمناطق الشمالية الشرقية من الولايات المتحدة، بما تسميه ''المحطات الرئيسية في المسيرة المهنية''.

وتبدأ هذه المحطات باستكمال الموظف لدى الشركة عامه الأول في العمل فيها، ثم استكماله عامه الخامس، فالعاشر، ثم العشرين، وبعد ذلك الثلاثين، فالأربعين، والخمسين. ويرى آيان ماكينون مدير القسم الخاص بالمكافآت لموظفي الشركة على مستوى العالم أن هذه الطريقة تكفل ألا ''يشعر الموظفون من صغار السن بعد الآن بأنهم محرومون أو مستثنون''.

وأضاف ماكينون أن الشركة تعتزم كذلك الاحتفال بمحطات رئيسية أخرى غير تلك المرتبطة بالأعوام التي قضاها الموظف في الخدمة، مثل استكمال الموظف فترة تدريب ما، أو حصوله على درجة جامعية، أو استقباله مولودا جديدا.

وبوجه عام، يرى أصحاب الشركات والمؤسسات المختلفة أن هذه الأشكال الجديدة للإثابة والتقدير، خاصة الإليكترونية منها، تحدث أثرا إيجابيا أكبر مع أبناء جيل الألفية والجيل الوسيط الذي يسبقه مباشرة.

وفي هذا السياق، يقول ماكينون: ''يعد استخدام هذه الوسائل أقل في أوساط الموظفين الأكبر سنا. البعض لا يتفهمون هذا الأمر ويعتقدون أنه صبياني الطابع. ولكننا نحاول إقناعهم بأن للإقرار بالعرفان وتقدير الجهود المبذولة فاعلية في حمل الناس على تقديم أداء أفضل، والبقاء لوقت أطول مع (ناشيونال غريد)''.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان